صدرت قبل أسبوعين موافقة مجلس الوزراء على اعتماد نظام التخصيص، الذي سيوفر فرصا واسعة أمام الأجهزة الحكومية على مستوى أعداد مشاريع التخصيص المنفذة في المملكة، ومستوى تحفيز القطاع الخاص وإيجاد البيئة الاستثمارية الممكنة للمستثمرين المحليين والدوليين للمشاركة في فرص التخصيص المطروحة، بما سيؤدي إلى رفع مستوى كفاءة الأصول الخاضعة للتخصيص، وتحسين مستوى إدارتها.
وللوقوف بصورة عامة على التغيرات المرتقبة من اعتماد النظام، وبماذا سينعكس على مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني من جانب، وعلى أفراد المجتمع من جانب آخر، يمكن الانطلاق لبناء تصور عام لتلك التغيرات المرتقبة من الأهداف الرئيسة التي نصت عليها المادة الثالثة من نظام التخصيص، وهي على النحو الآتي:
(1) المساعدة على تحقيق الأهداف الاستراتيجية للجهات الحكومية، وترشيد الإنفاق العام، وزيادة إيرادات الدولة، ورفع كفاءة الاقتصاد الوطني، وزيادة قدرته التنافسية لمواجهة التحديات والمنافسة الإقليمية والدولية ذات الصلة بمشاريع التخصيص.
(2) رفع مستوى شمولية وجودة الخدمات وتوفيرها في الوقت والتكلفة المناسبين، ورفع كفاءة الأصول ذات الصلة بمشاريع التخصيص، وتحسين مستوى إدارتها، والعمل على تجهيز أو إعادة هيكلة القطاعات والأجهزة والأصول والخدمات العامة المراد تخصيصها.
(3) تحفيز القطاع الخاص المحلي والأجنبي على الاستثمار والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني من خلال مشاريع تحقق الجدوى التنموية للحكومة والجدوى الاقتصادية للقطاعين العام والخاص في الاقتصاد الوطني، وزيادة حصة القطاع الخاص في الناتج المحلي بما يحقق نموا في الاقتصاد الوطني.
(4) العمل على توسيع نطاق مشاركة المواطنين في ملكية الأصول الحكومية، وزيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة.
حملت التجارب العالمية والمحلية على حد سواء فيما يتعلق بالتخصيص منذ بداية الثمانينيات الميلادية الماضية، كثيرا جدا من النتائج في الدول التي أقدمت على التخصيص، وتنوعت نتائجها وانعكاساتها على أرض الواقع بين حدي النجاح في أغلب تلك التجارب، والفشل من جوانب أخرى محدودة، والتأكيد هنا أن خلاصة تلك التجارب الناجحة منها وتلك التي فشلت أنها أصبحت مرجعية مهمة جدا لأي جهود ومشاريع تخصيص تتم خلال الفترة الراهنة ومستقبلا، وهو بالفعل ما تم أخذه في الحسبان بقراءة عديد من مواد نظام التخصيص الذي تم إقراره أخيرا من مجلس الوزراء، ويعني ذلك أن النظام واللائحة التنفيذية التي سيتم إقرارها لاحقا، قد تحصنا بمزيد من المرونة اللازمة لتنظيم وتسيير مشاريع التخصيص واسعة التنوع والاختلاف من قطاع إلى آخر، وحسبما تشكله كوزن نسبي في الاقتصاد الوطني، وحسب درجة ارتباطها وحساسيتها بالتنمية الشاملة والمجتمع.
وبالتركيز على النتائج المأمولة من التخصيص على مستوى توسيع نطاق مشاركة المواطنين في ملكية الأصول الحكومية، وزيادة فرص العمل والتشغيل الأمثل للقوى الوطنية العاملة، ودون إغفال الأهمية القصوى للأهداف التي سبقت هذا الهدف الاستراتيجي، كما نصت المادة الثالثة المشار إليها أعلاه من نظام التخصيص، فقد حمل الهدف الرابع نافذتين واسعتي النطاق: النافذة الأولى: المتمثلة في فتح فرص واسعة جدا أمام أصحاب الثروات والمدخرات من المستثمرين المحليين للاستثمار لتملك الأصول الحكومية، وهي النافذة المهمة جدا التي سيؤدي وجودها واتساع وتنوع خياراتها، إلى فتح مزيد من قنوات الاستثمار طويل الأجل ذات العائد الأقل مخاطرة، ويخفف بدوره من انشغال أرصدة هائلة من مدخرات وثروات المستثمرين بعديد من أشكال المضاربات غير المحمودة في عديد من نشاطات الاقتصاد، وهذا ما سيخدم - بمشيئة الله تعالى - الاقتصاد الوطني والتنمية المستدامة من طريقين: الأول: إن تدفق المدخرات والثروات على الفرص الاستثمارية الناتجة عن التخصيص، سيسهم في زيادة قدرة الاقتصاد الوطني على النمو بمعدلات أفضل، وتحقق مزيد من تحسن مستويات التنمية الشاملة لبلادنا ومجتمعنا. الطريق الثاني: إن تقلص حجم المضاربات في مختلف نشاطات الاقتصاد الوطني، سيؤدي بدوره إلى انخفاض الآثار العكسية لتلك المضاربات على الأداء الاقتصادي عموما، والقطاع الخاص والمجتمع تحديدا، لما يشكله انفتاح كثير من الفرص المجدية والآمنة للاستثمار محليا من قطع للطريق على المضاربين، وردا على كثير من الأعذار الواهية من لدنهم، التي وضعوها تبريرا لقيامهم بالمضاربات المحمومة في مختلف نشاطات الاقتصاد، ودون اهتمام من أغلبهم بالأضرار والآثار العكسية الناتجة عن مضارباتهم على الأداء الاقتصادي وكل من أداء القطاع الخاص والمستويات المعيشية لأفراد وأسر المجتمع.
أما النافذة الثانية: فمتمثلة في الزيادة المأمولة والمرتقبة لفرص العمل الكريمة والملائمة أمام الموارد البشرية المواطنة، التي يؤمل أن تسهم بأعلى تأثير ممكن في خفض معدل البطالة، وزيادة توظيف الباحثين والباحثات عن فرص عمل من المواطنين، وأن ترتقي تلك الفرص إلى أفضل مستويات الأجور والمهارات والتدريب والاستقرار الوظيفي اللازم، والمساهمة بصورة أكبر في تحسن مستويات المعيشة بالنسبة لأفراد المجتمع، وخفض الاعتماد إلى أدنى درجة ممكنة على العمالة الوافدة، بالنظر إلى ما تحظى به مشاريع التخصيص من شراكة حكومية، ولتحقيق هذا الهدف التنموي الاستراتيجي المهم جدا، يؤمل أن تخضع جميع مشاريع التخصيص الراهنة والمرتقبة إلى معايير لتوطين الوظائف خاصة، تتسم بقدر أعلى بكثير من معايير برامج التوطين المعمول بها على القطاع الخاص، وتوظيف الشراكة الحكومية هنا كمحفز رئيس لإقرار معدلات توطين أعلى وأكثر إلزاما وصرامة، ويتم اتخاذ التدابير والإجراءات اللازمة التي تكفل تحقيقه من جانب، ومن جانب آخر إقرار المحفزات اللازمة للقطاع الخاص الشريك، وتشجيعه في هذا الاتجاه التنموي المهم والمشروع.
نقلا عن الاقتصادية