السعودية والسندات ذات العوائد السلبية

01/03/2021 0
د. عبدالله الردادي

أصدرت السعودية الأسبوع الماضي سندات بقيمة 1.5 مليار يورو، في ثاني طرح للسندات هذا العام بعد إصدارها سندات بقيمة 5 مليارات دولار في يناير (كانون الثاني). وتستخدم السعودية أدوات الدين العام لسد العجز الذي سببته الجائحة بانخفاض الطلب على النفط دون استنزاف احتياطياتها. وهذه هي المرة الثانية التي تصدر فيها المملكة سندات باليورو، بعد أن أصدرت سندات أوروبية عام 2019 موسعة نطاق أدوات الدين فيها خارج منظومة الدولار. والمختلف هذه المرة أن المملكة أصدرت سندات ذات عائد سلبي، أي أن المملكة سوف تسدد أقل من المبالغ التي تحصلت عليها من المشترين لسنداتها. وقد يبدو الأمر هنا مستغربا، فما الذي يدعو المستثمرين إلى شراء سندات بعائد سلبي في وقت تقوم فيه القروض والسندات على العائد الإيجابي الذي يحقق ربحا للمقرضين؟

زادت في السنوات الأخيرة السندات ذات العائد السلبي، وخاصةً في اليابان وأوروبا التي بدأت فيها هذه السندات منذ عام 2014، وفيما يبدو الأمر بعيدا عن المنطق، في أن يدفع المقترض أقل من المبلغ الذي اقترضه، إلا أن العديد من الحيثيات جعلت هذا الأمر في غاية المنطقية لدرجة أن قيمة السندات ذات العوائد السلبية المصدرة عالميا فاقت 15 تريليون دولار. ويبدأ الأمر من البنوك المركزية التي تتحكم في سعر الفائدة بحسب السياسات الاقتصادية للدول. فحين تلاحظ البنوك المركزية زيادة المدخرات الشخصية، أو ارتفاع معدل السيولة الراكدة لدى البنوك التجارية، تخفض سعر الفائدة لتنشيط القروض البنكية التي تشجع على زيادة الإنفاق سواء على المستوى الشخصي أو على نطاق توسع الأعمال التجارية. ولذلك فعند انخفاض سعر الفائدة على الأموال المودعة، تبدو الأعمال التجارية - حتى مع انخفاض هوامش الربح فيها - أكثر ربحية من الفوائد المحققة من الودائع. وقد ينخفض سعر الفائدة في بعض الأحيان إلى مستويات أقل من الصفر، وخاصةً عند حالات الركود الاقتصادي، وهو ما يعني أن البنوك التجارية والمؤسسات الاستثمارية قد تدفع مقابل بقاء السيولة الراكدة، وتحث الحكومات بهذا الإجراء البنوك التجارية على إعطاء القروض التجارية وبالتالي زيادة الإنفاق المحلي وتنشيط الاقتصاد الوطني.

وفي حال انخفض سعر الفائدة تحت الصفر، فإن المستثمرين والبنوك التجارية يبحثون عن بدائل استثمارية ذات عوائد إيجابية، أو عوائد ذات خسارة أقل من سعر الفائدة. وتبدو السندات في هذه الحالة هي الخيار الأنسب لهم لعدد من الأسباب، أحدها أن السندات ما زالت تعد أحد أكثر الاستثمارات أمانا، والآخر أن السندات أحد أسرع الاستثمارات الممكن تسييلها في حال الحاجة إلى سيولة، وذلك من خلال بيعها في أسواق السندات الثانوية، وقد يكون البيع بربح بحسب الوضع الاقتصادي.

ولذلك كان من المنطقي إقبال المستثمرين الأوروبيين على السندات التي أصدرتها الحكومة السعودية حتى وإن كانت ذات عائد سلبي. بل إن الطلب على هذه السندات زاد على ضعفي السندات المطروحة، وهو دلالة على رغبة المستثمرين في شراء السندات السعودية تحديدا. ويكشف ذلك عن نظرة إيجابية للاقتصاد السعودي في المستقبل، لا سيما مع الدور السعودي الحالي في السيطرة على أسعار النفط وموازنة سوق النفط العالمي في فترة الجائحة. وقد توقع بنك (إتش إس بي سي) نموا في الناتج المحلي السعودي لعام 2021 بنسبة تصل إلى 4 في المائة. وانضمت المملكة بإصدارها سندات سالبة العوائد إلى عدد من الدول مثل فرنسا وألمانيا واليابان وهولندا والصين، بيد أن هذا الإصدار يعد الأكبر من دول خارج الاتحاد الأوروبي.

وأشادت (وول ستريت جورنال) بهذا الإصدار الذي يعد تاريخيا للمملكة أمام السوق الأوروبية الجديدة عليها والذي حقق هدفين رئيسين للمملكة، أولها إصدار سندات بقيمة منخفضة جدا، والثاني تنويع شركائها الاستثماريين. في المقابل فقد عبرت وكالة (رويترز) عن هذا الإصدار بكونه «عاديا» وذلك على لسان أحد المقربين من هذا الإصدار دون ذكر اسمه. ولم تدع الجهات الحكومية السعودية أن هذا الإصدار كان استثنائيا على مستوى العالم، بل وصف هذا الإصدار بأنه تاريخي للمملكة، وهو كذلك كونه أول إصدار لها بعائد سلبي. واستغربت وكالة (رويترز) من مصدر مقرب - دون ذكر اسمه كذلك - عدد المستثمرين المقبلين على هذا الإصدار الذي رأته باهظ الثمن للمستثمرين. ويؤخذ على وكالة رويترز ضعف الموضوعية في خبرها الذي بثته باللغتين العربية والإنجليزية بهذا الشأن.

ومن الناحية الرياضية البحتة، فإن إصدار هذه السندات خيار ممتاز للمملكة وخاصةً في هذا التوقيت، فالمملكة سوف تدفع أقل مما تأخذ، خاصةً مع كون سياسة استخدام أدوات الدين سياسة معلنة من المملكة، أي أن المملكة لم تغير شيئا في سياساتها المالية. أما عن كون السعر باهظا للمستثمرين، فإن السوق هو الحكم، ولو كان السعر كذلك لما أقبل المستثمرون على هذه السندات، ولما زاد طلبهم عن السندات المصدرة، ولا يمكن للسوق أن يكون متحيزا في هذه الحالة، بعكس بعض الوكالات العالمية.

 

نقلا عن الشرق الأوسط