الاستثمار في قطاع السيارات الكهربائية

24/06/2021 0
د. فهد الحويماني

لم يعد السؤال عما إذا كانت السيارات الكهربائية ستنجح يوما ما وتستبدل السيارات التقليدية، بل السؤال الآن هو عن سرعة هذا التحول، هل سيحدث خلال خمسة أعوام أم عشرة أم 20. هذا اليقين أتى بعد نجاح شركة تسلا للسيارات في إثبات الجدوى من صناعة السيارة الكهربائية من خلال موديل "رودستر" عام 2008، الذي نجح كسيارة كهربائية تعمل على بطاريات الليثيوم أيون ويمكن قيادتها لمسافات طويلة بشحنة واحدة بلا أي انبعاثات كربونية ملوثة للبيئة وبمتعة عالية للقيادة. شركة تسلا ليست الوحيدة في مجال السيارات الكهربائية، حيث التنافس الآن على أشده في تصنيع السيارات ذاتها وفي تصنيع مكونات السيارات الكهربائية من البطاريات إلى المحركات وغيرها من الأجزاء المشكلة لنظام بيئي متكامل لهذا القطاع.

هذا التقرير يلقي الضوء على قطاع السيارات الكهربائية، من حيث أنواعها ومبيعاتها والتنافس فيما بينها، ونتكلم عن أهم الشركات التي لديها أسهم مدرجة وطرق الاستثمار فيها، وننظر إلى الشركة التي استثمر فيها صندوق الاستثمارات العامة في المملكة، وما لديها من مفاجآت.

السيارات الكهربائية كانت موجودة منذ أكثر من 100 عام!

على عكس ما يتوقعه البعض فإن الأصل في السيارات هي أن تكون كهربائية، لا أن تعمل على الوقود النفطي، حيث ظهرت أولا قطارات الترام عام 1875 في روسيا، وهي عبارة عن حافلات لنقل الركاب والبضائع تستمد طاقتها من كابلات كهربائية معلقة على جنبات الطريق، وبسبب هذا النجاح بدأ بعض المخترعين في فرنسا وبريطانيا وألمانيا محاولات حثيثة لصنع سيارات صغيرة خاصة بالأفراد يمكن قيادتها بحرية دون الحاجة إلى الكابلات المعلقة. وفي عام 1884 تمت صناعة أول سيارة كهربائية تعمل ببطارية قابلة للشحن على يد البريطاني توماس باركر، ومن ثم انتشرت السيارات الكهربائية في المدن الرئيسة حول العالم، وهي غالبا السيارات التي نراها في الأفلام السينمائية القديمة.

من أهم النقاط الإيجابية في صف السيارات الكهربائية هي أنها تستغني عن الوقود النفطي المكلف ماديا، الذي يصل في المتوسط في أمريكا إلى ما يعادل 32 ريالا لكل مائة كيلو متر، بينما في السيارات الكهربائية ينخفض إلى نحو ثمانية ريالات للمائة كيلو متر.

أول سيارة كهربائية ليست من شركة تسلا

في عام 1996 قامت شركة جنرال موتورز بإنشاء خط إنتاج رئيس لصناعة السيارات الكهربائية، وبالفعل تم إنتاج أول سيارة كهربائية تعمل على البطارية، وتم تصنيع 110 سيارات منها، إلى أن تم إيقاف المصنع عام 1999 وإلغاء فكرة السيارة الكهربائية بشكل نهائي عام 2003. تنوعت الأسباب والتبريرات لقرار الإيقاف من كون تكلفة الإنتاج عالية وأداء القيادة جاء أقل من المتوقع، إلى أسباب أخرى تتهم "جنرال موتورز" وشركات النفط بالتآمر للاستمرار في تصنيع السيارات التقليدية، لأسباب ربحية.

وبينما يعد إيلون ماسك الأب الروحي للسيارات الكهربائية في الأعوام الأخيرة، إلا أن الحقيقة أنه لم يقم بتأسيس شركة تسلا، بل التحق بها بعد عام من تأسيسها على أيدي مهندسين اثنين كانت لديهما قناعة تامة بأن بطاريات الليثيوم هي الحل الناجع للسيارات الكهربائية.

