المكاسب للجميع .. المقر الإقليمي «المحلي» للشركات الأجنبية

18/02/2021 3
عبد الحميد العمري

تلقى الاقتصاد المحلي بإيجابية عالية جدا، خبر التصريح بأن حكومة السعودية تعتزم إيقاف التعاقد مع أي شركة أو مؤسسة تجارية أجنبية لها مقر إقليمي في المنطقة خارج المملكة، وذلك ابتداء من الأول من كانون الثاني (يناير) 2024، ويشمل ذلك الهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أي من أجهزتها، وحسبما حمله ذلك التصريح المهم من حيثيات أساسية، وقفت خلف اتخاذ مثل هذا القرار الحيوي للاقتصاد الوطني، أنه لتطويع أعمال الشركات والمؤسسات الأجنبية التي لها تعاملات مع حكومة المملكة والهيئات والمؤسسات والصناديق التابعة للحكومة أو أي من أجهزتها، وسعيا نحو توفير الوظائف، والحد من التسرب الاقتصادي، ورفع كفاءة الإنفاق، وضمان أن المنتجات والخدمات الرئيسة التي يتم شراؤها من قبل الأجهزة الحكومية المختلفة، يتم تنفيذها على أرض المملكة بالاعتماد على محتوى محلي مناسب. وحسبما ورد في التصريح أعلاه من تأكيد، فلن يؤثر ذلك في قدرة أي مستثمر على الدخول في الاقتصاد السعودي، أو الاستمرار في التعامل مع القطاع الخاص، وسيتم إصدار الضوابط المتعلقة بذلك خلال العام الجاري.

سيمثل هذا القرار واحدة من أهم نقاط التحول في التاريخ المعاصر للاقتصاد الوطني، الذي طالما وقف التأخر عن اتخاذه طوال عقود زمنية مضت كثيرا من التحديات والمعوقات، وحرم الاقتصاد الوطني من عوائده الكثيرة، وقد تجد أنه ترتب على عدم تجاوز معضلته، ومعالجة مسبباته غير المقبول استمرارها اليوم، أؤكد أنها حملت مع وجودها طوال العقود الزمنية الماضية، كثيرا من التكاليف المالية الباهظة اقتصاديا واجتماعيا، عدا بقية آثارها السلبية في عديد من الجوانب الإدارية والتنظيمية والهيكلية بصورة عامة.

يتلخص أبرز ما سيجنيه الاقتصاد الوطني على خلفية هذا التوجه الوطني المشروع، في أنه سيسهم في استقطاب مزيد من الشركات والاستثمارات العالمية إلى داخل الاقتصاد الوطني، والمتوقع أن ترتفع قيمتها إلى أعلى من الحدود التي وصلت إليها حتى نهاية الربع الثالث من العام الماضي، التي بلغت نحو 900 مليار ريال. وهذا بدوره سيسهم في توفير عشرات الآلاف من الوظائف المجدية أمام الموارد البشرية الوطنية ذكورا وإناثا، ويساعد على خفض معدل البطالة، وارتباط كل ذلك بمساهمته تجاه تحسين مستويات دخل الأفراد. أيضا من أهم ما سيؤدي إليه هذا التوجه المهم بالمقاييس كافة، أنه سيسهم في زيادة نسبة المحتوى المحلي، وزيادة مردوده على القطاع الإنتاجي المحلي، بما يعزز من النمو الاقتصادي المستهدف. كما سيسهم بصورة مباشرة في تسريع خطى نقل الخبرة والمعرفة والمهارات العملية اللازمة لدى الموارد البشرية الوطنية الشابة، ويكسبهم كثيرا من الخبرات والتجارب العالمية محليا. ومن العوائد المرتقب ترجمتها على أرض الواقع - بمشيئة الله تعالى -، أنه سيسهم في تحقق مستويات ملموسة من التنمية المستهدفة لمصلحة القطاعات الاقتصادية الواعدة والناشئة محليا، ويعزز قدرة الاقتصاد الوطني على زيادته لقيمه المضافة بصورة أسرع وأكبر.

