كثير منا يعرف أن جريمة استغلال المعلومات الداخلية الخاصة بالشركات المدرجة في السوق المالية بهدف تحقيق مكاسب مادية شخصية يعد من الجرائم التي تحاربها جميع الأسواق المالية في العالم، بما في ذلك السوق المالية السعودية. وهذه الجريمة مجرمة نصا في نظام السوق المالية، وتحدث عند قيام أشخاص طبيعيين بالاستفادة من معلومات داخلية خاصة قد تقع بين أيديهم، ومن ثم يقررون تداول الورقة المالية المعنية لتحقيق أرباح غير مستحقة. إلا أن نظام السوق المالية لم يتطرق إلى الجريمة ذاتها فيما لو تم استغلال تلك المعلومة الداخلية الخاصة لمصلحة الشركة نفسها، سواء كانت الشركة مدرجة أو غير مدرجة، وليس بالضرورة لمصلحة أشخاص طبيعيين!
في هذا المقال أطرح وجهة نظري حول هذا الجانب الذي أرى أن معالجته يجب أن تتم من خلال نظام السوق المالية أو لائحته التنفيذية، وهذا ما يمكن تسميته استغلال المعلومات الداخلية المتعلقة بالسوق المالية، ومسؤولية ضبطه تقع على عاتق هيئة السوق المالية. الجانب الآخر هو، استغلال المعلومات الداخلية التي تتم خارج نطاق السوق المالية، وهذا ليس من اختصاص هيئة السوق المالية، وهو جريمة استغلال معلومات داخلية خاصة بجهات حكومية أو شبه حكومية من قبل أشخاص طبيعيين أو اعتباريين لتحقيق مكاسب غير مشروعة خارج السوق المالية.
مرة أخرى، هناك جرائم استغلال معلومات داخلية متعلقة بالسوق المالية، وهناك جرائم غير متعلقة بالسوق المالية، ونبدأ أولا بتلك المتعلقة بالسوق المالية.
“المعلومات الداخلية” هي، المعلومات غير المتوافرة لعموم الجمهور ولم يتم إعلانها، التي عندما تعلن يكون لها تأثير جوهري في سعر سهم الشركة المدرجة، وهذه الجريمة منصوص عليها في المادة الـ50 من نظام السوق المالية. المادة تنص على أنه، يحظر على أي شخص، يحصل بحكم علاقة عائلية أو علاقة عمل أو علاقة تعاقدية على معلومات داخلية “يشار إليه بالشخص المطلع”، أن يتداول بطريق مباشر أو غير مباشر الورقة المالية التي تتعلق بها هذه المعلومات. والنظام كذلك يجرم أي شخص آخر، غير الشخص المطلع نفسه، ممن قد يستفيد من المعلومة وهو يعلم أنها معلومات داخلية خاصة.
هذا النوع من التداول المحظور يتطلب كثيرا من البحث والتقصي والرصد الدقيق، وهذه الجرائم تؤخذ بشكل جدي في دول كثيرة، ودوما تعلن الحالات المخالفة ويشهر بأصحابها من باب التذكير بخطورتها ومن أجل أن يعرف أن هناك من يراقب ويتابع.
إذن، لسد ثغرة قيام الشركة المدرجة ذاتها باستغلال أي معلومة داخلية خاصة بها وناشئة عنها، أو أي معلومات داخلية أخرى متعلقة بأطراف داخل السوق المالية أو خارجها، من الممكن الاستفادة من نص البند “ج” من المادة الـ50 الذي منح الهيئة صلاحية وضع القواعد لتحديد وتعريف المصطلحات الواردة في المادة الـ50، أي أنه بالإمكان اعتبار أي شركة مدرجة واقعة في جريمة تداول مبني على معلومات داخلية، وذلك من خلال تفسير نص المادة ليشمل الشركات، وليس فقط الأشخاص الطبيعيين.