السيارات الكهربائية 3 أنواع

بعد إثبات الجدوى من تصنيع السيارات الكهربائية بشكل تجاري مكثف، شعرت شركات السيارات حول العالم بالخوف الشديد من مخاطر التأخر في الدخول إلى هذا المجال، وبدأت جميعها بطرح ما لديها من حلول وابتكارات. فقامت بعض الشركات بإنتاج ما يعرف بالسيارات الهجينة، وهي سيارات تقليدية تعمل على الوقود، لكن لديها محركا آخر كهربائيا يستخدم لتخفيف استهلاك الوقود، كونه يتولى تحريك السيارة عندما تكون بطاريته مشحونة بشكل كاف. هذا النوع من السيارات لا يمكن شحن بطاريته من الخارج، بل إن الشحن يتم أثناء استخدام كوابح السيارة، وليس من خلال "الدينامو" كما يظن البعض: استخدام الكوابح لإيقاف السيارة تنتج عنه طاقة مهدرة يمكن توظيفها في سبيل شحن البطارية. وعلى الرغم من ذلك، بدأ يتقلص إنتاج سيارات الهجين التقليدية لعدم جدواها، وربما هي كانت مجرد ردة فعل سريعة من الشركات التقليدية.

النوع الثاني من السيارات الكهربائية هو الهجين ذو البطاريات القابلة للشحن من مصادر خارجية، وهو تقريبا النوع الهجين التقليدي ذاته، عدا إنه يمكن شحن البطاريات في المنزل أو من خلال محطات الشحن الكهربائية التجارية. ويتميز هذا النوع ببطاريات كبيرة ومحركات كهربائية أقوى من الهجين التقليدي، ومن أكبر المنتجين له شركة ميتسوبيشي، التي الآن تعمل في تحالف مع "نيسان" و"رينو"، وكذلك "تويوتا" و"شيفروليه" وشركة "بيد" الصينية.

النوع الثالث هو السيارات الكهربائية المحضة، وهي لا تستخدم الوقود نهائيا، وتعتمد على بطاريات متطورة تسمح بقيادة السيارة لمسافات بعيدة، تصل إلى أكثر من 600 كيلو متر بشحنة واحدة لبعض سيارات تسلا. هذا النوع في الواقع هو مستقبل السيارات، وهو ما تتجه إليه معظم شركات السيارات في العالم.

السعودية تستثمر في شركة لوسيد للسيارات الكهربائية

دخل صندوق الاستثمارات العامة كشريك في شركة لوسيد عام 2018 باستثمار مليار دولار، وحاليا الصندوق يمتلك 67 في المائة من الشركة التي تقدر قيمتها بنحو 24 مليار دولار. شركة لوسيد متوقع أن تطلق أول سيارة لها Lucid Air في الأشهر القليلة المقبلة، وهي سيارة تسارعها من صفر إلى مائة كيلو متر يتم خلال 2.5 ثانية، وتصل سرعتها القصوى إلى 378 كيلو مترا في الساعة. لدى الشركة كذلك خطط لتصنيع 20 ألف سيارة العام المقبل، إلى جانب سيارات أخرى من طراز SUV وجميعها سيارات كهربائية كاملة. ومن المعروف أن هدف الصندوق ليس ماليا فقط، بل هناك خطط لتوطين هذه الصناعة المستقبلية، حيث بدأ بالفعل تدريب مجموعات من السعوديين في هذا المجال، ومن المتوقع إنشاء مصنع للشركة في المملكة في المستقبل القريب.

دخول صندوق الاستثمارات العامة مجال السيارات الكهربائية وبهذه القوة دليل على أن المستقبل هو للسيارات الكهربائية، وبالتالي هذا يعد إشارة واضحة للمستثمرين بأن مجال السيارات الكهربائية كبير وواعد. وشركة لوسيد شركة خاصة، لكن يمكن الاستثمار فيها بطريقة غير مباشرة، كما سنتطرق إليه في نهاية التقرير.

مبيعات شركات السيارات

لا تزال السيارات التقليدية تسيطر على مبيعات السيارات حول العالم، حيث يتنافس على المركز الأول في المبيعات شركتا تويوتا وفولكسفاجن، وهاتان الشركتان لديهما سيارات كهربائية هجين وكهربائية بالبطارية، وهما وغيرهما داخلون في منافسة قوية مع تحالف نيسان ورينو وميتسوبيشي وتسلا. إلا أن تويوتا اليابانية، الأكبر من حيث حجم المبيعات السنوية وصافي الأرباح، لا يوجد لديها إنتاج كبير في مجال السيارات الكهربائية، على عكس فولكسفاجن التي لديها عدة موديلات ومبيعات عالية.

يوضح جدول "أكبر شركات السيارات من حيث المبيعات" الشركات العشر مرتبة من أعلى إيرادات إلى أقلها، ويلاحظ ضعف مبيعات مجموعة نيسان على الرغم مما لديها من سيارات كهربائية ناجحة. كما يلاحظ أن شركة تسلا ليست من ضمن القائمة، والسبب أن "تسلا" ليس لديها سوى سيارات كهربائية، وبذلك فهي لا تنافس في مجال السيارات التقليدية، وقد بلغت مبيعات "تسلا" عام 2020 نحو 31 مليار دولار.

