خلال العام الماضي، هبط الإنفاق نوعا ما على مشاريع النفط والغاز الجديدة إلى أدنى مستوياته في 15 عاما إلى 350 مليار دولار. وفي الوقت الذي يواصل العالم معركته ضد جائحة كورونا، ومع تطلع صناعة الطاقة بشكل متزايد نحو التنويع خارج نطاق أعمالها الأساسية، من غير المؤكد كيف سيعود الإنفاق في مشاريع التنقيب والإنتاج الجديدة إلى مستويات ما قبل الجائحة؟. لكن، هذا لا يعني أنه لا توجد علامات على تعافي الاستثمار. في هذا الجانب، ذكر "وود ماكنزي" أن هناك ما مجموعه 26 مشروعا جديدا في مجال النفط والغاز التقليدي يمكن أن تحصل على قرار الاستثمار النهائي هذا العام. وقال محللو لـ"وود ماكنزي": إن هذه المشاريع ستتطلب استثمارات بنحو 110 مليارات دولار لتطوير نحو 27 مليار برميل نفط مكافئ من الاحتياطيات.
أحد الأشياء المثيرة للاهتمام حول هذه المشاريع التي تظهر التغييرات التي تمر بها صناعة الطاقة، هو أن أكثر من 50 في المائة من الاحتياطيات التي سيتم استغلالها مع هذه المشاريع هي احتياطيات الغاز الطبيعي. بالفعل، عديد من المشاريع الكبيرة التي سيتم إقرارها هذا العام هي في مجال الغاز الطبيعي المسال، كما أن عشر المشاريع التي تنتظر قرار الاستثمار النهائي هذا العام هي في حقول المياه العميقة، والباقي عبارة عن مزيج من المشاريع البحرية والبرية. وفقا لـ "وود ماكنزي"، ليس هناك ما يضمن أن جميع هذه المشاريع ستتلقى بالفعل قرارا استثماريا نهائيا. ويرجع ذلك إلى مجموعة متنوعة من الأسباب، أهمها معدل العائد المتوقع، كثافة الكربون، والمناخ السياسي العام.
أصبحت العوائد والفترة التي سيستغرقونها لاسترداد الاستثمار ذات أهمية قصوى لمستثمري النفط والغاز، وأصبحت أيضا أولوية قصوى للشركات نفسها. بينما في السابق كان من المعتاد ضخ الملايين من الدولارات في المشاريع التي قد لا تعيد الاستثمار لعقود من الزمن، إلا أن التركيز الآن هو على فترات عائد أقصر، ما يعني أن المشاريع قصيرة الدورة لديها أفضل فرصة للموافقة عليها.
بطبيعة الحال فإن مشاريع الغاز الطبيعي المسال تتطلب استثمارات ضخمة مقدما. وهناك ستة مشاريع كبيرة منها بانتظار الحصول على قرار الاستثمار النهائي هذا العام، وفقا لـ "وود ماكنزي". مع بدء الاهتمام الواسع بموضوع كثافة الكربون، يولي المستثمرون اهتماما متزايدا للانبعاثات وكذلك المشترون. رغم عدم وجود معايير قياسية حتى الآن، إلا أن هناك دلائل على أن الغاز الطبيعي المسال المحايد للكربون قد يكون هو المعيار للغاز الطبيعي المسال في المستقبل، ما يعني استثمارات إضافية في أنظمة احتجاز الكربون أو طرق أخرى لتقليل انبعاثات الغاز الطبيعي المسال واستخراج الغاز وإنتاجه. ويبقى أن نرى ما إذا كان جميع مشاريع الغاز الطبيعي المسال المخطط لها ستحصل على موافقات الاستثمار النهائية في هذا السياق. وأصبحت قضية الكربون مؤشرا مهما للاستثمارات النفطية أيضا. في الآونة الأخيرة، أصبحت توقعات الطلب على النفط أكثر إشراقا مع انتهاء عمليات الإغلاق، وبدء الناس السفر مرة أخرى، فضلا عن التفضيل الملحوظ للنقل الشخصي في أوقات ما بعد الإغلاق، ما يؤدي إلى ارتفاع الطلب على الوقود. لكن في الوقت نفسه، زاد الاهتمام بالانبعاثات الناجمة عن إنتاج النفط. في هذا الصدد، أشار تقرير حديث لأرجوس حول مستقبل الاستثمارات النفطية في الجزء الأمريكي من خليج المكسيك إلى أن أي خطط استثمار يجب أن تأخذ في الحسبان ليس فقط التكاليف لكن أيضا كثافة الكربون. عمليا كل شركة طاقة كبيرة لديها الآن خطة انتقال منخفضة الكربون من نوع ما لإرضاء المستثمرين، ورغم أنهم سيحتاجون إلى المال من بيع النفط لتنفيذ هذه الخطط، إلا أنهم سيحتاجون أيضا إلى توخي الحذر بشأن الانبعاثات. إنه بالتأكيد وضع معقد بالنسبة لصناعة أصبحت هدفا لانتقادات متزايدة وتدقيقا شديدا متزايدا، سواء من الجهات التنظيمية أو من المساهمين. تحت هذا الضغط المزدوج، يمكن لعديد من المشاريع ليس هذا العام فقط أن تفقد قابليتها للتطبيق لأن الحد من الانبعاثات يمكن، وغالبا ما يكون، مهمة مكلفة.
