العالم بحاجة إلى التخلص من ثاني أكسيد الكربون المتجه إلى الغلاف الجوي من أجل ضمان استقرار النظام البيئي للأرض. ويعد احتجاز وتخزين الكربون أو استخدامه السبيل الوحيد المستدام لتقليص الأثر البيئي لانبعاثات الغازات الدفيئة على نطاق كبير. ضمن جهودها في هذا المجال، افتتحت المملكة بنجاح منصة عالمية للاقتصاد الدائري للكربون من خلال رئاستها مجموعة العشرين. ففي سبتمبر (أيلول) 2020 تعهد وزراء طاقة مجموعة العشرين بتأييد منصة الاقتصاد الدائري للكربون كأداة لإدارة الانبعاثات وتعزيز الوصول إلى الطاقة، والاعتراف بهذه المنصة كنهج شامل ومتكامل وعملي لإدارة الانبعاثات، إلى جانب توفير مسارات جديدة نحو التنويع الاقتصادي والنمو للمملكة.
يقوم الاقتصاد الدائري للكربون على استراتيجية رباعية تهدف إلى خفض انبعاثات الكربون، وإعادة استخدامه، وتدويره، وتخليص الغلاف الجوي منه. وهو نهج جديد يدعم المسار نحو رؤية 2030 للمملكة. في هذا الجانب، أكد الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة أن آليات احتجاز الكربون واستخدامه وتخزينه في نموذج الاقتصاد الدائري للكربون تحقق منافع اقتصادية وبيئية تساعد على تحقيق الأهداف في المجالات المستهدفة بشكل متزامن.
في هذا الجانب أيضا، يقول عملاق الطاقة النرويجي Equinor: "إننا نعيد الكربون من حيث أتى"، واصفا جهوده لجعل احتجاز الكربون وتخزينه قابلا للتطبيق تجاريا في نظام طاقة منزوع الكربون في المستقبل. والشركة شريك في مشروع مشترك مع شركتين نفطيتين رئيستين، توتال الفرنسية ورويال داتش شل، في تطوير مشروع الشفق القطبي الشمالي Northern Lights في النرويج، الذي تم التخطيط له لتوفير تخزين الكربون كخدمة service لمساعدة الصناعات الأخرى على تقليل الانبعاثات. تستخدم أيضا صناعة النفط احتجاز الكربون وتخزينه كوسيلة لخفض الانبعاثات من عملياتها الخاصة.
وترى شركات النفط العالمية الكبرى الآن أن احتجاز الكربون وتخزينه هو مصدر دخل جديد محتمل لها في التحول في نظام الطاقة. حيث تشارك شركات النفط الكبرى بالفعل في عشرات من مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه أو استخدامه، من النرويج إلى أستراليا، قائلة: إن التكنولوجيا معترف بها على أنها ضرورية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس لخفض الانبعاثات.
بطبيعة الحال، أثار تركيز صناعة النفط المتزايد على تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، خاصة تخزين الكربون كخدمة، انتقادات من دعاة حماية البيئة. ووفقا لهم، الحديث عن مشاريع وتقنيات احتجاز الكربون وتخزينه ليس سوى عملية تغطية للمشكلة التي أحدثتها الصناعة. في حين أن شركات النفط الكبرى تعتقد أن هذه التقنية هي إحدى الطرق لمساعدة الصناعات كثيفة الكربون على تقليل انبعاثاتها، حيث يلتزم عدد متزايد من الشركات في مختلف القطاعات بعمليات خالية من الكربون خلال العقدين إلى الثلاثة عقود المقبلة. تعمل شركات النفط الكبرى بالفعل في عديد من مشاريع احتجاز الكربون وتخزينه على نطاق واسع وتهدف إلى إزالة الكربون عن التجمعات الصناعية في أجزاء من أوروبا.
ففي العام الماضي، شكلت شركة بريتش بتروليوم، وتوتال، وشيل، وإيني، الشبكة الوطنيةNational Grid وEquinor شراكة لتطوير البنية التحتية البحرية لثاني أكسيد الكربون في بحر الشمال في المملكة المتحدة، تم اختيار شركة بريتش بتروليوم كمشغل للمشروع. ستخدم هذه الشراكة البنية التحتية لمشروعين يهدفان إلى إنشاء مجمعات صناعية خالية من الكربون في شمال شرق إنجلترا. إلى الشمال، أطلقت توتال، وشيل وEquinor في الشهر الماضي شراكة مشروع الشفق القطبي الشمالي، الذي يحظى بدعم وجزء كبير من التمويل من الحكومة النرويجية، التي تغطي نحو ثلثي التكاليف. في هذا الجانب، قال المدير التنفيذي للشراكة، نحن نقدم تخزين الكربون كخدمة من خلال نقل وتخزين ثاني أكسيد الكربون.
