من فترة لأخرى أختار مراجعة كتاب في الاقتصاد أو التنمية. في هذا العمود أقدم مشاركة للقراء في اختصار لكتاب Discrimination And Disparities - العنصرية والمفارقة للاقتصادي Thomas Swell كتاب مهم لأنه يناسب الفترة الحالية التي يسودها درجة من الشعبوية والاهتمام الاقتصادي. لعل من اللافت أن الكاتب اقتصادي محافظ أمريكي أسود، خاصة أن الطبعة الثانية ظهرت أثناء الأزمة الحالية بين الأعراق والطبقات في أمريكا أثناء تغير الإدارة والسياسات الاقتصادية. الكتاب علمي وموضوعي ويستند إلى مصادر وإحصائيات موثقة، خاصة أن الحديث عن العنصرية والمفارقة مثقل بالتاريخ والعواطف والاتهامات المبررة وغير المبررة. لذلك، لا بد أن تكون أغلب التفسيرات تستند إلى عوامل اجتماعية وأديولوجية وسياسية ونفسية وتآمرية ما يجعل التحليل الهادف صعبا.
فالفروق الكبيرة في الأداء والمخرجات بين الأفراد والمجموعات والدول تثير غريزة وحيرة المحلل واستياء الأغلبية. فالتفسير عادة يقع بين التفسير الجيني من طرف والحظ من الطرف الآخر.
أغلب تفسيرات الفروق تقع بين الجيني والحظ، فالاختلافات كما يعرضها الكتاب في المخرجات الاقتصادية ليست بسبب الجينات أو معاملة الآخرين. مصدر الفروق غالبا يكمن في توافر متطلبات النجاح في كل مجال، ففقدان أو اختلاف بسيط في أحد المتطلبات يغير احتمالات النجاح بفارق كبير. العلاقة بين توافر متطلبات النجاح والاحتمالات مباشرة. فمثلا، إذا كان هناك خمسة متطلبات للنجاح في مسعى معين وافترضنا أن احتمال توافر كل متطلب في شخص ما 67 في المائة، فإن حساب الاحتمالات يقود إلى أن فرصة تحقيق المتطلبات الخمسة في الفرد تكون 12.5 في المائة، أي أن احتمال الفشل سبعة أضعاف احتمال النجاح. فتوافر أربعة متطلبات من خمسة لا يعني كثيرا في النتيجة النهائية. فمهما تفوق شخص ما في متطلب وظهر كأنه نجم للبعض قد لا يعني كثيرا مع شخص اجتاز المتطلبات الخمسة بالدرجة المقبولة. توافر العوامل يحتاج إلى جهد لتحقيق المتطلبات، وتوافر العوامل الكامنة دون جهد لا يعني شيئا في النتيجة الأخيرة.
في دراسة تابعت 1470 فردا لمدة تصل إلى أكثر من 50 عاما حققوا أعلى من 140 في اختبارا لقياس الذكاء IQ اتضح اختلاف كبير في الأداء لهذه الفئة التي أعلى 1 في المائة من السكان في مقياس الذكاء. 20 في المائة كان ضعاف الأداء، ومن هؤلاء 8 في المائة حصلوا على تعليم عال، ولم يحقق أحد منهم جائزة نوبل، بينما حققها اثنان تم قياس ذكائهم، لكن لم يصلوا إلى مستوى 140. بالتالي، هناك عوامل متطلبات أخرى للنجاح. تعدد عوامل ومتطلبات النجاح يجعلها موزعة بطريقة غير منظمة أو متوقعة فما يجعلها متوافرة في مجموعة أو جيل ليس ضمانا لاستمرارها، بل قد تتوافر في أفراد ومجموعات ودول أخرى بعد فتره. بل إن المتطلبات نفسها تتغير مع الوقت مع تغير أنماط الحياة وتغير سبل المعرفة. ربما أهم تغير ثوري في حياة البشر كان تطور الزراعة التي حدثت في 10 في المائة من حياة البشر الأخيرة التي أصبحت مصدرا لتطوير كثير من المعارف والتقنيات التي حددت مصير الحضارة. ربما ليس غريبا أن كل الحضارات القديمة حدثت في مناطق من العالم فيها متطلبات متشابهة مثل مصاب الأنهار في الصين والهند والعراق ومصر. فلم يكن العنصر الجيني أو المناخ أو الثقافة هو المحدد، فبعض هذه المجتمعات لم يستطع المواصلة. العيب في التحليل والإسقاط غالبا يأتي بسبب الفجوة بين الإدراك والواقع واعتبار الاحتمالات، ما يعطي التيارات الأيدولوجية والسياسية فرصة لإشاعة تعتيم وتجهيل. في الأسبوع المقبل نواصل متابعة بعض النتائج التجريبية.
نقلا عن الاقتصادية