 

أما بخصوص السيارات الكهربائية التي تعمل بالبطارية ولديها شحن خارجي plug-in فقد وصل عدد السيارات التي تم إنتاجها منذ عام 2008 إلى نحو 3.2 مليون سيارة، كما يتضح في الجدول المرفق للعدد التراكمي لسيارات الركاب الكهربائية في العالم.

 

أداء أسهم شركات السيارات

حقق سهم شركة تسلا نموا كبيرا عام 2020، بلغ نحو سبعة أضعاف، حيث وصلت القيمة السوقية للشركة العام الماضي إلى نحو 850 مليار دولار، لكن منذ بداية عام 2021 وسهم الشركة يمر بمرحلة هبوط حيث خسر حتى الأسبوع الماضي نحو 6 في المائة. في المقابل هناك تحرك كبير وملحوظ للشركات الأخرى، حيث ارتفع سهم شركة فورد نحو 63 في المائة وسهم شركة جي أم نحو 43 في المائة منذ بداية العام.

سبب تحرك أسهم الشركات التقليدية يعود إلى زيادة الطلب على السيارات بشكل عام، وليس بالضرورة الطلب على السيارات الكهربائية، وذلك بسبب تراجع الطلب العام الماضي بسبب أزمة كورونا.

 

أفضل أسهم شركات السيارات الكهربائية

قطاع السيارات الكهربائية يشمل عددا كبيرا من الشركات المصنعة للسيارات والشاحنات وأنواعا كثيرة من المركبات، بل والدراجات العادية والنارية، إلى جانب منتجات عديدة مرتبطة بالصناعة ومكملة لها، مثل البطاريات ومحطات الشحن الخاصة والعامة، إلى جانب تطبيقات برمجية تقدم عددا من الخدمات مثل استئجار المركبات، أو تلك البرمجيات المتقدمة التي تساعد الشركات الكبرى على تصميم السيارات الكهربائية وإدارة إنتاجها.

بحسب تقييمات المحللين وأداء تلك الشركات، فيما يلي بعض الأسماء الجديرة بالمتابعة والاهتمام من قبل جميع المستثمرين. ومرة أخرى، يجب على أي مستثمر جاد لديه خطط على المديين المتوسط والبعيد أن يدرج بعضا من هذه الأسهم في محفظته الاستثمارية.

شركات السيارات التقليدية

التوجه نحو السيارات الكهربائية لا يعني أن الشركات التقليدية خارج نطاق اللعبة، بل العكس كما ذكرنا، فإن شركة جنرال موتورز هي أول من أطلق سيارة كهربائية عام 1996، والآن لديها مجموعة من الموديلات التي تعمل بالطاقة الكهربائية بشكل أو آخر. ولا تقل الشركات الأخرى عن "جنرال موتورز" في توجهها نحو السيارات الكهربائية، مثل "فورد" و"نيسان" و"فولكسفاجن" وغيرها. الحقيقة أن هذه الشركات لا تزال لديها فرص قوية لتوظيف قدراتها التصنيعية وعلاقاتها المتينة والمتشعبة مع مختلف أنواع الشركات، إلى جانب قدراتها التسويقية ومراكز البيع المرتبطة بها، وعلاماتها التجارية المعروفة في تصنيع وبيع شركات كهربائية ناجحة.

شركة نيو الصينية NIO

تبلغ القيمة السوقية لشركة نيو نحو 71 مليار دولار، وقد كانت قيمة السهم العام الماضي نحو ثلاثة دولارات وارتفع إلى أن تجاوز 60 دولارا بداية هذا العام. "نيو" التي كانت تسمى سابقا NextEV مختصة بصناعة السيارات الكهربائية المتنوعة في كل من الصين والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا، ولديها منتجات متعلقة بالبطاريات وأدوات الشحن. لدى الشركة تنام كبير في المبيعات من خمسة مليارات دولار في 2018 إلى ثمانية مليارات دولار 2019، ثم 16 مليار دولار في 2020. شبيهة بها وتنافسها في الصين كل من شركة Xpeng وشركة Li Auto Inc.