وأضاف سنعمل مع العملاء في جميع أنحاء أوروبا ومع القطاعات الصناعية الأخرى للمساعدة على الانتقال إلى صافي انبعاثات صفرية. نحن الأوائل في هذا المجال، وسنساعد الآخرين على أن يحذوا حذونا. من جانبه، قال مدير حلول الغاز والطاقة المتجددة في شل، هذا المشروع ليس حلما بعيد المنال ولا يحتاج إلى عقود للتطوير، حيث من المقرر أن يتم تشغيل مشروع الشفق القطبي الشمالي عام 2024. وأضاف لقد أصبح احتجاز الكربون وتخزينه مشروعا تجاريا ذا مردود اقتصادي وليس مجرد حل، وتتطلع شركة شل إلى تضمين تخزين الكربون "كجزء من حزمة طاقة متكاملة" لعملاء الطاقة.
في الولايات المتحدة، أنشأت شركة إكسون موبيل في وقت سابق من هذا العام شركة "إكسون موبيل لحلول منخفضة الكربون"، لتسويق محفظتها من التقنيات منخفضة الكربون، مع التركيز أولا على احتجاز الكربون وتخزينه. في هذا الجانب، قال رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي للشركة: "لدينا الخبرة التي يمكن أن تساعد على جلب التقنيات إلى السوق وإحداث فرق ذي مغزى". وتقوم الشركة حاليا بتقييم مشاريع وشراكات جديدة لاحتجاز الكربون وتخزينه لجمع ثاني أكسيد الكربون من المصادر الصناعية في ساحل الخليج وفي وايومنج في الولايات المتحدة، وكذلك في موانئ روتردام في هولندا وأنتويرب في بلجيكا. هناك مشاريع أيضا قيد التخطيط أو التقييم في اسكتلندا، وسنغافورة وقطر.
رغم التركيز المتزايد لصناعة النفط على احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه، لا تزال هناك تحديات في صنع تقنيات مجدية اقتصاديا للصناعات التي يصعب إزالة الكربون منها في العالم. وتشمل هذه التحديات التمويل لتوسيع نطاق تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه المختلفة وجعلها قابلة للتطبيق تجاريا في مستقبل منخفض الكربون. تواجه حملة احتجاز الكربون أيضا تحديات في تصور الرأي العام، حيث ينتقد نشطاء البيئة الصناعة لاستهدافها التربح من الحل. في هذا الجانب، علق مركز أبحاث البيئة "تعقب الكربون" Carbon Tracker على آمال صناعة النفط في جعل احتجاز الكربون وتخزينه خدمة من خلال "إيجاد المشكلة والتربح من العلاج". في الواقع، إن الانتقادات التي توجه إلى احتجاز الكربون وتخزينه كخدمة من قبل دعاة حماية البيئة لا يوجد ما يبررها، حيث إن الهدف النهائي هو التخلص من الانبعاثات.
إذا كانت أي صناعة لديها المهارات والتكنولوجيا لبناء خطوط الأنابيب وإعادة الكربون إلى الأرض أو تحت قاع البحر، فهي صناعة النفط والغاز. صناعة النفط واثقة من قدرتها على توسيع نطاق تكنولوجيا احتجاز الكربون وتخزينه إلى حلول تجارية للصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة. ومع ذلك، تدرك شركات النفط التحديات في وصول التقاط الكربون وتخزينه إلى مرحلة النضج وتصبح جزءا ماديا من أعمالها التجارية. بالفعل، يتطلب تسريع وتيرة نشر تقنية احتجاز الكربون وتخزينه على نطاق واسع تعاونا مستمرا بين الحكومات والصناعة والمستثمرين، من بين جهات أخرى، للمساعدة على إطلاق القدرات التمويلية، تسريع تطوير التكنولوجيا وتشجيع دعم الرأي العام.
في الأشهر الأخيرة، تسارعت وتيرة الدعم الحكومي لبرنامج احتجاز الكربون وتخزينه، من خلال البرامج والدعم في المملكة المتحدة، أستراليا والولايات المتحدة، حيث تم تقديم مشروعي قانونين من الحزبين تم طرحهما أخيرا في مجلس الشيوخ بهدف دعم تقنيات التقاط الكربون وتخزينه. ومع ذلك، كي تصبح هذه التقنية جزءا من أعمال صناعة النفط الروتينية المربحة تحتاج على الأرجح إلى نحو عقد من الزمان من الآن.
نقلا عن الاقتصادية