رواد أعمال أثرياء تجاوزت طموحاتهم المشاريع التجارية على سطح الأرض، فطرقوا أبواب الفضاء بحثا عن تحديات أقوى وانتصارات أعظم وثروات أكبر. طبعا نتحدث عن أمثال إيلون ماسك مؤسس شركة سبيس إكس، وجيف بيزوس مؤسس شركة بلو إوريجن، وريتشارد برونسون مؤسس شركة فيرجين جلاكتيك.
رواد الأعمال الثلاثة هؤلاء أطلقوا مشاريعهم منذ فترة طويلة، تصل إلى نحو 20 عاما في حالة سبيس إكس، حين استشعروا فرصة الدخول إلى مجال التقنيات الفضائية عقب التعثرات والصعوبات التي واجهت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا. فرغم الإنجازات العظيمة لوكالة ناسا، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة، من أهمها نقص الموارد المالية، فكان قرارها أن تتيح المجال للقطاع الخاص للمشاركة في تصميم وتطوير وإدارة وتشغيل التقنيات الفضائية المتنوعة. وعلى ما يبدو أن هذا التوجه من قبل "ناسا" آتى ثماره، والدليل على ذلك عودة الروح والحيوية والنشاط لمجال الفضاء، ومن جهة أخرى الدليل نجده في انخفاض تكاليف التصنيع والتطوير، حيث ذكر بعض التقارير أن تكلفة صاروخ فالكون 9 على شركة سبيس إكس نحو 300 مليون دولار، بينما بحسب تقديرات "ناسا" لو أنها قامت بذلك بطريقتها التقليدية لبلغت التكلفة 3.6 مليار دولار.
بشكل عام، تدور اهتمامات إيلون ماسك، وهو نفسه المؤسس لشركة السيارات الكهربائية تسلا، حول فكرة الاستيطان على كوكب المريخ، وتدور أفكار جيف بيزوس وهو كذلك المؤسس لشركة أمازون المعروفة، حول الاستفادة من الفضاء في التصنيع. بينما مؤسس مجموعة فيرجن مهتم بالسياحة الفضائية، وهؤلاء الثلاثة هم في نهاية الأمر رجال أعمال، أنفقوا كثيرا من أموالهم الخاصة، لأنهم على يقين أن هناك فرصة مالية كبيرة، حتى إن طال أمدها.
فكرة الاستيطان على سطح المريخ فكرة قديمة، تناولتها قصص الخيال العلمي وعملت من أجلها وكالة ناسا لأعوام طويلة، تمخض عنها هذا الأسبوع الخبر التاريخي المتعلق بنجاح "ناسا" في عملية إقلاع وهبوط طائرة هليكوبتر على سطح المريخ، من المعروف أن "ناسا" لديها مركبة تمشي على أربعة كفرات "سيارة جيب"، مزودة بمختبر علمي متقدم، ملحق به روبوت مزود بآلة حفر وجمع عينات من تربة المريخ ومعالجتها في المختبر وإرسال نتائجها إلى مركز "ناسا" على الأرض. هذه السيارة موجود على سطح المريخ منذ عام 1997، غير أن الجديد في الأمر هو أن العام الماضي تم إطلاق سيارة أخرى تم تزويدها بطائرة هليكوبتر تجريبية لدراسة كيفية الإقلاع والهبوط على سطح المريخ. أهمية هذا الإنجاز هو أن "ناسا" أثبتت أن بالإمكان الإقلاع والهبوط في غلاف جوي مختلف تماما عن الغلاف الجوي الأرضي، حيث كثافة الهواء على المريخ أقل بكثير مما هي عليه على الأرض، فكان من الضروري تطبيق بعض المفاهيم بشكل عملي للتأكد من صحة الفكرة التي تهدف إلى إيجاد وسيلة تساعد على التنقل إلى أماكن أخرى على سطح المريخ لا يمكن الوصول إليها بسهولة من خلال سيارة "ناسا".
إيلون ماسك لم يصل إلى المريخ بعد، فهو حاليا يصب جل اهتمامه في المقدرة على تصميم آلية مناسبة للإقلاع والهبوط على سطح الأرض بأقل التكاليف، وهذا بالفعل تحقق من خلال التجارب الناجحة لصاروخ فالكون 9، الذي لديه القدرة على حمل أكثر من 22 طنا وقذفها في الفضاء، ومن ثم العودة إلى مكان إطلاقه والهبوط بشكل عمودي. هذا الإنجاز الكبير من قبل شركة إيلون ماسك، يعد نقلة كبيرة في مجال الصواريخ، التي كانت سابقا تستخدم مرة واحدة في عملية الإطلاق ومن ثم تسقط إلى الأرض أو المحيط وتتحطم بشكل شبه كامل. ما تم القيام به بنجاح لأول مرة عام 2015 هو عودة صاروخ الإطلاق "المرحلة الأولى من المركبة" إلى الأرض سالما، وذلك بعد عدة محاولات فاشلة ومكلفة.
