يتأهب الاقتصاد الوطني لخوض عقد زمني مقبل بقدر مرتفع جدا من الطموحات، ستقترن بأعلى قدر من الجهود والأموال اللازمة، يمكن اختصارها فيما أعلنه ولي العهد - حفظه الله - خلال تدشينه برنامج «شريك» بتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص المخصص للشركات المحلية، وتمكين القطاع الخاص للوصول إلى حجم استثمارات محلية بـ 5.0 تريليون ريال، إضافة إلى ضخ صندوق الاستثمارات العامة 3.0 تريليون ريال، وضخ 4.0 تريليون ريال تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للاستثمار "ستعلن تفاصيلها قريبا"، ليصل مجموع الاستثمارات التي سيتم ضخها في الاقتصاد الوطني خلال العقد المقبل إلى 12 تريليون ريال، ولا يشمل ذلك الإنفاق الحكومي المقدر بـ 10.0 تريليون ريال، والإنفاق الاستهلاكي الخاص المتوقع بـ 5.0 تريليون ريال خلال الفترة نفسها، ليصل إجمالي ما سيتم إنفاقه إلى 27.0 تريليون ريال حتى نهاية 2030. لقد قطعت بلادنا أشواطا طويلة على طريق الإصلاحات الهيكلية، وتطوير وتحديث كثير من الأنظمة والتشريعات، إضافة إلى الأنظمة واللوائح الحديثة، ولا تزال الجهود المبذولة في هذا الشأن مستمرة ولن تتوقف، ما أدى بدوره إلى الدفع بتنافسية الاقتصاد الوطني نحو محطات متقدمة إقليميا ودوليا، ورسخ بدرجة أكبر مركزه وثقله الدولي على المستويات كافة، وقضى على كثير من التشوهات التي أبطأت البرامج والخطط الاستراتيجية، وما زال العمل جاريا للقضاء على ما بقي منها، وصولا إلى المنظومة المتكاملة المستهدفة لهيكلة الاقتصاد الوطني.
سيستغرق الحديث حول تلك التطورات المنتظرة لاقتصادنا الوطني، كثيرا من التحليل والبحث والدراسة، وهو الأمر الإيجابي بكل تأكيد الذي سيسهم في إثراء الفكر والجهود المجتمعة من قبل الأطراف كافة، لأجل تحقق الأهداف النهائية المنشودة. يأتي في مقدمة أهمية تلك المشاريع العملاقة المنتظرة، ما يتعلق بكل من برنامج «شريك» والاستثمار الأجنبي، البالغ إجمالي ما سيتم ضخه من خلالهما إلى 9.0 تريليون ريال "75 في المائة من إجمالي الاستثمارات البالغة 12.0 تريليون ريال"، ولما يمثلانه من وزن كبير جدا على طريق توسيع وتنويع القاعدة الإنتاجية للاقتصاد الوطني، وزيادة تنافسية الاقتصاد، والفرص الاستثمارية المجدية، وفرص العمل الملائمة بمئات الآلاف سنويا خلال العقد الزمني المقبل.
إنها الفرص الواعدة والأكبر التي ينتظر تحققها بتكامل الجهود والمقدرات المبذولة، وهي أيضا الفرص التي ستواجه القدر الأكبر مقارنة بغيرها من التحديات والمعوقات، التي لا بد من تجاوزها والتغلب عليها مهما كلف الأمر، ورغم ما تم إنجازه على هذا الطريق إلا أنه ما زال جزء من تلك التحديات قائما.
من تلك التحديات الكأداء التي تجب معالجتها فورا ودون أي تأخير: التضخم الكبير في أسعار وتكاليف الأراضي، كأكبر بند في تكاليف تأسيس المشاريع الاستثمارية الذي شكل تحديا طوال العقدين الماضيين في وجه كل من القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي، وهو ما أشار إليه وزير الصناعة والثروة المعدنية في لقاء أخير له متسائلا عن الارتفاعات الكبيرة في أسعار الأراضي: ماذا أضافت هذه الأرض للاقتصاد؟ مجيبا عن سؤاله: "لا شيء"، ثم استطرد قائلا: ما الذي جعل هذه الأرض تكسب هذه المكاسب؟ مجيبا عن سؤاله بالقول: كل شيء تعمله الدولة، أسهم في نمو قيمة هذه الأرض، بنية تحتية، أمن، فرص وظيفية، قوة شرائية، لدينا دولة تصرف سنويا تريليون ريال، بينما مالك هذه الأرض لم يشارك في التنمية.