أيضا سيسهم هذا التوجه الاستراتيجي المشروع - بمشيئة الله تعالى - في الحد من حجم التسرب الاقتصادي والمالي إلى خارج الحدود من عديد من الجوانب، والمحافظة على الموارد المالية محليا بصورة أكبر مما كانت عليه قبل اتخاذ هذا القرار التنموي المهم. أيضا سيسهم العمل بهذا القرار في خفض التكلفة المالية اللازمة لأجل عقد وإتمام التعاقد مع تلك الشركات الأجنبية، ويرفع بدوره كفاءة الإنفاق الحكومي بصورة ملموسة، خاصة إذا ما نظرنا إلى الحجم الكبير جدا للإنفاق الحكومي الجاري والتشغيلي عموما، والتكاليف المالية العالية التي عادة ما يتطلبها تنفيذ مثل تلك العقود خصوصا.

ولن تقف العوائد عند حدود اقتصادنا الوطني فحسب، بل إنها ستمتد أيضا إلى الشركات العالمية المقبلة إلى اقتصادنا، التي ستتمتع باستفادتها من متانة وضخامة اقتصادنا الوطني على المستويين الإقليمي والدولي، وسيفتح أمامها نوافذ واسعة جديدة محليا وخارجيا. إضافة إلى أن وجودها داخل اقتصادنا الوطني، سيمكنها من فهم وتلبية حاجات السوق المحلية بصورة أكبر، ويعود عليها بعوائد أكبر مما كانت تحظى به وفق أوضاعها السابقة، ويساعدها بصورة أكبر على توسعة وتنويع استثماراتها، وزيادة فرصها في تحقيق معدلات ربحية أكبر وأكثر استدامة. أيضا سيتحقق لها الكثير من سهولة إجراءات عملها وممارستها نشاطها داخل الاقتصاد، والحصول على مزايا كثيرة لم تكن لتتوافر لها سابقا، خاصة بعد قفزات الإصلاح والتطوير التي تم إحداثها على مستوى بيئة الأعمال المحلية، وما زالت تحظى بمزيد من الاهتمام الكبير ما يؤهلها للوصول إلى مزيد من التطور والتقدم المتسارع الخطى، إضافة إلى توفيرها عامل سرعة اتخاذ القرارات بالنسبة لتلك الشركات والمؤسسات الأجنبية. كما أن هذا التوجه سينعكس إيجابيا على خفض تكاليف التعاقد مع الشركات الأجنبية من جانب الجهات الحكومية وشبه الحكومية، فإنه أيضا سيسهم في خفض إجمالي تكاليف التشغيل على تلك الشركات من جانب آخر بصورة ملموسة، ويسهم أيضا في تحسن معدلات الربحية بالنسبة لها.

وكما أن القرار المرتقب العمل به بعد أقل من ثلاثة أعوام قد اتسم بمرونة عالية وكافية من قبل الحكومة السعودية، فإن الشركات الأجنبية من جانبها ولما يمثله الاقتصاد السعودي لها من أهمية قصوى على المستوى الإقليمي، فلا شك أنها لن تنتظر طويلا طوال تلك الفترة حتى تكيف أوضاعها معها، وقياسا على ما أصبح تتمتع به بيئة الأعمال المحلية من تطور ملموس قطعته خلال الأعوام القليلة الماضية، وستبدأ مبكرا في العمل به قبل حلول تاريخ نهاية المهلة الزمنية الممنوحة، وهو ما حدث خلال الشهر الماضي، حينما أعلنت 24 شركة أجنبية عزمها نقل مقارها الإقليمية إلى مدينة الرياض حتى قبل هذا الإعلان رسميا عن هذا التوجه الوطني الرائع والمهم.

 

نقلا عن الاقتصادية