عديد من الذين يتابعون تحول الطاقة عن بعد تبدو لهم صناعة النفط ومصادر الطاقة المتجددة على وجهي نقيض. كما يعتقدون أن إمدادات الطاقة المتجددة يجب أن تكون من اختصاص أولئك الذين يولدونها. لكن على ما يبدو ليس هذا هو الحال. حيث إن هناك فرصة كبيرة لأن تقود صناعة النفط هذا التحول، فضلا عن المستقبل للطاقة المتجددة الذي يليه.
من ناحية، السبب في ذلك تقني بحت. قد يعتقد البعض أن صناعة النفط وصناعة طاقة الرياح على سبيل المثال لا يوجد بينهما شيء مشترك، لكن في الواقع، هناك شيء مشترك بينهما. إن تركيب توربينات الرياح في البحر، خاصة في المياه العميقة، يشبه إلى حد كبير تركيب منصات النفط، خاصة المنصات العائمة. لكن، التكنولوجيا ليست الرابط الوحيد بين صناعة النفط والغاز ومصادر الطاقة المتجددة. هناك أيضا الخبرة في مجال الأعمال التي جعلت صناعة النفط خيارا مربحا للمستثمرين لعقود طويلة. هذا يتغير الآن في بعض المناطق، بفضل الضغط من أجل التحول إلى مصادر طاقة أنظف، وشركات النفط الكبرى تتغير معه.
والآن يأتي منتجو الوقود الأحفوري أنفسهم وراء مصادر الطاقة المتجددة. بالفعل، تحاول شركات النفط تطوير نفسها، لذا فهي تقدم عطاءات لمناقصات بناء مزارع الرياح وشراء أصول الطاقة المتجددة الأخرى. في هذا الصدد، يعتقد بعض المحللين بأنها بذلك تقوض هوامش الربح لشركات الطاقة المتجددة الصرفة.
هناك مفارقة في الموقف. بفضل الانتعاش القوي المفاجئ في الطلب على النفط، تمكنت شركات النفط أن تكون سخية في مشترياتها وعطاءاتها من طاقة الرياح والطاقة الشمسية. لكن من ناحية أخرى، أدت الاضطرابات الكبيرة في سلسلة التوريد الناجمة عن الوباء إلى ارتفاع أسعار كثير من السلع، بما في ذلك المواد الخام للألواح الشمسية، ما جعل الألواح أكثر تكلفة أيضا. لا يعد أي من هذين الاتجاهين خطأ الصناعة النفطية، ومع ذلك فإن الصناعة هي المستفيدة منها. لكن وفقا لـ "بلومبيرج" إنه خطأ شركات النفط الكبرى، على سبيل المثال، حققت شركة أورستد الدنماركية، نتائج مالية أقل للنصف الأول من العام. ووفقا للشركة نفسها، النتائج الأقل كانت مرتبطة بانخفاض 4 في المائة في إنتاج الكهرباء الذي كان نتيجة انخفاض متوسط سرعة الرياح في تلك الفترة. وقالت شركة أورستد في تقريرها للنصف الأول من العام، "إن أرباح مزارع الرياح البحرية والبرية العاملة كانت أقل بمقدار 0.3 مليار كرونة دنماركية مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي". ذلك أن زيادة سعة التوليد من مزارع الرياح الجديدة، لم تعوض الانخفاض الكبير في سرعة الرياح لوحدات الشركة الأخرى.
يبدو الآن أنه ليس هناك ما هو أسهل من إلقاء اللوم على كل ما يحدث في الطاقة المتجددة على الصناعة النفطية. عندما يكون النفط والغاز رخيصا، يكون اللوم هو السبب في انخفاض انتشار المركبات الكهربائية والشعور العام بالإحباط في اعتماد طاقة الرياح والطاقة الشمسية. عندما يكون النفط باهظ الثمن، يكون مكلفا بسبب قوة الطلب، ما يوفر سيولة كبيرة لشركات النفط التي تمكنها من التوسع في مصادر الطاقة المتجددة. لكن، بالطبع هذا سيزيد من حدة المنافسة في هذا المجال.