للمهتمين، يمكن مشاهدة إطلاق مركبة الفضاء "ستار شيب 15" على الهواء اليوم السبت، حيث يمكن مشاهدة كيف تنطلق المركبة إلى ارتفاع عشرة كيلومترات، ومن ثم تطفأ محركاتها وتسقط باتجاه الأرض، ومن ثم تعود المحركات إلى العمل لتتمكن المركبة من الهبوط بشكل عمودي. الفكرة من هذه المركبة أنها ستكون هي الطريقة الجديدة التي تعمل بها المركبة الفضائية، حيث تقلع وتهبط محملة بالمسافرين كالطائرات التجارية. وبالفعل "ناسا" تراهن على هذه المركبة، حيث فازت "سبيس إكس" بهذا المشروع الذي تصل تكلفته إلى 2.9 مليار دولار، ومن المتوقع أن تستخدم هذه المركبة في الرحلات إلى القمر.
السؤال - بالطبع - هو، أين العائد المالي من هذه المنجزات؟
بالنسبة إلى هؤلاء الأشخاص ربما التنافس على المجد والشهرة يفوق العوائد المالية الممكنة، لكن رغم ذلك هناك بالفعل عوائد مالية، منها أن الحمولة العالية لصواريخ "سبيس إكس" تجعل من الممكن إطلاق عدد كبير من الأقمار الصناعية في عملية واحدة، حيث تحقق ذلك هذا العام بإطلاق 143 قمرا صناعيا دفعة واحدة. هذه الأقمار الصناعية ستستخدم في مشروع آخر من بنات أفكار إيلون ماسك، يعتمد على الأقمار الصناعية في المدار المنخفض، وتتميز بقدرتها على تقديم خدمة إنترنت عالمية متاحة في كل مكان وجميع الأوقات. هذا المشروع يسمى "ستار لنك" وهو عبارة عن مجموعة من الأقمار الصناعية تصل إلى 12 ألف قمر صناعي وأكثر، وتدور بسرعة عالية بالقرب من سطح الأرض، وبالتالي يتقلص مقدار التأخير في عودة الإشارة إلى سطح الأرض.
مشكلة الأقمار الصناعية الموجودة منذ عشرات الأعوام في الفضاء وتستخدم لنقل البيانات والبث التلفزيوني هي، أنه بسبب ارتفاعها العالي - نحو 36 ألف كيلومتر فوق الأرض - فإن هناك تأخرا ملحوظا للوقت اللازم لاستقبال الإشارة المرسلة، وهذا يتم التغلب عليه بشكل كبير من خلال الأقمار الصناعية القريبة للأرض، التي غالبا تكون على ارتفاع بحدود 500 كيلومتر فقط.
كذلك تستخدم صواريخ "سبيس إكس" في إطلاق المركبات الفضائية الموجهة إلى محطة الفضاء الدولية، حيث يمكن ذهاب رجال الفضاء إلى المحطة وعودتهم بتكاليف أقل بكثير مما كانت تتكبده "ناسا". من المعروف أن محطة الفضاء الدولية موجودة في الفضاء منذ 20 عاما، وهي عبارة عن مجمع علمي كبير يحلق في الفضاء بسرعة تصل إلى 27 ألف كيلومتر في الساعة، يقضي فيها رواد الفضاء عدة أشهر أحيانا لإجراء الدراسات والأبحاث العلمية، ويتم الوصول إلى هذه المحطة بإطلاق مركبة فضائية من خلال صواريخ على الأرض، حيث تلتحم المركبة الفضائية بالمحطة الدولية، ومن ثم يمكن دخول رواد فضاء جدد وخروج آخرين، وهكذا.
هؤلاء رواد أعمال ليس لطموحاتهم حدود، وبينما تهكم كثيرون بأحلام إيلون ماسك، اليوم نجد وكالة ناسا العريقة تقف احتراما له ولقدرته على شحذ الهمم وتذليل الصعوبات ورفع المعنويات والسير بثقة نحو القمم.
نقلا عن الاقتصادية
شكرا يا دكتور فهد. مقالة مهمة تستشرف مستقبل الفضاء والإستثمار فيه وما يحتاجه هذا المجال من إستخدامات للطاقة المتجددة في تشغيل محركات الصواريخ وبالذات الطاقة الشمسية وبذلك ربما يكون هدف المستثمر في المستقبل الإستثمار في الطاقة المتجددة وشركاتها سواء في اإستثماراتها على الأرض أو الفضاء وتقفي آثار هؤلاء الكبار مثل ايلون ماسك ومعرفة إهتماماتهم وتوجهاتهم الإستثمارية في هذا المجال البكر. شكري الجزيل مرة أخرى يا دكتور... نورتنا.