العولمة والاقتصاد العالمي وكورونا

23/08/2021 2
د.صالح السلطان

مصطلح عولمة ترجمة للكلمة globalization. والنتيجة أن معنى هذا المسمى في المشرق العربي نأخذه من معنى هذه الكلمة الإنجليزية. هذه مسألة منهجية. والتركيز على الجانب الاقتصادي.

يدور التعريف في المصادر الإنجليزية حول شبكة العلاقة بين اقتصادات الدول وما يقاس عليها من تجمعات بشرية، من خلال التجارة والاستثمار الدوليين. وهذه العلاقة ليست أمرا مستحدثا. التبادل التجاري بين الأمم والشعوب منتشر عبر القرون. وفي القرآن الكريم أخبرنا - سبحانه - في سورة قريش عن رحلتي الشتاء والصيف. لكن شبكة العلاقات التجارية والاستثمارية بين الدول توسعت مع تطور وتوسع التطورات الآلية خلال القرنين الماضيين. وطبعا زادت توسعا خلال الـ 20 عاما الماضية التي شهدت تطورات تقنية. هذه التطورات زادت من تسهيل مختلف أشكال التواصل والتعامل بين البشر.

ما تأثير الجائحة؟ التواصل / التعامل كما أنه عرضة لأحداث تقويه، فهو أيضا عرضة لأحداث تهزه وتضعفه. وتبعا فإن أهم جانبين اقتصاديين التجارة والسفر تأثرا بقوة بالجائحة. كما أنهما محددان أساسيان في انتشار أو الحد من انتشار المرض. ومستويات التحضر العمراني تدعم هذا.

التحضر العمراني بمعنى العيش في المدن في تزايد. ومظهره الأهم تزايد نسبة سكان المدن إلى مجموع السكان في عموم الدول مع مرور الأعوام. تزايد هذا التحضر، وتقارب التعامل، والتفاعل الاقتصادي بين الدول تسهل التفاعل خارج الاقتصاد، ومنه انتقال الأمراض. من هذا نفهم لماذا القول المأثور بكراهية الخروج من بلد وقع فيها الوباء وكراهية القدوم عليه. وطبعا التطبيق له ثمن. وانتقال المرض ليس عن طريق البشر فقط، بل هو ممكن عن طريق الأطعمة ومواد الإمداد ونحوها.

كلنا نعرف أن الوباء أعاد تشكيل أوجه الحياة في مختلف تجمعات البشر ودول العالم. وتضرر نمو الاقتصاد المحلي والعالمي في العام الماضي 2020 بوضوح، وبصورة لم يشهد لها العالم شبيها على مدى عشرات الأعوام، وتشير التقديرات من جهات معروفة؛ كصندوق النقد ومراكز بحثية في جامعات مشهورة، إلى انخفاض نمو الاقتصاد العالمي، وانخفاض التجارة العالمية، بنسبة تدور حول 5 و6 في المائة في ذلك العام. وطبعا كانت الانخفاضات في الثلاثة أرباع الأخيرة من العام. ومتوقع استشفاء اقتصادي لتحقيق نمو في حدود 5 في المائة، ونمو في التجارة العالمية في حدود 8 في المائة هذا العام.

اتخذت الدول خطوات كثيرة بهدف عودة الاقتصاد إلى ما قبل الجائحة قدر الإمكان. وضخ النقود ربما كان أهم أداة في هذه الخطوات. وطبعا تتفاوت الدول فيما اتخذته من خطوات وردود فعل تبعا لعوامل كثيرة. ومن الواضح أن الاقتصادات في تحسن. لكن ما الثمن؟ تتجاذب الأفكار والآراء مسؤولي ومستشاري أمور المال والاقتصاد في حكومات الدول في فهم والأخذ بعين النظر تأثير تخفيف الخفض في الدعم الحكومي سواء في المالية العامة تحت إدارة وزارات المالية أو في السياسات النقدية تحت إدارة البنوك المركزية، تأثيره أخذا في الحسبان التأثيرات التضخمية وهو ما يشهده العالم. أوجه الدعم لم تكن السبب الوحيد لكنها كانت سببا جوهريا من أسباب التضخم. وخفض الدعم يقلل التضخم، لكنه يقلل أيضا مستوى التعافي من الجائحة. وهنا التعارض بين تحقيق هدفين متعارضين. ومن ثم تجيء أهمية مبدأ تحمل أخف الضررين.

ليس من المتوقع عودة العافية للاقتصاد العالمي تماما قبل عام 2024.

ذلك أن الدول متفاوتة في قدراتها الصحية لمواجهة كورونا وأثر في قدراتها وسياساتها نحو فتح وتعافي الاقتصاد. لكن طبعا هناك إشكالات في مستويات النجاح في المواجهة. هذه الإشكالات تنبع من عدم قناعة البعض بما تتخذه الدول من إجراءات وتنبع من تطورات في فيروسات كورونا. وزاد من مصاعب التعافي ما جره الفيروس من فقدان حياة بعض وضرر صحي لبعض آخر. وتضاف هذه إلى أضرار أخرى، مثل تزايد الفقر بصورة ملحوظة في دول كثيرة.

بقية المقال عن محاسن العولمة وعيوبها.

للعولمة جوانب حسنة، وأذكر منها:

- دعم النمو الاقتصادي بتسهيل انتقال التقنية وتبادل البضائع والمنافع وما إلى ذلك.

- خفض تكاليف الإنتاج. لأن العولمة تزيد المنافسة بين الدول والمنافسة بطبيعتها تضغط تجاه خفض الأسعار.

- دعم التعاون بين الدول لأن العولمة تتطلب تواصلا وتفاهمات على نطاق واسع.

- توليد فرص لدول ما كانت تحلم بها. الشركات تبحث مصالحها وقد تكون بعض هذه المصالح في دول غير دولها الأصلية.

لكن هناك جوانب سلبية، فمقابل أن العولمة أفادت دولا، خاصة في جانب رفع مستويات المعيشة، إلا أنها أضرت بدول، حيث تفاوتت الدول فيما يسمى التحرر المالي والاقتصادي، وجذب الاستثمارات والحركة التجارية الدولية. بعض الدول أظهرت أداء سلبيا مقارنة بدول.

- دعم العولمة للنمو غير متكافئ بين الدول لأسباب وعوامل كثيرة. والنتيجة أن تستفيد دول على حساب دول.

- تتضرر شركات محلية من بعض جوانب العولمة بالنظر إلى أن العولمة تتيح للشركات الكبيرة فرصا على حساب شركات محلية وصغيرة.

- العولمة كما تنقل بين الدول منافع ومحاسن إلى دول أخرى، فهي أيضا تنقل مشكلات لاقتصادات أخرى. ولنا في كورونا مثال.

- العولمة تضغط تجاه فقدان وظائف و/أو خفض أجور لليد العاملة المحلية، بسبب زيادة قوة المنافسة من الخارج، المؤثرة في التوظيف والأجور، بصورة مباشرة أو غير مباشرة. هذه المشكلات تقل بعض حدتها مع مؤثرات، مثل كورونا وزيادة نصيب وقوة القطاعات غير القابلة للتصدير في الاقتصاد الوطني.

 

نقلا عن الاقتصادية