عندما ألغي خط أنابيب Keystone XL، ابتهج دعاة حماية البيئة. مع ذلك صادرات النفط الكندية إلى الولايات المتحدة لم تنخفض. ما نسيه أولئك الذين ابتهجوا بإلغاء خط الأنابيب هو شيء يبدو أن كثيرا من المعنيين ينسونه: ليست إمدادات النفط هي المشكلة. بل إنه الطلب. في وقت سابق من هذا العام، أثارت وكالة الطاقة الدولية لغطا عندما أصدرت خريطة الطريق الخاصة بها "صافي انبعاثات صفرية بحلول 2050". وصف البعض خريطة الطريق بأنها غير واقعية. ورفض آخرون ذلك باعتبارها مستحيلة. في حين، وصف الأمير عبدالعزيز بن سلمان، وزير الطاقة، خريطة طريق الوكالة بأنها تمثل سيناريو "أرض الأحلام".
دعت خريطة الطريق هذه إلى وقف الاستثمارات الجديدة في النفط والغاز. وكتبت الوكالة في خريطة الطريق: "لا حاجة إلى حقول نفط وغاز طبيعي جديدة في المسار إلى صافي انبعاثات صفرية، وإن الإمدادات ستتركز بشكل متزايد في عدد صغير من المنتجين ذوي التكلفة المنخفضة". يبدو أن الافتراض هو أنه لن تكون هناك حاجة إلى مزيد من النفط والغاز لأنه لن يكون هناك طلب عليهما. لكن الواقع مختلف تماما.
في العام الماضي، في ذروة أزمة جائحة كورونا، قال البعض في صناعة النفط: إننا تجاوزنا بالفعل ذروة الطلب على النفط. لم يتوقع أحد، بخلاف شركة بريتيش بتروليوم ألا يعود الطلب على النفط أبدا إلى مستويات ما قبل الجائحة. الآن، وكالة الطاقة الدولية، التي نفسها دعت إلى تعليق عمليات التنقيب عن النفط والغاز الجديدة، تدعو مجموعة "أوبك+" إلى زيادة إنتاجها لأن الطلب على الوقود فاق جميع التوقعات. كما تتوقع أيضا أن الطلب على النفط في العام المقبل لن يعود فقط إلى مستويات ما قبل الوباء بل يتجاوزها.
كل هذا يشير إلى شيء قد يدركه المخططون في وكالة الطاقة الدولية والاتحاد الأوروبي أو لا يدركونه لكنه مع ذلك حقيقي: الحد من المعروض من سلعة ما، لن يؤدي تلقائيا إلى انخفاض الطلب على تلك السلعة. يجب استهداف جانب الطلب في المعادلة إذا كنت ترغب في تقليل العرض، في هذه الحالة من أجل تقليل انبعاثات الكربون العالمية. ومع ذلك، هذا صعب بشكل غير عادي.
في هذا الصدد، ذكرت "رويترز" في وقت سابق من الشهر الماضي أن "الحكومات في جميع أنحاء العالم كانت بطيئة في اتخاذ قرارات حاسمة لإقناع المستهلكين بخفض استهلاك الطاقة للمساعدة على تحقيق الأهداف المناخية، غالبا لأن المستهلكين ليسوا مستعدين لتحمل تكاليف أكبر أو المساومة على أنماط حياتهم". في الواقع، يبدو أن الحكومات تتجنب موضوع الحد من استهلاك الطاقة تماما، باستثناء تحسين الكفاءة، لأن أي قرارات يجب اتخاذها في هذا الصدد غير مريحة، كما تقول "رويترز" أو، بعبارة أكثر صراحة، ستكلف السياسيين أصواتا في الانتخابات. هذه مشكلة، وتأخيرها لن يؤدي إلى حل ذاتي.
المشكلة في سياق أهداف اتفاقية باريس، هي أنه ما لم تتم معالجة قضية الطلب على الطاقة، فإن هذه الأهداف ستصبح أكثر صعوبة. والمشكلة الأكبر هي أنه حتى لو حاولت الحكومات معالجة قضية الطلب، فليس هناك ما يضمن أنها ستنجح في التوصل إلى اتفاق مع المستهلكين لخفض الطلب.
