يعتقد عديد من المحللين أن عصر الغاز الطبيعي الرخيص قد أصبح شيئا من الماضي، وأن أسعار الغاز ستحافظ على مكاسبها الحالية مع بعض التذبذبات. في الولايات المتحدة، ارتفعت العقود الآجلة للغاز الطبيعي في بداية هذا الشهر إلى أعلى مستوى لها في 31 شهرا عند نحو 4.16 دولار لكل مليون وحدة حرارية بريطانية MMBTU بفضل توقعات الطقس الأكثر سخونة خلال الأسبوعين المقبلين وارتفاع أسعار الغاز العالمية، ما يضمن بقاء صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية عند مستويات قياسية. من المتوقع أن يرتفع متوسط الطلب على الغاز في الولايات المتحدة، بما في ذلك الصادرات إلى نحو 95 مليار قدم مكعبة مع استمرار ارتفاع الطلب على التبريد. هذا الرقم أقل مما كان متوقعا لأن بعض محطات توليد الطاقة ستضطر إلى التحول نحو الفحم بسبب الارتفاع المتزايد في أسعار الغاز. لكن هذا لن يكون على نطاق واسع بما يكفي لوقف مسيرة الغاز.
وهذه تعد أخبارا جيدة للغاز الطبيعي المسال: ففي النصف الأول من عام 2021 قفزت صادرات الولايات المتحدة بنسبة 42 في المائة إلى متوسط 9.6 مليار قدم مكعبة يوميا، مقارنة بالنصف الأول من عام 2020. وظلت آسيا أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة، حيث شكلت 46 في المائة من الصادرات حتى نهاية أيار (مايو).
ووفقا لمصادر الصناعة، ارتفعت أسعار الغاز بشكل حاد في جميع أنحاء أوروبا وآسيا بفضل تشدد الإمدادات، وانخفاض حجم الإنتاج في أوروبا، فضلا عن انخفاض الصادرات من روسيا. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى نحو 40 يورو لكل ميجاوات ساعة "نحو 14 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية" للمرة الأولى على الإطلاق، مع ارتفاع أسعار الغاز في المملكة المتحدة إلى أعلى مستوياتها منذ 16 عاما. الوضع أكثر سوءا في آسيا، حيث وصلت أسعار الغاز إلى 15 دولارا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية. ومن المتوقع أن تشتد أزمة الإمدادات خلال الأسابيع المقبلة. من ناحية العرض الإضافي، لا يوجد عديد من الخيارات على مستوى العالم. روسيا هي في الحقيقة المصدر المتوافر الوحيد للإمدادات إلى أوروبا لكن غير مؤكد بعد، متى قد تبدأ عمليات التسليم الإضافية؟. لذلك بدأ التجار في جميع أنحاء العالم، من اليابان إلى البرازيل في مراقبة الأسعار الأوروبية أيضا.
بالفعل انتعش الطلب على الغاز الطبيعي بقوة في جميع أنحاء العالم، ويرجع ذلك جزئيا إلى الانتعاش الاقتصادي مع إعادة فتح الاقتصادات، لكن أيضا بسبب موجة من الظروف الجوية القاسية. وقد أدى الشتاء الطويل في أوروبا، وكذلك الجفاف في أماكن مثل البرازيل إلى ارتفاع استهلاك الغاز الطبيعي. ومع ذلك، فإن التوقعات الصعودية على المدى القصير يمكن أن تتعرض لضغوط.
على المدى البعيد، لا يزال الغاز يعد الوقود المجسر. الولايات المتحدة، على سبيل المثال، لديها علاقة وطيدة طويلة الأمد مع الغاز، والوقود الأحفوري يعد بمنزلة دعامة في مزيج توليد الطاقة في البلاد، حيث إن ما يقرب من نصف المنازل الأمريكية تستخدم الغاز للتدفئة. ومع التوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة في عديد من الولايات، يعمل الغاز الطبيعي كجسر من شأنه أن يجعل التحول أكثر سلاسة وقبولا. والواقع أن الغاز والغاز الطبيعي المسال ينظر إليهما الآن باعتبارهما الجسر في التحول إلى الطاقة المتجددة بفضل خصائصهما الأكثر مواتاة للانبعاثات، حيث يولد ثاني أكسيد الكربون بنسبة 30 في المائة أقل من زيت الوقود و45 في المائة أقل من الفحم. ومن المرجح جدا أن يصبح هذا اتجاها طويل الأمد.
