المأمول اتخاذه بعد مؤشرات الأداء الاقتصادي الأخيرة

17/03/2021 1
عبد الحميد العمري

أظهر أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء حول أداء الاقتصاد الوطني انخفاض النمو الحقيقي للناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.1 في المائة بنهاية 2020، مقارنة بارتفاعه الحقيقي المحدود خلال العام الأسبق بنسبة 0.3 في المائة، كما أظهر انخفاض النمو الحقيقي للقطاع الخاص بنسبة 3.1 في المائة، مقارنة بنموه الحقيقي خلال العام الأسبق بنسبة 3.8 في المائة. وعكست مؤشرات الأداء الأخيرة للاقتصاد تأثره بتداعيات تفشي كوفيد - 19 التي ألقت بظلالها على جميع اقتصادات العالم، في الوقت ذاته الذي لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته السياسات والإجراءات التحفيزية والمتنوعة التي تم إقرارها بالتزامن مع اشتعال فتيل الفيروس خلال العام الماضي، وأنها أسهمت في التخفيف الكبير من آثار وحدة تفشي الفيروس والإجراءات التي اقترنت به من وقف واسع النطاق لمختلف نشاطات الاقتصاد محليا وعالميا.

واتسع نطاق الآثار العكسية لكوفيد - 19 ليشمل أغلب مؤشرات الأداء، حيث انخفض حجم الصادرات السعودية خلال العام نفسه بنسبة 33.2 في المائة، متأثرة بالانخفاض الكبير في جانب الصادرات النفطية بنسبة 39.8 في المائة، مقابل نسبة انخفاض أدنى لدى الصادرات غير النفطية بنحو 11.0 في المائة، وانخفاض حجم الواردات خلال العام نفسه بنسبة 12.5 في المائة. كما سجل معدل البطالة ارتفاعا إلى 15.4 في المائة بحلول منتصف العام، وعاد للتراجع بنهاية الربع الثالث إلى 14.9 في المائة، وكان التضخم مقاسا بمقارنته في نهاية الشهر الأخير من 2020 مع الشهر نفسه من العام الأسبق، قد سجل ارتفاعا وصلت نسبته إلى 5.3 في المائة.

تلك المؤشرات الاقتصادية وغيرها من مؤشرات الأداء، جاءت انعكاسا للآثار التي خلفها تفشي كوفيد - 19 شأنه في ذلك شأن ما خلفه من آثار على مختلف اقتصادات وأسواق العالم، ودون إغفال الأدوار المهمة جدا للسياسات والإجراءات الاستثنائية التحفيزية التي تم إقرارها محليا، وتجاوزت تعبئتها الداعمة للاقتصاد عموما، والقطاع الخاص خصوصا سقف 0.5 تريليون ريال، ما أدى إلى تخفيف أعباء كثيرة وعديدة عن كاهل الاقتصاد والمجتمع على حد سواء، وجنب الاقتصاد انكماشا أكبر مما أظهرته البيانات الأخيرة، إضافة إلى الدور الأهم لإجراءات ضمان وحماية وظائف العمالة المواطنة في القطاع الخاص (أكثر من 1.2 مليون وظيفة) التي أسهمت في تعزيز استقرار العمالة المواطنة، ورغم الارتفاع الذي وصل إليه معدل البطالة مع منتصف العام الماضي، إلا أنه كان سيكون أعلى بكثير لولا فضل الله، ثم ما تم إقراراه من إجراءات حمائية للوظائف، ولكان قريبا من معدلات البطالة وفقدان الوظائف الذي صدم به أغلب أسواق العمل حول العالم، وأدى إلى فقدان أكثر من 100 مليون عامل وظائفهم خلال العام الماضي.

