بعد عام غير متوقع وعصيب، من المقرر أن يكون الاستقرار والاستدامة الموضوعين الرئيسين في صناعة النفط والغاز هذا العام. ستستمر الشركات في هذا القطاع في إعطاء الأولوية للمرونة المالية لتعزيز الاستثمارات في المشاريع الاستخراجية - المنبع -، حيث سيظل الطلب العالمي على النفط، رغم ارتفاعه مقارنة بعام 2020، دون مستويات ما قبل الأزمة. إضافة إلى ذلك، فإن مزيدا ومزيدا من شركات النفط والغاز ستدرج الاستدامة وتحول الطاقة والاعتبارات البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات Environmental, Social, and Corporate Governance في خططها الاستراتيجية والاستثمارية. حيث إن بعد عام عصيب كان الوباء عنوانه الرئيس، ستركز الشركات استثماراتها على بناء أساس يكون مستداما عبر مجموعة من السيناريوهات.
من المتوقع أن يتسارع التنويع في مصادر الطاقة الخضراء، بما في ذلك توليد الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة، الهيدروجين واحتجاز الكربون، حيث سيبدأ عدد متزايد من شركات النفط والغاز في الحديث عن إزالة الكربون وأهداف الانبعاثات الصفرية. بالتأكيد، ستستمر مشاريع المنبع في كونها الأعمال الأساسية لشركات النفط الكبرى على الأقل لبضعة أعوام أخرى، حيث ستستمر في كونها المصدر الرئيس للإيرادات، كما قالت شركة بريتيش بتروليوم أخيرا، رغم أنها تخطط لخفض إنتاجها من النفط والغاز بمعدل 40 في المائة خلال عقد من الزمن.
في هذا الجانب، يقول المحللون: إن إعادة تشكيل المحافظ الاستثمارية والتأني في اتخاذ قرارات الاستثمار بعد الصدمة الكبرى الثالثة للصناعة خلال عقد ونيف من الزمن، سيؤدي إلى استمرار نقص الاستثمار في مشاريع النفط والغاز. قد يؤدي انخفاض الاستثمار في مشاريع المنبع، إذا لم يتم عكسه في الأعوام القليلة المقبلة، إلى فجوة في العرض في وقت لاحق من هذا العقد، بغض النظر عن موعد ذروة الطلب على النفط. حيث سيحتاج العالم إلى كميات كبيرة من النفط حتى عندما يتوقف النمو في استهلاك النفط العالمي.
في هذا الجانب، حذرت شركة توتال الفرنسية من أن العالم قد يجد نفسه يعاني نقصا في الإمدادات يبلغ نحو عشرة ملايين برميل يوميا من الآن حتى عام 2025، بسبب استمرار نقص الاستثمار في الصناعة، والتصدعات في صناعة النفط الصخري الأمريكي.
بعد صدمة عام 2020، سيكون معظم شركات النفط والغاز حذرة للغاية بشأن الإنفاق الرأسمالي هذا العام، ومن المقرر أن يظل الاستثمار في مشاريع المنبع ثابتا، رغم توقع ارتفاع أسعار النفط عن العام الماضي. ووفق "وود ماكينزي"، ستستثمر الصناعة نحو 300 مليار دولار في استخراج النفط والغاز هذا العام، وهو ثابت مقارنة بعام 2020، وقريبا من أدنى مستوى له في 15 عاما. إن انخفاض الأسعار يعني تخفيضات سريعة، بينما في الأسعار المرتفعة، ستتفوق الحيطة والحذر على الحماس من الاستفادة من تراجع تكاليف قطاع الخدمات.
