أسهم شركة أبل تتصاعد رغم التحديات

05/09/2021 1
د. فهد الحويماني

لا تزال إيرادات شركة أبل وأرباحها تتصاعد بشكل مذهل، وكذا سعر سهمها الذي حقق هذا الأسبوع ارتفاعا تاريخيا غير مسبوق بتجاوزه 154 دولارا، هذا كله يحدث رغم التحديات التي تواجه الشركة، فما سبب ذلك؟

تجاوزت القيمة السوقية للشركة 2.5 تريليون دولار، وتقترب مبيعاتها السنوية من 350 مليار دولار، بصافي أرباح سنوية تقارب 87 مليار دولار، وهذه أرقام غير مسبوقة على مستوى العالم. للمقارنة، تبلغ القيمة السوقية الحالية لشركة الزيت العربية السعودية أرامكو نحو 1.9 تريليون دولار، بمبيعات 200 مليار دولار لعام 2020، وصافي أرباح بنحو 50 مليار دولار، علما أن شركة أرامكو من أكبر الشركات في العالم وأهمها.

السبب الحقيقي خلف النمو الكبير لشركة أبل يعود إلى نجاحها المهول في إنتاج الهواتف الذكية عام 2007 من خلال جهاز آيفون الذي يعد الإعلان الرسمي لانطلاق ثورة الهواتف الذكية وما نتج عنه من تطبيقات وخدمات عديدة. وقد كانت مبيعات الشركة لأعوام طويلة تتصاعد ببطء إلى أن وصلت 27 مليار دولار في 2007، وبسبب "آيفون" تحديدا بدأت تتصاعد الإيرادات السنوية إلى أن وصلت إلى 350 مليار دولار اليوم. ولا تزال نسبة كبيرة من إيرادات الشركة تأتي من بيع أجهزة آيفون، وتشكل نحو 44 في المائة بحسب آخر تقرير.

السياسة التي اتبعتها شركة أبل هي سياسة احتكارية، لا شك في ذلك، ومثل كثير من النشاطات الاحتكارية التي غالبا لا تدوم، بدأت الشركة تواجه تحديات لفك هذا الاحتكار. نتيجة تلك التحديات قرار الشركة هذا الأسبوع بالتخلي عن إحدى الطرق التي استخدمتها طويلا في استقطاع نسب كبيرة من مبيعات التطبيقات التي توزع عن طريق متجرها الإلكتروني. هذا القرار اتخذته الشركة بسبب عدة قضايا رفعت ضد الشركة من جهات داخل الولايات المتحدة وخارجها، أبرزها التحقيق الذي قامت به سلطة التجارة العادلة في اليابان ضد الشركة، وآخر من الاتحاد الأوروبي.

استراتيجية "أبل" الأخطبوطية تبدأ أولا في إجبار من يطور تطبيقات الهواتف الذكية بتوزيعها فقط عن طريق متجر "أبل"، باشتراك سنوي من 100 إلى 300 دولار، ما يعادل أربعة أضعاف تكلفة الاشتراك في متجر جوجل، المخصص لأجهزة "أندرويد"، ويدفع مرة واحدة فقط. ورغم ذلك هذه الإيرادات ليست ذات أهمية بالغة، بل الإشكالية تأتي في اشتراط الشركة الحصول على 30 في المائة من أي مبيعات تتم من خلال التطبيق الذي يوزع عن طريقها، وأن تكون آلية الدفع فقط من خلال خدمات الدفع الإلكتروني الخاص بها. لذا هنا مشكلة كبيرة في أن مطوري التطبيقات الذين بالضرورة يحتاجون إلى أجهزة "أبل" لنشر تطبيقاتهم، وجدوا أن الشركة تقاسمهم مبيعاتهم بشكل غير مقبول، كون استقطاع 30 في المائة من الإيرادات كبيرا جدا بجميع المقاييس.

لذا قام كثير من المطورين بمحاولة توجيه المستخدمين إلى خارج التطبيق عندما تكون هناك حاجة إلى إجراء عملية شراء، من أجل تلافي خسارة جزء كبير من إيراداتهم، إلا أن ذلك يعد مخالفة للاتفاقية التي وقعوا عليها عندما قبلوا بإدراج تطبيقاتهم في متجر "أبل". تسلط الشركة على المطورين يصل إلى أن الشركة تمنع التطبيق من الإشارة للمستخدم بأي شكل من الأشكال إلى وجود قنوات أخرى لإجراء عمليات الشراء، مثلا من خلال نسخة التطبيق على "الويب"، بل لا يسمح للتطبيق ولا لشركة التطبيق إرسال بريد إلكتروني لإبلاغ المستخدم عن ذلك.

ما زاد من مشكلات "أبل" في هذا الجانب أن الاتحاد الأوروبي وغيره أشاروا إلى أن قيام الشركة بإجبار مطوري التطبيقات بالشراء من خلال "أبل"، ودفع 30 في المائة من قيمة المبيعات، يعد منافسة غير عادلة، كون "أبل" لديها تطبيقات خاصة بها، مثل تطبيقات الموسيقى، وهذه التطبيقات بالطبع لا معنى لقيامها بدفع 30 في المائة من مبيعاتها، كونها تطبيقات للشركة نفسها. وبذلك أصبح هناك احتكار غير مقبول.

بسبب هذه الضغوط خفضت الشركة العام الماضي نسبة الاستقطاع إلى 15 في المائة، لكن ذلك فقط للتطبيقات التي تحقق مبيعات سنوية أقل من مليون دولار، وهي خطوة هدفت منها الشركة إلى إسكات بعض الأصوات، غير أن ذلك يبدو غير كاف وعلى الشركة تقديم مزيد من التنازلات.

القرار الجديد الذي أعلنته الشركة هذا الأسبوع لا يزال يبقي على 30 في المائة كنسبة استقطاع لكن الشركة سمحت لبعض أنواع التطبيقات، مثل مبيعات الكتب والموسيقى والأفلام، بإطلاع مستخدميها بوجود طرق أخرى للدفع. هذا التنازل يعد أفضل من السابق، لكن لا يزال لا ينطبق على كثير من التطبيقات، وأهمها تطبيقات الألعاب التي تتميز بكثرة عمليات الشراء داخل التطبيق.

شركة أبل لا تزال شركة كبيرة وقوية، وتفاعل أسهمها بشكل إيجابي مع هذه الأخبار، التي قد تقلص من إيرادات الشركة، سببه أن المستثمرين يقدرون الوضوح ويخشون الضبابية، وبالتالي قد لا تكون هناك دعاوى قضائية مكلفة على الشركة. ورغم ذلك، هذه التنازلات غير كافية في نظر كثيرين، وربما لن تنتهي مشكلات "أبل" قريبا.

ختاما: أشير إلى أحد أوجه استراتيجية "أبل" الاحتكارية وهو أن مطوري تطبيقات "أبل" لا يستطيعون تطوير برامجهم إلا من خلال أجهزة "أبل" الشخصية "ماك"، وهذا يختلف عن مطوري تطبيقات "أندرويد" الذي يقومون بذلك من خلال أجهزة "مايكروسوفت" وغيرها. وسبب قيام الشركة بذلك هو بالطبع لدعم حاسباتها الشخصية، وهو المجال الذي انتصرت فيه "مايكروسوفت" منذ أعوام طويلة، وحاليا تدر على "أبل" نحو 10 في المائة من الإيرادات.

 

نقلا عن الاقتصادية