السياسة النقدية والعدالة

25/05/2021 0
فواز حمد الفواز

في كتاب جديد بعنوان:The engine of inequality "ماكنة اللامساواة" للدكتورة كيرن بترو تضع اللوم على البنك الفيدرالي كفاعل أساسي في استفحال عدم المساواة في أمريكا، الكتاب يتحدث عن أمريكا، لكن الظاهرة امتدت لدول كثيرة، خاصة تلك التي سياساتها النقدية غير مستقلة بسبب تثبيت عملاتها مع الدولار. جوهر الكتاب يتحدث عن نقطتين أساسيتين: الأولى، التبعات العملية من ارتفاع أسعار الأصول الاستثمارية وتأثيرها الطبقي، والثانية: نقد للفيدرالي في سلم الأولويات والسياسات. السياسة النقدية التوسعية بتخفيض نسبة الفائدة إلى المنطقة الصفرية على أثر الأزمة المالية العالمية أدت إلى بيئة مالية واستثمارية جديدة.

تقول: إن 10 في المائة فقط استفادوا من السياسة النقدية التي أدت إلى رفع أسعار الأسهم والسندات، فمثلا 1 في المائة يملكون أكثر من نصف الأسهم، بينما حتى الطبقة الوسطى التي تقترض كثيرا لم تستفد كثيرا لأن مستوى الديون كان عاليا أصلا، لذلك ارتفعت الفجوة في الثروة بين 10 في المائة والبقية. أجور الطبقة الوسطى لم تتغير في 2019 مقارنة بـ 2001 بعد حساب تأثير التضخم. ترتفع الأسهم وتستفيد الإدارات العليا، لكن الثروة لا تقود إلى نمو اقتصادي، لأن أغلب المستهلكين في وضع لا يمكنهم من المواصلة، والثري عادة لا يحتاج إلى استهلاك إضافي. المهم اقتصاديا أن الثروة لم تقد إلى رفع الإنتاجية والنمو الاقتصادي. الحذر من رفع أسعار الأصول المالية يرفع مستوى المخاطر، فمثلا أحجمت المصارف عن الإقراض، بسبب عدم توافر فرص جيدة بعائد مجز، خاصة أن المصارف التجارية لم تسبب الأزمة - الأزمة نشأت في بيوت المال غير المصارف مثل ليمان براذرز التي أفلست بسبب قلة رؤوس المال -، كذلك أسهمت العولمة في عدم المساواة بهجرة الصناعة التي عادة تدفع أجورا أعلى من الخدمات.

ربما الجديد في الكتاب كان عن مسؤوليات الفيدرالي التي عادة تعرف بأنها المحافظة على مستوى الأسعار والبطالة، لكنها شددت على ما ترى أنه مسؤولية ثالثة للفيدرالي في الحفاظ على أسعار فائدة معقولة حسب ما ذكر في القانون الفيدرالي، وهذه لا يمكن أن تكون صفرية لما في ذلك من تأثير فيمن يوفر أموالا لأغراض استهلاكية. تضيف أيضا أن تقليل السياسات الرقابية والتنظيمية ليس الحل.

أعتقد أن الظروف الموضوعية التي يجد صانعو السياسات فيها تحديدا مدى السياسات الممكنة البديلة في ظل بيئة سياسية معينة، فالتجاذب السياسي ليس جديدا، إذ إن هذه الموجة جاءت بإدارة أمريكية ربما لديها تقبل أكثر لطرح الكتاب، خاصة على أثر برامج بناء البنية التحتية والتحفيز والدعم لعدة برامج وصناعات. سياسات الفيدرالي لن تكون سهلة، خاصة لأن المواءمة بين متطلبات مسؤولية الفيدرالي دائما في حركة وعرضة للقياس المختلف على أهدافه وتجاذب المصالح حتى الحكم الرشيد بما تقتضي استحقاقات الخيارات والعدالة كما يشير الكتاب، كما أن للمؤثرات الدولية دورا في ظل تقلص دور أمريكا الاقتصادي والانشغال مع منافسة الصين. ربما أيضا أن هناك إشكالية فكرية وعملية، حيث عادة تقل المساواة مع النجاح في التقدم، فقد حدث ذلك في الصين وفي دول أخرى حين تم الانتقال من نظام إلى آخر اقتصاديا. أحد تبعات نسب الفائدة المنخفضة أن سوق الأسهم سجلت أرقاما قياسية، ربما لا تتناسب مع أرباح كثير من الشركات. لعل المفيد اليقظة في تعظيم الاستفادة من السياسة النقدية والتخطيط البعيد للتعامل مع المستجدات، خاصة تقنين دور السياسات التوسعية، لأننا في سياق اقتصادي مختلف جذريا عن أمريكا.

 

 

 

نقلا عن الاقتصادية