في الواقع، يجب أن تكون المنافسة هي الوضع الطبيعي في السوق، بدلا من أن تكون سببا للقلق، يجب الترحيب بها كدفعة تحفيزية. يجب أن يكون هذا أكثر صحة إذا كان التأكيد الذي تقدمه جميع الجهات المعنية بالطاقة المتجددة يعكس حقيقة أن الطاقة الخضراء هي الآن أرخص مصدر للكهرباء في معظم أنحاء العالم. ينجذب المستهلكون عادة إلى مصادر الطاقة الرخيصة وعلى استعداد لدفع كثير منها. يجب أن يكون هذا جيدا للهوامش في كل مكان، حتى مع وجود شركات النفط في المنافسة.
لكن، لسوء الحظ، إن القول المأثور "أرخص مصدر للكهرباء" لا يعكس الواقع إلى الحد الذي ترغب فيه الجهات التي تستخدمه. إنها حقيقة أن تكاليف مزارع الرياح والطاقة الشمسية قد انخفضت بشكل كبير خلال العقد الماضي أو نحو ذلك مع تحسن التكنولوجيا، وانخفضت تكاليف المواد الخام بسبب وفرة العرض. مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن كلتا التقنيتين تعتمدان بشدة على الدعم الحكومي. لم تلغ الصين دعم طاقة الرياح والطاقة الشمسية قبل عامين لأنها شعرت بذلك. لكن، ألغته الآن لأنها لم تعد قادرة على دعم تلك المشاريع.
من ناحية أخرى، تستطيع شركات مثل بريتش بتروليوم، رويال داتش شل وتوتال للطاقة القيام باستثمارات كبيرة للتغلب على المنافسين في مشاريع الطاقة المتجددة الجديدة. إنهم متحمسون للغاية، حيث ينظر المساهمون والحكومات وخبراء البيئة في كيفية معالجة آثار انبعاثات الكربون الخاصة بهم. رغم أن ذلك قد يبدو غير مقبول لبعض دعاة البيئة المتشددين، إلا أن شركات النفط تميل للشراكة مع شركات الطاقة المتجددة.
في الواقع التوجهات المتعلقة بالأعمال والاستثمار لا تحركها الأيديولوجيات، بل إنها مدفوعة بالحاجة إلى تحقيق ربح. شركات الطاقة المتجددة تعرف هذا الأمر، كما تعرفه شركات النفط. لذلك عاجلا أم آجلا لا بد أن يؤدي تدفق المنافسين في مجال الرياح والطاقة الشمسية إلى شراكات ذات منفعة متبادلة. وهذا من شأنه أن يساعد شركات النفط الكبرى على التحول إلى شركات طاقة كبرى. شاء أم أبى دعاة البيئة المتشددون، سيكون هذا هو المسار الطبيعي.
بالفعل، إن الفكرة القائلة إن شركات النفط الكبرى يمكن أن تهيمن على تحول الطاقة لن تكون مستساغة بالنسبة للكثيرين الذين يعتقدون أنهم بمفردهم يقودون عملية تحول الطاقة بعيدا عن الوقود الأحفوري. ومع ذلك، هذا أحد السيناريوهات المحتملة: حيث تمتلك الصناعة النفطية الوسائل، والدافع والفرصة لقيادة دفة تحول الطاقة.
تجدر الإشارة هنا إلى أن شركة أرامكو تشق طريقها نحو تحول الطاقة باتجاهين: الأول عن طريق إحداث التحول داخل الصناعة النفطية، لتستمر في توفير الوقود للنمو الاقتصادي العالمي، لكن بمعايير أكثر توافقا مع الأهداف البيئية من خلال اقتصادات الكربون الدائري، الهيدروجين الأزرق والأمونيا الزرقاء، وتقليل الانبعاثات وتعويضها من خلال مبادرات التشجير. وثانيا عن طريق الدخول المباشر في مشاريع الطاقة المتجددة، على سبيل المثال المساهمة بنسبة 30 في المائة في مشروع سدير للطاقة الشمسية بطاقة إنتاجية تبلغ 1500 ميجاوات، الذي سيسهم في خفض الانبعاثات الكربونية بنحو 2.9 مليون طن سنويا.
نقلا عن الاقتصادية