تهدف السندات الانتقالية إلى تمويل الشركات الملوّثة للبيئة والتي ترغب في الانتقال بأنشطتها وتطويرها لتكون أقل تأثيراً على البيئة. وتعد السندات الانتقالية شكلاً من أشكال السندات الموضوعية، والتي ترتبط بمستهدفات محددة عند إصدار السند. ومن أمثلة السندات الموضوعية، السندات الخضراء التي تموّل المشاريع الصديقة للبيئة، والسندات الزرقاء التي تموّل المشاريع الصديقة للبحار والمحيطات، والسندات الطبيعية التي تمول مشاريع التنوع الأحيائي، وتقع جميع هذه الأنواع تحت مظلة السندات المستدامة. كما تقع السندات الاجتماعية تحت مظلة السندات الموضوعية كذلك، ومنها تموّل المشاريع ذات الأهداف الاجتماعية، كان منها تمويل الاتحاد الأوروبي لحزم المساعدات الاجتماعية في أثناء الجائحة.
وتعد السندات الانتقالية –أو السندات البُنيّة كما يطلق عليها أيضاً– جديدة نسبياً مقارنةً بغيرها من السندات، وتصدرها تلك الشركات التي قد لا تتأهل للسندات الخضراء بسبب سوء سمعتها لدى المتحمسين للبيئة، أو بسبب ممارستها لأنشطة ملوّثة للبيئة بشكل أو بآخر. ومنها الشركات الصناعية الكبيرة، وشركات الطيران والشحن، وشركات الصناعات الكيميائية، وشركات النفط والغاز. وتعد هذه السندات شكلاً من أشكال الاستفادة من أدوات الدين في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، من خلال تحفيز الشركات على الانتقال لممارسات أقل ضرراً على البيئة، ولتخفيض الانبعاثات الكربونية وغازات الاحتباس الحراري.
وفيما بدأ مفهوم السندات الانتقالية في الانتشار، والهدف منه هو مساعدة تلك الشركات لتقوم بدورها في الحفاظ على البيئة، تشكك الكثيرون حول مصداقية هذه السندات. ويرى الكثير من المتحمسين للبيئة أن هذه السندات ما هي إلا ذريعة للبنوك لتقوم بتمويل الشركات الملوثة للبيئة، وأن هذا التمويل هو أشبه بما يسمى «الغسيل الانتقالي»، تقوم به الشركات بالحصول على تمويل، وفي ذات الوقت تحسّن سمعتها بأنها مهتمة بالحفاظ على البيئة. والواقع أن هذا الاتهام ليس دقيقاً، فالسندات الانتقالية مربوطة بمستهدفات واضحة ومحددة، وفي حال لم تحقق الشركات هذه المستهدفات، فقد تُلزم بدفع فائدة إضافية على التمويل، كعقوبة لها على عدم الالتزام بهذه المستهدفات. وقد يفشل إصدار السند في حال لم يقتنع المستثمرون بمستهدفات الشركة، ولعل أقرب مثال على ذلك ما حدث لشركة «تيكاي» في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 وهي من كبرى شركات الشحن في العالم، حين حاولت إصدار سندات مماثلة، إلا أن السند لم يغطّ لعدم إيمان المستثمرين بنيات الشركة، مما أدى إلى فشل الإصدار. وتدقق الكثير من السندات المستدامة بشكل مستمر من مراجعين ماليين مستقلين للتأكد من الالتزام بالمستهدفات المشروطة.
والسبب الرئيسي في هذا التشكك، هو عدم وجود معايير دولية محددة ومعتمدة من جهة معتبرة، توضح المقصود بالأنشطة الانتقالية لتخفيف الانبعاثات الكربونية، ويمكن للمستثمرين على أساسها تقييم السندات المصدّرة ومعرفة مدى مصداقيتها. ويهدف كثير من المنظمات الدولية إلى إنشاء قواعد عامة للسندات الخضراء ذات الطابع الانتقالي، ويعمل الاتحاد الأوروبي مع الصين لإنشاء فهرس يوضح هذه المعايير. ويُتوقع أن يُعرض عمل مماثل لذلك خلال قمة العشرين المقبلة في أكتوبر لأخذ مرئيات الدول الأعضاء. إلا أن بعض الدول لم تنتظر لحين إصدار معايير دولية، بل أطلقت معايير ترتبط بالأهداف البيئية المحلية والمشكلات التي تستدعي معالجة عاجلة، ومن هذه الدول ماليزيا وسنغافورة وإندونيسيا وكذلك الصين.
ولا تزال السندات الانتقالية حتى الآن في بداية انطلاقتها، فلم يصدر منذ عام 2017 إلا 16 سنداً فحسب، بمبلغ لم يزد على 7.5 مليار دولار، وهو دلالة على عدم حماسة السوق لها حتى وقتنا الحاضر. وتوقعت «ستاندرد آند بورز» أن يصل حجم التمويل الانتقالي إلى تريليون دولار في المستقبل القريب. وهو رقم قد يسهم في تحقيق الأهداف طويلة المدى، لا سيما أن المبلغ المطلوب سنوياً لتحقيق هذه الأهداف هو 1.6 ترليون دولار، حسب «بنك سيتي» الأميركي.
إن زيادة الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة، قد يجعل السندات الانتقالية تلعب دوراً مهماً في المستقبل كأداة مالية تساعد الشركات في المساهمة في تخفيف انبعاثات الكربون، وهي في أصلها فكرة رائعة قد تشكل للشركات فرصة للنمو المستدام. إلا أن هذه السندات قد تفشل فشلاً ذريعاً في حال حاولت المنظمات البيئية الضغط على الشركات في تغيير أنشطتها بشكل سريع، أو بشكل لا يتناسب مع أنشطتها، وقد تنتهي هذه الموجة من السندات قبل أن تبلغ قمتها في حال لم يُنظر إلى مساهمة الشركات في الحفاظ على البيئة بشكل واقعي. فالشركات وإن رغبت في الحفاظ على البيئة، فإنها لن تغيّر نشاطاتها بين عشيّة وضحاها، بل ستغيّر هذه النشاطات على مدى طويل، بما يحافظ على ربحيتها واستدامتها.
نقلا عن الشرق الأوسط