في الأسابيع القليلة الماضية تراجعت أسعار خام برنت بعد اقترابها من 70 دولارا للبرميل بسبب بطء عمليات التطعيم، وتزايد الإغلاق، وتراجع نشاط المضاربين. لكن بغض النظر عن الانتعاش الذي شهده الأسبوع الماضي على خلفية جنوح سفينة في قناة السويس، إلا أن الارتفاع التالي في الأسعار قد يكون قاب قوسين أو أدنى، مدفوعا بانخفاض مخزونات المنتجات النفطية. إن مكاسب أسعار النفط منذ بداية العام حتى الآن، والبالغة نحو 25 في المائة، كانت مدفوعة في الأغلب باستنزاف مخزونات النفط الخام، إلا أن العمل الجاد بدأ أيضا لخفض مخزونات المنتجات النفطية، كما يتضح من الزيادات الأخيرة في أسعار البنزين والديزل. في الواقع، يظهر بعض التوقعات انخفاض مخزونات المنتجات إلى مستويات ما قبل الجائحة خلال فصل الصيف.
بالفعل، تستنزف أسواق المنتجات المخزونات بسرعة حيث عزز فصل الشتاء البارد الطلب، بينما يتراجع معدل تشغيل مصافي التكرير التي تعاني ضائقة مالية. رغم الانتكاسات في أوروبا، إلا أن إطلاق لقاح فيروس كورونا يؤكد التوقعات بنمو قوي في الطلب يبدأ في حزيران (يونيو) أو قبل ذلك. لقد سجلت مخزونات المنتجات العالمية انخفاضا بمعدل 70 مليون برميل في شباط (فبراير). لقد أدت موجة الانجماد في ولاية تكساس في الشهر الماضي وحده إلى سحب 40 مليون برميل إضافية من مخزونات المنتجات. حيث أدى طقس الشتاء القارس إلى انقطاع التيار الكهربائي، وانخفاض عمليات تشغيل مصافي التكرير الأمريكية إلى أقل من عشرة ملايين برميل يوميا في الشهر الماضي. كما أدى الطقس البارد في شهري كانون الثاني (يناير) وشباط (فبراير) في النصف الشمالي من الكرة الأرضية إلى زيادة الطلب العالمي على الديزل، الكيروسين، زيت الوقود والنفط الخام للتدفئة وتوليد الطاقة. ودعم هذا، الطلب على المنتجات في آسيا وأوروبا رغم أن المصافي هناك ظلت منخفضة بسبب ضعف الهوامش.
قد يكون استنزاف مخزونات المنتجات الجاري في حوض الأطلسي كافيا لاستعادة أسعار النفط الخام زخمها التصاعدي بعد أن تراجعت أسعار خام برنت بنسبة 10 في المائة بعد اقترابها من 70 دولارا للبرميل في الـ 12 من الشهر الماضي. دفع هذا التراجع في الأسعار، الناجم جزئيا عن التكهنات أن إيران تدفع بكميات إضافية من النفط الخام إلى الصين، بعض المضاربين الكبار إلى بيع مراكزهم في النفط الخام. لكن الاعتقاد أن الارتفاع في أسعار النفط الخام قد وصل إلى أقصاه قد يكون سابقا لأوانه. حيث تعززت أسواق المنتجات مع استمرار فائض المنتجات الآسيوية في الإبحار غربا.
وتظهر بيانات المخزون التي يتم نشرها بتواتر عال للولايات المتحدة، اليابان، أوروبا، سنغافورة والفجيرة، إضافة إلى مخزونات النفط الخام والمنتجات العائمة في البحر، أن من بين 380 مليون برميل تم بناؤها خلال الموجة الأولى من فيروس كورونا من آذار (مارس) حتى حزيران (يونيو) 2020، لم يتبق منها سوى نحو 50 مليون برميل. بالفعل، لقد تمت إعادة توازن أسواق البنزين في حوض الأطلسي، ويأتي الديزل بعد ذلك. في وقت تخطط مصافي التكرير الآسيوية لأعمال صيانة مكثفة في نيسان (أبريل) الجاري، ما قد يؤدي إلى تسريع سحب مخزونات المنتجات.
لقد كان معدل تشغيل مصافي التكرير في شباط (فبراير) في الأمريكتين وأوروبا مجتمعة أقل بنحو خمسة ملايين برميل يوميا مما كانت عليه قبل عام، وفقا لحسابات "إنيرجي إنتليجنس". في حين انخفض الطلب في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أمريكا وأوروبا بمقدار 2.2 مليون برميل في اليوم فقط. الفرق سحب من المخزونات.
إن تراجع أسعار برنت تدل على أن إعادة التوازن في الأسواق لم تتم بعد بالكامل، وهو ما من شأنه أن يمنع وصول مزيد من النفط الخام إلى السوق قبل الأوان. كما أن الانخفاض المفاجئ في الأسعار يمنع المصافي من شراء مزيد من النفط، لأن النفط الخام لا يزال غير رخيص مقارنة باقتصاداتها - هوامش الأرباح - حيث لا يوجد لدى المصافي خيار حقيقي للتحوط من الإنتاج المستقبلي والتخطيط لعمليات تشغيل أعلى، لأن أسعار المنتجات ليست مرتفعة بعد بما يكفي لجني أرباح قوية.
قد يساعد الجمع بين انخفاض إنتاج النفط الخام والمنتجات في دعم احتمالية حدوث ارتفاع مفاجئ في الأسعار خلال فصل الصيف. تظهر أسواق النفط الخام بعض المرونة، لكنها عادت بالفعل إلى مستويات ما قبل الجائحة. بعد سبعة أشهر من تراجع مخزون النفط الخام، شهدت أسواق النفط مكاسبها الأولى في المخزون في شباط (فبراير)، ويرجع ذلك جزئيا إلى انخفاض عمليات تشغيل المصافي في حوض المحيط الأطلسي.
في (شباط) فبراير، ارتفع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.36 مليون برميل يوميا، مدفوعا بارتفاع كبير في الطلب من قبل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. ويتوقع الآن نمو الطلب لعام 2021 بنحو 5.3 مليون برميل في اليوم، ما يجعل متوسط الطلب السنوي عند 97.5 مليون برميل في اليوم. بالفعل، تدعم لقاحات كورونا الاتجاه التصاعدي، حيث إن مستويات المناعة الأعلى تولد اضطرابات اقتصادية أقل. لا يزال الطلب الآسيوي هو المحرك الرئيس للنمو، حيث سجل زيادة قدرها 5.2 مليون برميل في اليوم في (شباط) فبراير مقارنة بالشهر نفسه قبل عام، عندما دخلت الصين في حالة إغلاق. ومن المتوقع أن تزداد وتيرة التعافي، حيث سيرتفع الطلب بنحو مليون برميل آخر في اليوم في الربع الثاني، ومليوني برميل أخرى في اليوم خلال فصل الصيف. لكن الأسعار ستكون العامل الحاسم. لقد أدى تراجع أسعار خام برنت إلى دون 65 دولارا للبرميل إلى تقليل المخاوف من ارتفاع أسعار البنزين والديزل وتراجع نمو الطلب المحتمل. لكن أي عودة إلى النطاق بين 70 و80 دولارا للبرميل يمكن أن يهدد الانتعاش الاقتصادي في الأسواق الناشئة وبالتالي الطلب.
نقلا عن الاقتصادية