الصناعة التحويلية السعودية وطموحات المستقبل

05/04/2021 0
د.صالح السلطان

أعلن قبل أيام برنامج طموح باسم «صنع في السعودية». والبرنامج لم يأت هكذا على عجالة، بل سبقته جهود تخطيط ورسم مبادرات. يستهدف البرنامج نقل الصناعة السعودية من قطاع ثانوي إلى أساسي في التوظيف وتنويع مصادر الدخل والمنافسة دوليا. ولنا أن نقول إن أمام قطاع الصناعة التحويلية فرصة ذهبية. نسأله - سبحانه - أن يكلل الجهود بالنجاح.

لماذا قوة الاهتمام بالصناعة التحويلية؟ ما زال مستوى تطورها محسوبا المقياس الأبرز للحكم على درجة تطور اقتصاد. ما زال حتى مع التطورات التقنية الرقمية. ذلك أن التطورات التقنية ما كان لها أن تكون دون أرضية صناعة تحويلية متطورة. ومما يعزز هذا القول أن تسمية "الدول الصناعية" الشائعة أطلقت وما زالت تعني الدولة ذات الاقتصاد المتطور أو المتقدم.

أهمية الصناعة ليست أمرا جديدا على بلادنا. فقد أكدت خطط التنمية الخمسية التي بدأ العمل بها منذ عام 1390 (1970) أهمية توسيع القاعدة الصناعية لتصبح مصدرا أساسيا للدخل. وفي نظر جمهور المختصين تعد الصناعة مصدرا أساسيا للدخل إذا كانت نصيبها في الناتج المحلي الإجمالي لا يقل عن 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

لكن الواقع يقول إن مساهمة الصناعة التحويلية - خلاف تكرير النفط - السعودية في الإنتاج المحلي الإجمالي تدور حول 10 في المائة على مدى 15 عاما ماضية. ومقارنة بالدول الحديثة عهد بالتصنيع "كالبرازيل وتايوان وماليزيا" فإنها تبلغ نحو نصف النسب المحققة في هذه الدول.

لكن الرؤية الحكومية الآن تعطي فسحة أمل قوية في النهوض بالقطاع الصناعي، عبر تطوير السياسات الصناعية. هذه الرؤية تصب أيضا في مسعى مشاركة القطاع الخاص. ومن ثم متوقع أن يكون نصيب القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي نحو 20 في المائة بحلول عام 2030.

ضعف الاستثمار الصناعي هو من أهم إن لم يكن أهم أسباب كون نمو الصناعة التحويلية في الـ 20 عاما الماضية دون الطموحات. والسبب الأول بطبيعة الحال ضعف العائد. والمستثمر يبحث عن العائد الأسرع والأعلى. هل بإمكان قطاع الصناعة التحويلية - خلاف الصناعات القائمة مباشرة على موارد النفط والمتناثرة في مدينتي الجبيل وينبع - تقديم عائد أعلى وأسرع فتحقيق مساهمة مرتفعة في الناتج المحلي؟ أخذا في الحسبان منافسة دول حديثة عهد بالتصنيع كالصين. تحقيق ذلك صعب. لكن الصعوبة لا تعني الاستحالة. تحقيق عائد مرتفع فنمو مرتفع ممكن لكن له متطلبات.

من خصائص الاقتصادات النامية أن مشكلاتها الاقتصادية تتركز في جانب الإنتاج وليس في جانب الاستهلاك، وذلك بسبب ضعف مزمن في قدراتها الإنتاجية، بخلاف الوضع في الدول الصناعية.

خلاف موضوع المنافسة الخارجية، يحتاج القطاع الصناعي إلى قدرات فنية وتقنية ويد عاملة مدربة ومهارات عالية واستثمارات كبيرة وتتطلب بعض الوقت قبل أن تؤتي أكلها.

لهذا ليس من الغريب أن نرى الدولة تعمل بصورة قوية لجعل الاستثمار الصناعي - خارج نطاق الجبيل وينبع وخارج نطاق منظومة الصناعات القائمة مباشرة على النفط - موضع إقبال من المستثمرين. يأتي ذلك عبر تبني سياسات صناعية تعمل على تسريع ورفع العائد على الاستثمار الصناعي، وهذا يؤدي إلى تحفيز المستثمرين نحو الاستثمار الصناعي.

خلاف الجهود السابقة ومن أهمها إنشاء المدن الصناعية، هناك فرصة ذهبية حالية لتطوير السياسات الصناعية لإيجاد طفرة صناعية. وخلاف سياسات التمويل، بيد الحكومة أدوات كثيرة للمساعدة على تحفيز الاستثمار الصناعي، زيادة على التحفيز المتاح في الوقت الحاضر.

وفي هذا الأمر نلحظ عدة تطورات. منها تسارع وتيرة تطوير الصناعات العسكرية السعودية ضمن خطة استراتيجية شاملة لتطوير قطاع الصناعة تحت مظلة رؤية المملكة 2030. وتطمح الجهات الحكومية المعنية وفي مقدمتها الهيئة العامة للصناعات العسكرية والشركة السعودية للصناعات العسكرية SAMI، لتوطين نحو 50 في المائة من هذه الصناعة.

من المقترحات لمزيد تحفيز للاستثمار الصناعي، إدخال مزيد من التطوير في تشغيل المدن الصناعية والاستفادة منها. مثلا، من المهم مراعاة نقاط في أساليب تأجير أراضي هذه المدن. والمقام لا يتيح التفصيل. إذا كان ارتفاع تكلفة "إيجار" الأرض يضر بنمو الصناعة، فإن الانخفاض الشديد في التكلفة "السعر التأجيري" يتسبب في إهدار استعمال الأراضي، ووجود استغلال غير رشيد لها، بمعنى أن صاحب المصنع عنده حافز قوي على الحصول على أرض أكثر مما يتطلبه الإنتاج السنوي، أو بتعبير عكسي يمكن تحقيق الإنتاج نفسه على مساحة أصغر. الحصول على أرض أكثر من الحاجة يحفز غالبا على الإهدار الرأسمالي، أي حافز إقامة منشآت وتجهيزات أكثر من حاجة قدر محدد من الإنتاج، وهذا بدوره يرفع تكلفة إنتاج الوحدة الواحدة.

من المهم بناء سياسات دعم تراعي التوسط بين الدعم فوق اللازم والدعم أقل من اللازم. وتبعا، فإن توفير أراض أو منشآت مطورة جاهزة للاستثمار الصناعي، أساسه أن تكون تكلفتها منخفضة على المستثمر، لكن ليست منخفضة بصورة متطرفة. وينبغي ألا يوحد الإيجار، ويقترح تبني سياسات في المدن الصناعية مقاربة لمدينتي الجبيل وينبع الصناعيتين. ومن البداهة أن يوجد تنسيق بين مقدمي المرافق من هاتف وكهرباء وماء، والشركات التي تدير المدن الصناعية. بناء شبكة مرافق يفترض أن يكون من مسؤولية مقدمي المرافق، أسوة بالمتبع في المناطق السكنية والتجارية داخل المدن.

سفلتة ورصف شوارع المدن الصناعية ينبغي ألا تنعكس تكلفتها على إيجار أراضي المدن الصناعية. البديل أن تتحمل تكلفتها الحكومة أسوة بالأحياء والمدن الحضرية، أو على الأقل تسهم بمعظم التكلفة. أخيرا مقترح تأسيس معهد أو مركز مرتفع المستوى لدراسات تطوير قطاع الصناعة التحويلية.

 

نقلا عن الاقتصادية