سويسرا هي مثال حديث في هذا الصدد. اقترحت الحكومة، وهي واحدة من أغنى الدول في أوروبا، قانونا لمساعدة البلاد على تحقيق أهداف الانبعاثات لاتفاقية باريس. تضمن الاقتراح رسوما إضافية على وقود السيارة وضريبة على السفر الجوي. لكن تم رفضه في استفتاء شعبي. ما تشير إليه الحالة السويسرية هو أنه حتى في الدول الغنية، ليس الجميع على استعداد لتغيير أسلوب حياتهم أو دفع مزيد من المال من أجل تقليل الانبعاثات. كملاحظة جانبية، ارتفع معدل الفقر في سويسرا أخيرا إلى 8.7 في المائة، لذا في الدول الغنية لا يعني بالضرورة أن الجميع أغنياء ويستطيعون تحمل تكلفة المركبات الكهربائية.
عندما يتعلق الأمر بالدول الفقيرة تصبح المشكلة أكثر صعوبة. الآن، تخيل كيف سيكون رد فعل المواطنين الأقل دخلا في الدول الغنية على الأخبار التي تشير إلى موافقة حكوماتهم على المساعدة على دفع تكاليف انتقال الطاقة في بلد آخر؟. وهذا يعني فعليا أن هؤلاء المواطنين أنفسهم سيدفعون ثمن خفض الانبعاثات الخاصة بهم ولشخص آخر. ليس من المحتمل أن يكون هذا مقبولا من قبل دافعي الضرائب في أي مكان، حتى في أكثر الدول الأوروبية الداعمة بقوة لتحول الطاقة.
إذن، يبدو أن الوضع وصل إلى طريق مسدود، وقد يصبح مزمنا، مع احتمال ضئيل حتى الآن للحكومات للتخفيف من أهدافها المتعلقة بالانبعاثات. إذا كان هناك أي إجراء، فهم يشددون على هذه الأهداف، ما يجعل من الصعب إقناع المستهلكين بانتقال الطاقة. في هذا الصدد، قالت وكالة الطاقة الدولية في وقت سابق من الشهر الماضي: "نرى فجوة آخذة في الاتساع بين السياسات المعلنة وما يحدث في الحياة الواقعية". "كثير من الحكومات تأتي بأهداف صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050 وفي العام نفسه تتزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وستكون ثاني أكبر زيادة في التاريخ". وأضافت الوكالة "يجب تغيير سلوك المستهلك نتيجة إجراءات الحكومة".
لا يمكن إجراء مثل هذا التغيير إلا بإحدى طريقتين: ببطء وتدريجي، أو بسرعة وقوة. استنادا إلى الأهداف التي حددها منظرو التحول في مجال الطاقة، لا يعد التحول التدريجي والبطيء خيارا مطروحا. لكن الطريق السريع والقسري محفوف بالمخاطر والتحديات وغير مضمون النتائج.
في الواقع، رغم أن التفاؤل قد ساعد على حشد الدعم لتحول الطاقة العالمي، إلا أن درجة من الواقعية ضرورية أيضا. من المحتمل أن تمر عقود قبل أن يحدث تحول عالمي كامل في نظام الطاقة، وفي الوقت نفسه، فإن الطريقة الأكثر فاعلية لتقليل الانبعاثات هي التحكم في الاستهلاك. هذه عملية تواجه عقبات مالية وتكنولوجية واجتماعية، والتنبؤ بالوقت الذي ستستغرقه المهمة شبه مستحيل. ربما يكون تحول الطاقة قد بدأ، لكن لا يزال هناك طريق طويل للغاية قبل أن يتم الابتعاد حقا عن الوقود الأحفوري.
نقلا عن الاقتصادية
اتوقع عند حلول2050 يكون العالم قد استهلك اكثر من نصف الاحتياطي من النفط والغاز فيصبح من العبث حينها هدرهما في انتاج الطاقه بل من اجل استدامة الرفاه في الصناعات بشكل عام .