أشاد صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي 2021 بأداء الاقتصاد السعودي خلال الفترة الراهنة، مؤكدا الفعالية العالية، والنجاح الكبير للسياسات والتدابير الكبيرة التي اتخذتها المملكة منذ الوهلة الأولى لتفشي الجائحة العالمية لفيروس كوفيد - 19، وما زالت مستمرة وتتمتع بكثير من المرونة وسرعة الاستجابة لأي مستجدات ذات علاقة بتداعيات الجائحة العالمية حتى تاريخه. وكما هو معلوم أن خبراء الصندوق اعتادوا سنويا العمل بالمشاركة مع مسؤولي الأجهزة الحكومية في الدول الأعضاء، على إصدار تلك التقارير السنوية حول أداء اقتصادات الدول الأعضاء، وتقييم السياسات والبرامج والإجراءات التي يتم اتخاذها خلال الفترة، ويتم نشره سنويا بعد اختتام مشاورات المادة الرابعة لعام 2021 مع الأجهزة الحكومية ذات العلاقة في المملكة.
تركز التقييم الجيد من قبل خبراء الصندوق على عديد من الجوانب الرئيسة، لعل من أهمها خلال الفترة الراهنة التي ما زال المجتمع الدولي يواجه تحديات وتقلبات الجائحة العالمية لفيروس كوفيد - 19، تأكيدهم قوة ومتانة السياسات السعودية في مواجهة تداعيات الجائحة، واقتران كل ذلك بالالتزام العالي باستمرار تنفيذ البرامج الإصلاحية والتطويرية التي يخضع لها الاقتصاد الوطني، التي أكد معدو التقرير الأخير أهمية تلك البرامج، واستمرار العمل بها وفق جدولها الزمني المقرر، ولما تمثله من أهمية قصوى للمحافظة على النمو الشامل والمستدام للاقتصاد، وتنوع قاعدته الإنتاجية، والتأكيد أيضا على أهمية اقتران استمرار العمل بتلك الإصلاحات بمواصلة تعزيز شبكة الأمان الاجتماعي اللازم لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض.
تبين المراجعة السريعة لمجمل السياسات والتدابير والإجراءات، الأهمية القصوى لذلك المجموع من الجهود الضخمة، وتسخير الموارد المالية الكبيرة التي قامت المملكة باتخاذها منذ بدء الجائحة العالمية مطلع العام الماضي وخلال فترة نصف العام الجاري. حيث قامت المملكة بتنفيذ مجموعة واسعة من إجراءات التحفيز الاقتصادي للتصدي للآثار العكسية الناتجة عن إجراءات مكافحة الفيروس على مستوى كل من المواطنين والمنشآت على حد سواء، وقدمت ضمانات استهدفت تغطية 60 في المائة من دخل المواطنين المتضررين العاملين في منشآت القطاع الخاص، وقامت أيضا بتخصيص إنفاق إضافي بنحو 74 مليار ريال "4.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي"، توزع بنحو 40 مليار ريال لمصلحة القطاع الصحي، كما خصص منه نحو 30 مليار ريال للتخفيف من تداعيات جائحة كوفيد - 19 على القطاع الخاص والأسر، فيما تم تخصيص نحو أربعة مليارات ريال لتعجيل سداد المدفوعات المستحقة لمنشآت القطاع الخاص، وعملت المملكة ممثلة في أجهزتها الحكومية ذات العلاقة على بذل مزيد من الجهود الهادفة إلى رفع قدرتها الاستيعابية على مستوى بناء مستشفيات متنقلة جديدة، وتوفير إمكانية تنقلها عبر المناطق والمدن والمحافظات حسبما تقتضي الحاجة.