ماذا عن المعلومات الداخلية خارج نطاق السوق المالية؟
الإشكالية هنا أنه لا يوجد جهاز مختص بمراقبة ورصد عمليات استغلال المعلومات الداخلية لتحقيق مكاسب شخصية في مجالات بعيدة عن السوق المالية، مثل السوق العقارية أو داخل الشركات الخاصة. على سبيل المثال، هناك جهات حكومية وشبه حكومية لديها أموال كبيرة معدة للاستثمار داخل الأسواق المالية وخارجها، وتقوم هذه الجهات باتخاذ قرارات تجارية واقتصادية مؤثرة دون وجود جهاز رسمي معني بمراقبة إمكانية وقوع جرائم استغلال المعلومات الداخلية من قبل بعض الأشخاص المطلعين داخل هذه الجهات.
إليك بمثال افتراضي لإيضاح فظاعة الجرائم الممكن حدوثها، ولنأخذ المؤسسة المعنية بصناديق التقاعد، فبعد دمج مؤسسة التأمينات الاجتماعية والمؤسسة العامة للتقاعد، ستدير هذه المؤسسة محفظة استثمارية تقدر أصولها بأكثر من 700 مليار ريال، وعندما تقرر تلك المؤسسة الدخول في استثمار معين، وليكن بناء مجمع عقاري على مساحة أربعة ملايين متر مربع، فهل من ضوابط لالتزام هذه المؤسسة بإجراءات معينة تمنع انتشار الخبر قبل إقراره؟ وهل من جهاز رقابي معني برصد أي حالات استغلال لهذه المعلومة من قبل آخرين داخل المؤسسة وخارجها؟
هناك جهات أخرى غير مؤسسة التقاعد، وهناك صناديق حكومية كبيرة ومؤثرة، إلا أنه لا توجد آلية ولا نظام ولا جهاز رقابي خاص بمتابعة ورصد ومعاقبة استغلال المعلومات الداخلية المتعلقة بهذه الجهات. برأيي، أن هذه ليست من الأمور التي يمكن لهيئة مكافحة الفساد متابعتها، لأنها من الأمور الصعبة التي تحتاج إلى جهاز متخصص يطبق سياسات محددة وبروتوكولات دقيقة لضبط العملية بشكل استباقي، ويمكن لهذا الجهاز الاستفادة من جهود هيئة السوق المالية في مجال التداول بناء على معلومات داخلية.
أعتقد أن هذا الجهاز الرقابي المعني بالمعلومات الداخلية من داخل السوق المالية وخارجها، يمكن أن يتولى عملية ضبط انتشار المعلومات واستغلالها من قبل فئات دون غيرها، من خلال إعداد سياسة خاصة بإدارة الأخبار والمعلومات والقرارات المؤثرة. على سبيل المثال، هناك بيانات متعلقة بميزانية الدولة أو الناتج المحلي الإجمالي أو نسبة البطالة، أو تلك الصادرة عن جهات كبرى، كمؤسسات التقاعد والوزارات والهيئات الحكومية، مثل تغيير معدل سعر الفائدة من قبل البنك المركزي، أو أي إعلانات متعلقة برسوم مالية أو معونات أو تغيرات في الضريبة أو التعرفة الجمركية، أو منع التصدير أو السماح به، أو أي اشتراطات بلدية جديدة أو ضوابط معينة من قبل وزارة التجارة أو غيرها من الجهات.
السياسة التي من الممكن للجهاز الجديد تبنيها، تشمل إلزام تلك الجهات التي تمتلك المعلومات المؤثرة باتباع بروتوكولات معينة تصنف فيها المعلومات حسب أهميتها وتحدد من خلالها طرق المحافظة على السرية وطرق إعلان المعلومات والأخبار، وطرق رصد أي مخالفات لذلك، بحيث تقطع هذه البروتوكولات الطريق على المنتفعين من الأخبار الجوهرية وتجعل المعلومة تصل إلى جميع الناس بعدالة وشفافية.
نقلا عن الاقتصادية
اامفروض سحب بعض الصلاحيات من هيئة سوق المال مثل المراقبة والموافقة على الطرح والادراج وزيادة رؤوس أموال الشركات أو تخفيضها وتوضع تحت ادارة مستقلة تتبع لديوان المراقبة العامة، فهيئة سوق المال أثبتت فشلها الذريع في إدارة كل ذلك وأصبحت تجامل الكثيرون على حساب مصلحة إقتصاد البلد ووجود سوق مالي قوي يستقطب إستثمارات عالمية حقيقية