إن كل ما تقدم ذكره من تطورات، وأمام ما يواجهه الاقتصاد الوطني حاضرا ومستقبلا من تحديات، على رأسها استعادة تعافي نشاطات الاقتصاد خلال أقصر فترة ممكنة، وضرورة تجاوز الآثار العكسية التي خلفها تفشي كوفيد - 19 الذي ما زال تأثيره السلبي في الاقتصاد العالمي والأسواق قائما حتى تاريخه، يعني أهمية أكبر لمزيد من فعالية وكفاءة السياسات الاقتصادية على طريق استعادة التعافي، والعمل على تخفيف أي تداعيات عكسية قد تستجد، إضافة إلى مواجهة مخاطر التضخم الراهن في الأسعار، وتحديدا أسعار المواد الغذائية والمواد الخام، نتيجة سياسات التيسير الكمي الأكبر في تاريخ الاقتصاد العالمي، والتأكيد على ما سبقت الإشارة إليه فيما يختص بالوضع المحلي، من توافر خيارات أكبر وأوسع مقارنة بغيره من الاقتصادات حول العالم، وأن من أهم الخيارات الراهنة لدينا التركيز بدرجة أكبر على الأجزاء غير المنتجة من الاقتصاد الوطني، عبر مزيد من تفعيل الأدوات المعنية بها للحد من تدفق الأموال والثروات إليها، ودفعها للاتجاه نحو الاستثمار والإنفاق لمصلحة الأجزاء المنتجة من الاقتصاد الوطني، وستحفز النمو وزيادة الوظائف. ويتركز الحديث هنا على أكبر مخزنات القيمة المتمثلة في الأراضي البيضاء، التي عادت مجددا خلال العامين الأخيرين إلى اجتذاب أحجام أكبر من الثروات والأموال، نتج عنها مزيد من تضخم أسعار الأراضي والعقارات، ومزيد من المضاربات عليها بصورة فاقت حتى ما كانت عليه قبل أكثر من خمسة أعوام مضت، ودفعت بدورها إلى ارتفاع مستويات الأسعار والتضخم، وقلصت في الوقت ذاته من فرص النمو الاقتصادي عموما، ونمو القطاع الخاص وقدرته على المساهمة في زيادة فرص العمل، عدا ما تسببت فيه من خروج أعداد من المنشآت من السوق وتوقف نشاطاتها، وهو ما أكدته مؤشرات أداء القطاع بانخفاض نموه الحقيقي بنسبة 3.1 في المائة بنهاية العام الماضي، وارتفاع معدل البطالة بين المواطنين إلى 14.9 في المائة بنهاية الربع الثالث من 2020.

الأمر هنا مرهون بالدرجة الأولى بالفعالية المأمولة من الرسوم على الأراضي البيضاء، التي سيؤدي توسيعها على مختلف المدن والمحافظات، والتقدم بتطبيق بقية مراحلها بصورة أسرع من الوضع الراهن، إلى تصحيح اتجاهات الأموال والثروات داخل نشاطات الاقتصاد، لتتجه بدرجة أكبر نحو الاستثمار والإنتاج على حساب التخفيف كثيرا من حدة الاكتناز والمضاربات، وما سينتج عنه ذلك من زيادة دعم النمو الاقتصادي والتوظيف، على عكس ما تقوم به الآن من دعم مضر للتضخم وتقليص فرص النمو الاقتصادي والتوظيف، إضافة إلى الحد من الزيادة المفرطة في نمو القروض على كاهل الأطراف كافة (حكومة، قطاع خاص، أسر) للحاق بوتيرة تسارع معدل التضخم عموما، والتضخم الأكبر في أسعار الأراضي والعقارات، وهي الصورة التي أصبح لزاما عكسها، والعمل على مسار آخر يستهدف التسريع بتعافي الاقتصاد الوطني واستعادة نموه المستدام، وإيقاف تنامي الأسعار وتضخمها مقابل تباطؤ النمو وزيادة الوظائف بما يلبي احتياجات الاقتصاد الوطني والمجتمع.

 

نقلا عن الاقتصادية