شركة Charge Point الأمريكية

تأسست منذ بداية ثورة السيارات الكهربائية، وهي معنية بتقديم حلول شحن البطاريات بطرق مختلفة وبسرعات عالية لجميع أنواع المركبات، وذلك من خلال محطات شحن شبيهة بمحطات الوقود. هذه الشركة تركز على تقديم حلول متوافقة مع مختلف أنواع البطاريات، بحيث يمكنها شحن بطارية أي سيارة، نتيجة تبني الشركة أسلوب النظام المفتوح في تصميم حلولها. الشركة تعد متوسطة بقيمة سوقية تبلغ نحو عشرة مليارات دولار، ولا تزال مبيعاتها متواضعة، وهذا متوقع نتيجة عدم انتشار السيارات الكهربائية بشكل كبير.

شركة تسلا Tesla

بالطبع يظل سهم "تسلا" هو السهم المفضل في مجال السيارات الكهربائية، ولأسباب وجيهة، منها أن "تسلا" هي التي أحيت السيارات الكهربائية بعد ممات طويل، وهي شركة لديها بالفعل تسارع في الإنتاج والمبيعات، لدرجة أنها عندما تعلن عن طراز جديد وتبدأ في استقبال الطلبات المبكرة المدفوعة يكون هناك إقبال عال جدا من المستهلكين. انخفاض سعر السهم يعود إلى عدة أسباب، منها تخوف البعض من تضخم قيمة الشركة خلال فترة وجيزة، ومنها أسباب تتعلق بتصريحات إيلون المثيرة للجدل والقرارات الارتجالية التي يبدو أنه يتخذها بين الحين والآخر، إلى جانب انشغاله بعدة أمور غير شركة تسلا، وبالتالي فهو فعليا لا يعطي الشركة جل اهتمامه.

الأمر الآخر فيما يخص مستقبل "تسلا" يتعلق بإيرادات الشركة طيلة الأعوام الماضية، حيث تشكل مكافآت الالتزام بحماية البيئة، التي تتحصل عليها الشركة من قبل عدة حكومات حول العالم، تشكل نسبة كبيرة من إيرادات الشركة. أي أن الشركة تعتمد بشكل كبير على هذه النقاط، وهناك من يعتقد أنها لن تدوم طويلا بسبب كثرة الشركات المنافسة التي بدأت تصنع سياراتها الكهربائية الخاصة بها، وبالتالي ليست بحاجة إلى النقاط التي تشتريها من "تسلا". على سبيل المثال، التنظيم في أوروبا يمنح الشركة المصنعة نقاط التزام إذا كانت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون تقل عن 50 جراما لكل كيلو متر، وتعاقب الشركة برسوم إن زادت هذه النسبة على 95 جراما للكيلو متر الواحد.

شركات أخرى واعدة في مجال السيارات الكهربائية

للمهتمين هناك مجموعة من الشركات التي تعمل في مجالات مرتبطة بالسيارات الكهربائية، وقد يكون لها شأن كبير في المستقبل، منها Blink Charging وهي شركة صغيرة ومنافسة لشركة Charge Point. ولمن لديه شهية للمخاطرة هناك شركة فيسكر Fisker، وهي شركة جديدة لديها خطط لتصنيع سيارات كهربائية منافسة لشركة تسلا، وحتى الآن لم تنتج أي سيارة، لكن سعر سهمها يواجه تقلبات كبيرة وهناك نسبة عالية تبلغ 28 في المائة من الأسهم مبيعة على المكشوف، ما يعني احتمال انطلاق سعر سهمها عاليا فيما لو حدثت حالات تغطية للمراكز المكشوفة.

كما يمكن الاستثمار في شركة لوسيد، التي يمتلكها صندوق الاستثمارات العامة، وذلك من خلال شركة Churchill Capital وهي شركة أغراض خاصة SPAC، فيكون الاستثمار فيها بمنزلة شراء أسهم في "لوسيد". سهم هذه الشركة الجديدة تقلب من عشرة دولارات إلى نحو 50 دولارا، والآن يتم تداوله عند نحو 24 دولارا.

وأخيرا هناك الطريقة الأسهل لكثير من المستثمرين وهي شراء أحد الصناديق المتداولة التي تركز على شركات قطاع السيارات الكهربائية، وبالتالي يتم الاستثمار بشراء سهم واحد يغطي مجموعة من الشركات. أحد هذه الصناديق Global X Lithium & Battery Tech الذي يتتبع أداء مؤشر خاص بالشركات المصنعة لبطاريات الليثيوم، وهي شركات كثيرة عادة يكون من الصعب على المستثمر متابعتها جميعا. وهناك صناديق أخرى صغيرة يمكن للمهتم إلقاء نظرة عليها وهي: DRIV, KARS, Hail, BATT, LIT.

 

نقلا عن الاقتصادية