تتصاعد تحركات الرأي العام في الدول الصناعية لصالح تحسين البيئة والمناخ منذ الربع الأخير للقرن العشرين، فقد تبنّت الجمعيات البيئية الأهلية وسائل عدة للفت انتباه الجمهور للأوضاع البيئية المتردية عالمياً. شكلت الوسائل الأولى للجمعيات البيئية المواجهة المباشرة المصحوبة بتغطية إعلامية وافية مع المنصات النفطية في أعالي البحار ومع صيادي الحيتان النادرة. لجأت الجمعيات البيئية إلى تطوير عملها في المرحلة الثانية بتأسيس أحزاب الخضر في معظم الدول الصناعية. استطاعت هذه الأحزاب الفوز بمقاعد محدودة العدد في البرلمانات، واستطاعت التأثير على الأجندات ذات الصلة بالمناخ والبيئة، بالإضافة إلى التحالف مع بعض الأحزاب الأوروبية الكبرى للمشاركة في تشكيل حكومات ائتلافية، ما ساعدها تدريجياً في تشريع القوانين البيئية. أخيراً، تبنّت المنظمات البيئية وسيلة ثالثة للضغط والتغيير. ذلك من خلال شراء مجموعة من أسهم الشركات النفطية الكبرى، ما أهّلها للحضور والمشاركة في الاجتماعات السنوية للجمعيات العامة لهذه الشركات ومساءلة ومحاسبة أعضاء مجلس الإدارة، كما مناقشة السياسات الاستثمارية والصناعية لهذه الشركات، بالإضافة إلى تبني سياسات معينة يتوجب على الشركة المعنية اعتمادها.
شكّل شهر مايو (أيار) الماضي نقلة نوعية في ممارسات أنصار الجمعيات البيئية هذه. فقد استطاعت الجمعيات الفوز بانتخاب مرشحين لمجلس إدارة «إكسون موبيل»، ما اعتُبر خرقاً مهماً لهذه الشركة العملاقة. كما استطاع أنصار البيئة الحصول على أغلبية في الجمعية العمومية لشركة «شيفرون» بخصوص الفرض على الشركة تبني انبعاثات ضئيلة لمنتجاتها.
واستطاعت خلال شهر مايو الماضي أيضاً «جمعية أصدقاء الأرض» – فرع هولندا - كسب دعوى قضائية من محكمة في لاهاي تفرض على شركة «شل» الإسراع في تخفيض الانبعاثات الناتجة عنها وتقليصها إلى معدلات دنيا وعما هو مخطط له حالياً من قبل الشركة.
وصدر في الشهر الماضي أيضاً عن وكالة الطاقة الدولية في باريس تقرير حول «خريطة الطريق نحو صفر انبعاثات 2050». سيُطرح هذا التقرير للنقاش في مؤتمر الأمم المتحدة للتغير المناخي في غلاسكو خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل. وقد أثار التقرير الكثير من الاعتراضات، نظراً لتسرعه باقتراح سياسة صناعية مهمة، مثل التوقف عن تطوير حقول الوقود الأحفوري حالاً. وقد تساءل الكثير من الخبراء والمسؤولين عن إمكانية تقليص إمكانات الصناعة النفطية والغازية في الوقت الذي تعترف فيه الوكالة في تقريرها نفسه بأن نحو نصف الطاقات المستدامة المتوقع استعمالها بحلول نصف القرن لا تزال في مراحل التجربة.
نقلا عن الشرق الأوسط