ثم كشف عن حديثه مع ولي العهد الأمين، أن المستثمر الياباني والكوري والألماني لو يشتري له أرضا، وتضاعف سعرها بعد أربعة أعوام لم يضخ استثمارات، وهنا مربط الفرس، الذي طالما وقف جدارا منيعا في وجه المستثمر الوطني قبل المستثمر الأجنبي، وكيف لأي منهما الإقدام على الاستثمار في مجالات عديدة ومهمة جدا للاقتصاد الوطني، في الوقت ذاته الذي تتوافر فرصة تحقق عوائد قياسية بامتلاك أرض لعدة أعوام قليلة دون أي جهد يذكر؟ وكيف لأي منهما تحمل التكاليف والمخاطر المرتفعة لارتفاع تكلفة الأرض على مشروعه الاستثماري؟
أظهرت البيانات الرسمية للنشاط الصناعي خلال 2011 - 2020 ارتفاع رؤوس أموالها المستثمرة بمتوسط نمو سنوي 7.6 في المائة "1.0 تريليون ريال بنهاية الربع الثالث 2020"، وارتفاع أعداد العمالة في منشآتها خلال الفترة نفسها بمتوسط سنوي 4.9 في المائة "960.1 ألف عامل بنهاية الربع الثالث 2020"، وأن النمو الحقيقي للنشاط خلال الفترة نفسها لم يتجاوز سنويا سقف 2.0 في المائة، ولأجل مضاعفة هذا النمو السنوي للنشاط خلال العقد الزمني المقبل، لا بد من توفير الإمكانية لنمو رؤوس الأموال المستثمرة في النشاط بما لا يقل عن 14.4 في المائة سنويا، لتصل إلى نحو 3.9 تريليون ريال بحلول نهاية 2030، أي إنها أضافت كاستثمارات في النشاط نحو 2.8 تريليون ريال، عدا إمكانية إضافة نحو 1.3 مليون فرصة عمل خلال الفترة نفسها، ليصل إجمالي العمالة في منشآت النشاط بنهاية الفترة إلى 2.3 مليون فرصة عمل. وقس ذلك أيضا على الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي سجل متوسط نمو سنوي 2.6 في المائة خلال 2011 - 2020 "بلغ نحو 907 مليارات ريال بنهاية 2020"، ولأجل تسهيل وجذب مزيد من تدفقاته وفق التوجهات الطموحة الأخيرة بنحو 4.0 تريليون ريال، يتعين على وزارة الاستثمار وصولا إلى مستهدف اجتذاب 4.0 تريليون ريال بحلول 2030، ألا يقل متوسط النمو السنوي خلال العقد الزمني المقبل عن 18.8 في المائة.
لتتحقق تلك المتطلبات الأساسية لا بد من تسريع حلول القضاء على تضخم أسعار الأراضي، وإعادتها إلى مستوياتها العادلة، التي تخدم الاقتصاد والاستثمار لا أن تلحق بهما الضرر، وتحد من فرص نموهما المنشود، والتفريق هنا بين دعم وتحفيز القطاع العقاري كقطاع منتج، وبين مجرد تكديس الثروات في أراض لأعوام طويلة أو المضاربة عليها دون أي تطوير أو استخدام لها. لا يوجد أي مقارنة بين من يحاول تقدير العوائد الحقيقية نتيجة هذا الضخ المالي غير المسبوق 27 تريليون ريال "نمو حقيقي مرتفع ومستدام، تنويع القاعدة الإنتاجية، نمو فرص العمل بمئات الآلاف سنويا"، وآخر يحاول تقدير كم سترتفع أسعار أملاكه من أراض، نتيجة هذا الضخ المالي القياسي، وللحديث بقية.
نقلا عن الاقتصادية