في عام 2021، من المتوقع أن تتخذ قرارات استثمار نهائية FIDs لنحو 20 مشروعا للنفط والغاز، ارتفاعا من عشرة فقط في عام 2020، لكن هذا الرقم يمثل نصف قرارات الاستثمار النهائية التي كانت تتخذها الصناعة كل عام قبل الوباء. علاوة على ذلك، سيتم الحكم على المشاريع بشكل متزايد من خلال الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة ESG. بالنسبة لعديد من الشركات، سيكون لتخفيض الديون الأسبقية على تعزيز الاستثمار، في حين أن عديدا من الشركات الأخرى ستعمل على تحسين محافظها في مشاريع المنبع لتوفير النقد بشكل أسرع. في هذا الجانب، قالت شركة وود ماكينزي في توقعاتها لعام 2021، أنها تتوقع أن تستحوذ المشاريع قصيرة الأجل على الجزء الأكبر من التخصيصات الاستثمارية، في حين ستواجه مشاريع الاستكشاف وطويلة الأجل صعوبة في المنافسة على رأس المال.
في العام الماضي، دفع الانهيار في أسعار النفط والنظر فيما يمكن أن يعنيه انخفاض الطلب على النفط للصناعة عديدا من شركات النفط الأوروبية الكبرى إلى الكشف عن استراتيجيات لانبعاثات صافية صفرية في غضون ثلاثة عقود. بدلا من التوقف، سرع الوباء الجهود نحو مزيج طاقة منخفض الكربون، مدعوما أيضا بالضغط المتزايد من المستثمرين، المجتمع وعديد من الحكومات التي تعهدت بخفض الانبعاثات مع التركيز على الطاقة النظيفة. في هذا الجانب، يقول المحللون: إن صناعة النفط والغاز ستعمل على زيادة الاستثمارات في الطاقة الخضراء هذا العام. حيث قال ثلثا، أو 66 في المائة، من كبار المختصين في مجال النفط والغاز في أحد استطلاعات الرأي الذي شمل أكثر من ألف من كبار المختصين والمديرين التنفيذيين في الصناعة، إن مؤسستهم كانت تعمل بنشاط للتكيف مع مزيج طاقة أقل كثافة للكربون عام 2021، ارتفاعا من 44 في المائة عام 2018. نحو 57 في المائة منهم يخططون لزيادة الاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة هذا العام، ارتفاعا من 44 في المائة عام 2020. للمقارنة، أفاد خمس المستطلعين، أو 21 في المائة، أن شركاتهم ستعزز الاستثمارات في المشاريع النفطية هذا العام. بالفعل، لقد تحول موضوع إزالة الكربون من شيء ما في الأفق إلى أولوية فورية للشركات، وهناك دلائل على أن قطاع النفط والغاز قد يستثمر في هذه التحولات بدلا من التركيز على شق طريقه للخروج من الأزمة الحالية.
لكن التركيز المتزايد للصناعة على حلول الطاقة منخفضة الكربون يمكن أن يترك أسواق النفط عرضة لعجز في العرض في غضون أعوام قليلة. تمتلك مجموعة "أوبك +" حاليا قدرا كبيرا من الطاقات الإنتاجية الاحتياطية التي يمكن أن تضخ إلى الأسواق عندما يتعافى الطلب. لكن ستكون هناك حاجة إلى استثمارات مستدامة في النفط والغاز لتلبية الاستهلاك العالمي من النفط، الذي سيظل العالم في حاجة إليه، في حالة ذروة الطلب أم لا.
قد يسير العالم نحو أزمة في العرض، وإن كان ذلك بعد عام 2021. إن انتعاش الطلب على النفط مرة أخرى إلى أكثر من 100 مليون برميل في اليوم بحلول أواخر عام 2022، يزيد من خطر حدوث فجوة في العرض في وقت لاحق من هذا العقد، ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار. في خضم هذه التحولات التي يشهدها العالم على الصناعة ألا تنسى دورها الريادي في توفير إمدادات كافية من النفط والغاز للأسواق وأن تتخذ قرارات الاستثمار والتدابير المناسبة لضمان ذلك.
نقلا عن الاقتصادية