مسرحية البيتكوين بين التصحيح والانهيار

27/05/2021 2
طلعت بن زكي حافظ

تعرضت خلال الأيام القليلة الماضية أسعار العملات المشفرة بشكلٍ عام وعملة البيتكوين بشكلٍ خاص لتذبذبات حادة، نتج عنها تراجعات حادة في القيمة السوقية للعملات المشفرة إجمالاً، لتسجل أعلى انخفاض لها عما كانت عليه في ذروة صعودها بمنتصف شهر إبريل الماضي، حيث انخفضت من 2.52 تريليون دولار أميركي إلى 1.53 تريليون دولار أميركي في شهر مايو الجاري، لتفقد نحو تريليون دولار أميركي.

عَزا بعض محللي أسواق العملات المشفرة الانخفاض إلى حركة تصحيحية طبيعية ومحاولة لجني أرباح وإعادة بناء للمحافظ، سيما وأن أسعار العملات المشفرة قد تضخمت خلال الآونة الأخيرة بشكلٍ كبير فرضت الحاجة لهذا التصحيح، في حين أن البعض الآخر وصف الانخفاض بالانهيار كونه تجاوز نسبة 50 %.

عموماً بدأت مسرحية ارتفاع عملة البيتكوين لمستويات قياسية عندما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة "تسلا"، إيلون ماسك، عبر تغريدة بحسابه في تويتر في شهر مارس الماضي، إمكانية شراء سيارات "تسلا" الكهربائية في الولايات المتحدة بواسطة عملة "البيتكوين"، وأن شراء سيارات "تسلا" عبر العملة الرقمية الأكثر شهرة في العالم خارج الولايات المتحدة، سيكون متاحا في وقت لاحق هذا العام.

نتيجة لهذه التصريحات، وبالذات بعد أن قالت شركة "تسلا" إنها اشترت نحو 1.5 مليار دولار أميركي من العملة المشفرة، ارتفعت قيمة العملة إلى مستويات قياسية كسرت حاجز الـ 60 ألف دولار أميركي للوحدة الواحدة من البيتكوين، معتبرين المستثمرين في هذه العملة والعملات المشفرة عموماً أنها ستصبح أصلا ماليا رئيسا، سيما بعد أن صرح إيلون ماسك قائلاً "إن امتلاك العملة المشفرة بيتكوين أفضل من حيازة النقد التقليدي، وهذا الفارق الطفيف يجعلها أصلا أفضل لحيازته".

استمرت المسرحية الهزلية لعملة البيتكوين ولكن في الاتجاه المعاكس بسبب تغريدة مناقضة لرئيس الشركة مفادها توقف مشتريات السيارات باستخدام بيتكوين بسبب مخاوف بيئية، والتي بعدها انخفضت قيمة العملة بنسبة 10 %. وما فاقم من انخفاض قيمة العملات المشفرة بما في ذلك عملة البيتكوين، حظر الصين على المؤسسات المالية وشركات الدفع تقديم خدمات العملات المشفرة، وهو الأمر ليس بالجديد حيث قد حذرت الصين بذلك قبل أعوام وبالتحديد في العام 2017.

كما وطلبت وزارة الخزانة الأميركية إبلاغ مصلحة الضرائب الأميركية عن أي تحويل عملة مشفرة بقيمة 10000 دولار أو أكثر، كون أن العملة المشفرة تتسبب في حدوث مشكلات كبيرة ترتبط بعدم الكشف عن تعاملاتها والذي بدوره يسهل من انتشار الأنشطة غير القانونية لذلك النوع من العملات على نطاق واسع، والتي من بينها التهرب الضريبي.

استمر نزيف العملات المشفرة، وبالذات عملة البيتكوين للحد الذي انخفض فيها سعرها بأكثر من 50 % ليصل إلى أدنى مستوى منذ أواخر شهر يناير الماضي مسجلاً 30,066 دولار أميركي.

برأيي أن العملات الرقمية، بما في ذلك المشفرة قادمة وسيكون لها شأن في يوم ما، سيما وأنها أصبحت تحظى بقبول واسع النطاق في التداولات وبمنصات وأسواق العملات، ولكن ليس قبل أن تصبح عملة مشرعة من الجهات المالية الرقابية المسؤولة عن إصدار العملات بمختلف أنواعها، بما في ذلك القدرة على متابعة المعروض منها ومراقبة تعاملاتها متى ما دعت الحاجة لذلك، تفادياً لعمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب وغيرها من العمليات المالية غير السوية، كعمليات التهرب الضريبي.

في خطوة مثمنة وإيجابية أعلن عنها البنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي مؤخراً، أنه بصدد إعداد ورقة بحثية هذا الصيف تستكشف الانتقال إلى العملة الرقمية للبنك المركزي Central Bank Digital Currency (CBDC) بعد تقييم الفوائد والمخاطر، بحيث يتم استخدمها من قبل عامة الناس إلى جانب العملة التقليدية ولكن ليس بديل عنها.

هذا النوع من التحرك الإيجابي من البنك الاحتياطي الفيدرالي ومن غيره من البنوك المركزية على مستوى دول العالم، كالصين، واليابان، وبريطانيا، وكندا والاتحاد الأوروبي وغيرهم، سيساهم بشكلٍ كبير في إنهاء مسرحية العملات المشفرة الهزلية والتضييق على الممارسات الخاطئة المرتبطة باستخداماتها، كما أن مثل ذلك التحرك سيساعد على التعزيز من مقومات تواجد العملة المشفرة أو الرقمية الاقتصادية والمالية، كعملة قانونية ووسيلة دفع ومستودع لحفظ القيمة، بما في ذلك المحافظة على مستويات أسعار صرف معقولة ومقبولة، وتجنيبها من أن تكون عرضة للتقلبات والتذبذبات الحادة في أسعار صرفها بمجرد تصريح أو إعلان لشركة ما أو رجل أعمال ما عن توجهات معينة.

 

 

 

نقلا عن الرياض