قبل نحو ألف عام حين كان العالم يستخدم العملة المعدنية بدأت الصين باستخدام العملة الورقية، لذلك ربما ليس غريبا أن تكون الصين أول دولة رئيسة في العالم تصدر العملة الرقمية. في ظل ما يدور من منافسة بين الصين وأمريكا ربما هذه إحدى نقاط الانعطاف في تحول العلاقات الاقتصادية الدولية، خاصة أن لدى أمريكا مصلحة استثنائية من مركزية الدولار، كما وصفها رئيس فرنسي سابق. البعض قد لا يفرق بين المدفوعات التي أصبحت إلكترونية وجزءا من منظومة التواصل والتجارة الإلكترونية وبين العملة الإلكترونية، خاصة أن العملات الرقمية مثل البيتكوين تعمل خارج النظام المالي ولا تصدر من جهات رسمية داعمة لها قانونيا.
اليوان الصيني الذي بدأ بتجربة مع 100 ألف مواطن مصدر من البنك المركزي ويعادل قيمة الورقي نفسه، التجربة بدأت بتنزيل تطبيق البنك المركزي على أجهزة المواطن ومتابعة عمليات التعامل بالعملة الرقمية. الفرق الأولي مع البيتكوين أن المتعامل معروف، حيث أحد عيوب البيتكوين وغيرها من العملات الرقمية. ربما الأهم أن الصين تستهدف التعاملات الدولية، ما يقرب اليوان لمنافسة الدولار. إصدار عملة رقمية في حد ذاته لن يزيح مركزية الدولار، خاصة أن حصة الدولار من تعاملات الصرف الأجنبي تصل 88 في المائة مقابل 4 في المائة لليوان طبقا لبنك التسويات العالمي. لكن اليوان سيوفر فرصة أخرى لكثير من الدول النامية للتعامل خارج منظومة الدولار، وأيضا فرصة للبعض في تفادي سطوة أمريكا في توظيف الدولار للمقاطعة المالية، خاصة أن أمريكا بدأتها مع الشركات الصينية. قد لا يكون التهديد وشيكا، لكنه تهديد على الدولار ولذلك تراه أمريكا مسألة أمن قومي.
العملة الرقمية تساعد على توظيف المال لإدارة الاقتصاد الكلي من حيث توافر معلومات آنية عن الحركة التجارية والاستهلاكية. أحد تحديات العملة الرقمية تعرضها للتذبذب غير المقبول لاستخدامها للعامة في البيع والشراء أو كمخزون معتمد للقيمة، لذلك يتعهد البنك المركزي الصيني بثبات "الرقمي" مقابل "الورقي"، خاصة أن هناك توجها لإلغاء كل يوان ورقي مقابل إصدار يوان رقمي. بدأت الصين بدراسة إصدار "الرقمي" 2014 على أثر تنامي دور المدفوعات الرقمية لـ "علي بابا" ومنافسيها واهتمام العالم بالبيتكوين وقبولها كظاهرة جديدة، ومن ثم إعلان شركة فيسبوك توجها لإصدار عملة رقمية "الاقتصادية - ليبرا: عملة رقمية 17/07/2019"، ما آثار توجس الجهات الرسمية. نفوذ أمريكا يأتي بسبب دورها ومعرفتها عن نحو 21 ألف بنك في العالم عن تعاملهم بالدولار مباشرة مع المنظومة الأمريكية. هناك نحو 60 دولة تدرس خيارتها نحو هذا الموضوع المهم. لا أعرف ما يتم في الموضوع من قبل البنك المركزي السعودي، لكن على المملكة فتح باب الخيارات، إذ إن هناك أبعادا استراتيجية لفتح آفاق ومساحات جديدة قابلة للتعامل مع جميع الاحتمالات، خاصة أن الصين أكبر مستورد للنفط وبدأت من خلال بورصة السلع بتسعير النفط، وأيضا ربما تأخذ دول أخرى في منطقة نفوذ الصين بالتعامل باليوان حال تطور المنظومة الصينية وارتفاع دور اليوان تجاريا وكعملة احتياط. كذلك هناك نواح عملية في إدارة النقود والسيطرة على المعلومات التجارية والحد من تزوير العملة، هذه نواح تساعد على إدارة الاقتصاد الكلي وتعطي المملكة خطوة نحو التقدم ومواصلة الأسبقية في قيادة اقتصادات المنطقة
نقلا عن الاقتصادية