رغم عديد من الضغوط قصيرة الأجل مثل انقطاع الإمدادات، إلا أن الانتعاش الاقتصادي العالمي، والتوقف المؤقت في بناء محطات تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة كان الدافع وراء ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي. في هذا الصدد، هناك إجماع متزايد على أن التغييرات البنيوية التي يقودها الانتقال إلى الطاقة النظيفة تعني أن هذا من المرجح أن يصبح القاعدة الجديدة.
ما فاقم الوضع، انخفاض الاستثمارات في حقول الغاز الجديدة على مر السنين وسط دعوات من المستثمرين والحكومات المهتمة بالمناخ. على سبيل المثال، إن ارتفاع أسعار الكربون في أوروبا يجبر مرافق التوليد العامة على التحول بسرعة إلى الغاز الطبيعي بعيدا عن الفحم، الصين تعتمد على الغاز أكثر من أي وقت مضى، في حين يخطط عديد من الحكومات في جنوب وجنوب شرق آسيا لعشرات من محطات الغاز الجديدة لتلبية الكهرباء المتزايدة بسرعة. علاوة على ذلك، يمكن التحول من الفحم إلى الغاز بسرعة نسبيا من خلال استثمارات محدودة. ومع وجود عدد قليل من الخيارات الأخرى القابلة للتطبيق، سيواصل العالم الاعتماد بشكل أكبر على الغاز الأنظف للمساعدة على تحقيق الأهداف الخضراء قصيرة الأجل. بغض النظر عن المواقف المتباينة بهذا الشأن، إلا أن الغاز سيكون الوقود الانتقالي لعقود مقبلة مع التزام الاقتصادات الكبرى بتحقيق أهداف انبعاثات الكربون.
ويرجح معظم المحللين أن يظل سعر الغاز مرتفعا على المدى المتوسط وأن يزداد على المدى الطويل. والواقع أن الغاز هو الوقود الأحفوري الوحيد الذي من المتوقع أن يسجل نموا كبيرا في العقد الحالي. في هذا الصدد، تتوقع وكالة الطاقة الدولية ارتفاع الطلب بنسبة 7 في المائة بحلول عام 2024 عن مستويات ما قبل جائحة كورونا. ومن المتوقع أن يظل الطلب على الغاز الطبيعي المسال قويا خصوصا، حيث توقع تحليل أجرته شركة ماكينزي أن ينمو الطلب على الغاز الطبيعي المسال بنسبة 3.4 في المائة سنويا حتى عام 2035.
غير أن نقص الاستثمارات الرأسمالية يعني أن إمدادات الغاز الطبيعي من المرجح أن تظل متشددة بعض الشيء. فعلى سبيل المثال، منذ أوائل عام 2020 لم تتم الموافقة إلا على عدد قليل من مشاريع تصدير الغاز الطبيعي المسال الجديدة، باستثناء بعض التوسعات في قطر. وفي الوقت نفسه، خططت المملكة لتطوير حقل غاز الجافورة العملاق، لكن من المرجح أن ينتهي المطاف بجزء كبير من هذا الغاز في مشروع الهيدروجين الأزرق ومشاريع البتروكيمياويات، حيث يحتوي على نسبة عالية من غاز الإيثان المدخل الأساس لهذا القطاع. ويقدر حجم موارد الغاز في حوض الجافورة بنحو 200 تريليون قدم مكعبة من الغاز الخام الغني بسوائل الغاز والمكثفات وسيجعل الحقل المملكة في المرتبة الثالثة عالميا في إنتاج الغاز عام 2030.
نقلا عن الاقتصادية