ومع ذلك، سيظل العالم بحاجة إلى النفط والغاز لعقود طويلة من الآن، وسيحتاج إلى ملايين البراميل منه يوميا. وهذا يعني أن الشركات، بدعم من مساهميها، ستواصل الاستثمار في التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما. إذا كان هناك أي شيء، فإن محرك التحول في نظام الطاقة سيؤدي إلى تشدد الإمدادات للأسباب المذكورة أعلاه. سيؤدي تشدد العرض هذا بدوره إلى ارتفاع أسعار سلع الطاقة هذه. وبالتالي سيؤدي هذا إلى مزيد من الاستثمارات في النفط والغاز والانبعاثات.
يشير أحد التقارير الإخبارية المثيرة للاهتمام من "بلومبيرج" إلى أن الارتفاع في أسعار النفط قد عزز صناديق النفط والغاز المتداولة في البورصة لكن أيضا، من المفارقات، عزز صناديق الحوكمة البيئية والاجتماعية ESG Funds. وأوضح التقرير أن هذا يرجع إلى كيفية إنشاء هذه الصناديق، لكن النتيجة النهائية هي أن الأشخاص الذين يستثمرون في هذه الصناديق يستثمرون جزءا من أموالهم أيضا في شركات النفط الكبرى. وعندما تقوم شركات النفط الكبرى بتحقيق أرباح، كذلك يفعل مستثمرو صناديق الحوكمة البيئية والاجتماعية. قد يكون هذا بمنزلة موضوع مثير للاهتمام للتفكير بجدية حول الاستثمار في النفط والغاز، والحوكمة البيئية والاجتماعية، وبالتالي حول الطلب والعرض على الطاقة والحد من الانبعاثات.
هذه هي الأساسيات التي ستسود في النهاية، مهما كان المناخ السياسي العام. ما دام هناك طلب على النفط والغاز، لذلك يجب أن يكون هناك عرض لتلبيته. ما دام العالم يحتاج إلى النفط والغاز، ستستمر الشركات بالتنقيب والإنتاج. رغم أن بعض الأولويات في اتخاذ قرار الاستثمار النهائي بشأن مشروع جديد قد تكون تغيرت، إلا أن الأولوية القصوى باقية: هل سيحقق المشروع أرباحا؟ طالما كان هناك طلب، فإن عديدا من شركات النفط العالمية ستواصل عمليات التنقيب والإنتاج في مشاريع جديدة.
في هذا الجانب، أعلن الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي نهاية العام الماضي، أن عملاق النفط العالمي أرامكو تمكنت من تحقيق أربعة اكتشافات للنفط والغاز، في مواقع مختلفة من المملكة. وأضاف وزير الطاقة أنه "تم اكتشاف الزيت غير التقليدي في حقل الريش، شمال غربي مدينة الظهران". كذلك "اكتشف الغاز غير التقليدي في مكمن الصارة، في بئر المنحز، جنوب غربي حقل الغوار، وفي بئر السهباء، جنوب الحقل نفسه. وفي أقصى الشمال، تم اكتشاف النفط في بئر العجرمية رقم 1، الواقعة شمال غربي مدينة رفحاء، في منطقة الحدود الشمالية.
نقلا عن الاقتصادية