كما استهدفت المملكة تحقيق مزيد من التقدم على طريق تمكين القطاع الخاص، وتحفيز النمو وإتاحة مزيد من فرص التوظيف، والاستمرار في تمويل المشاريع التنموية في الأجل المتوسط، مع التركيز على استمرار رفع كفاءة الإنفاق، وتعظيم العائد الاقتصادي والاجتماعي، وإتاحة فرص متزايدة أمام القطاع الخاص في مشاريع البنية التحتية، ولهذا جاء الإعلان عن برنامج تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص «شريك» المخصص للشركات المحلية، والتحرك بخطى أسرع فيما يتعلق ببرنامج التخصيص وتعزيز دور القطاع الخاص في تقديم الخدمات وإتاحة الأصول الحكومية له، بهدف تحسين جودة الخدمات عموما، وتقليل تكلفتها على الميزانية العامة، كما أسهم في تعزيز جذب المستثمر المحلي والأجنبي المباشر وتحسين ميزان المدفوعات، كما تم أخيرا إطلاق برنامج «صنع في السعودية» الهادف إلى دعم المنتجات الوطنية محليا وعالميا. وعلى مستوى السياسة المالية، لما تمثله من أهمية كبيرة في تحفيز الأداء الاقتصادي الكلي، فنظرا لتطورات المرحلة الراهنة تركزت السياسات المالية على تحقيق التوازن بين استدامة الاستقرار المالي من جانب، ومن جانب آخر على تعزيز النمو الاقتصادي، والعمل على دعم ومساندة مرحلة التحول الراهنة التي تمر بها المملكة، حسبما تضمنته البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030. كما عملت المملكة على تنفيذ حزمة واسعة من الإصلاحات المالية والاقتصادية، الهادفة إلى إحداث التغيير الشامل للاقتصاد الوطني، وتمكينه من الانتقال الكبير تنمويا في الأجلين المتوسط والطويل، ولهذا تم إقرار العمل ببرامج عديدة من أهمها في هذا السياق: برنامجا الاستدامة المالية وتطوير القطاع المالي، إضافة إلى استمرار العمل بالإصلاحات الهادفة إلى تقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية، وتطوير إدارة المالية العامة، وتحسين نظم المشتريات الحكومية، وأتمتة وتسهيل الإجراءات الحكومية أمام منشآت القطاع الخاص، وتحقيق مزيد من التقدم على طريق التخصيص وزيادة مشاركة القطاع الخاص، والعمل على تعزيز مستوى الشفافية والافصاح المالي بصورة مستمرة. إضافة إلى كل ما تقدم، استمرت إدارة السياسة المالية طوال فترة الجائحة في تعزيز الدور التنموي والاقتصادي لكل من صندوق الاستثمارات العامة، وصندوق التنمية الوطني، وبقية الصناديق التنموية في تنويع القاعدة الاستثمارية، ودعم الاقتصاد الوطني، وتنشيط محركات النمو، ووضع الممكنات اللازمة لاستغلال الفرص الاستثمارية الواعدة والاستفادة منها.
كما استمرت المملكة في بذل الجهود اللازمة بهدف تحقيق المزيد على طريق رفع كفاءة الإنفاق، والمحافظة على الاستدامة المالية، والتركيز على الدور الرئيس للقطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، والعمل على المزيد من تمكينه على مستوى إنشاء وتشغيل عدد كبير من المرافق والخدمات الأساسية. ونتج عن إعادة هيكلة إعداد الميزانية العامة للمساهمة برفع كفاءة الإنفاق الحكومي، تحقيق وفورات مالية كبيرة خلال الأعوام الأربعة الماضية بأكثر من 400 مليار ريال. وقامت هيئة كفاءة الإنفاق والمشاريع الحكومية بتدشين "منصة المشروعات الوطنية"، وتختص بمتابعة حالة المشاريع الإنشائية على مستوى المملكة، وتقوم بتغذية البيانات المتعلقة بالمشاريع العامة، بالتعاون والشراكة مع الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، وتوفيرها وتحديثها باستمرار أمام متخذي القرار، وبما يدعم اتخاذهم للقرار المناسب الذي يضمن سير المشاريع حسب الخطة الزمنية والمالية.
إن المنجزات التي تمت خلال الأعوام الخمسة الماضية، بما فيها فترة العام ونصف العام الأخير، وما تضمنته من تحديات جسيمة جراء التصدي لتداعيات الجائحة العالمية التي لم يتسع المجال هنا لذكرها حسبما ورد في التقرير الحديث الصادر عن صندوق النقد الدولي 2021، لتؤكد بموثوقية عالية الأهمية القصوى للخطوات الإصلاحية العملاقة التي أقرتها المملكة، وفقا لرؤيتها الاستراتيجية 2030، وأنها شكلت ركائز راسخة لتعزيز الاستقرار الاقتصادي الوطني، وزيادة متانة وقدرة وتنوع قاعدته الإنتاجية المحلية، التي تولد عنها وسيتولد مزيد من الفرص الاستثمارية المجدية في الاقتصاد، وتسهم بدورها في زيادة فرص العمل الكريمة أمام الباحثين عنها من الموارد البشرية الوطنية، وما تم إنجازه رغم كل تلك التحديات، يبعث كثيرا من الآمال والطموحات لدى الجميع لتحقيق مزيد من التقدم والتطور المنشود، وصولا إلى المستهدفات النهائية - بمشيئة الله تعالى - لرؤية المملكة 2030.
نقلا عن الاقتصادية