تأكيدا على أهمية الحديث عن جهود الحد من التسرب الاقتصادي لحوالات العمالة الوافدة، التي أظهر أحدث بياناتها المنشورة حتى نهاية العام الماضي، ارتفاعا في مستوياتها بنسبة 19.3 في المائة ووصولها إلى 149.7 مليار ريال، وأن الحلول المأمول تنفيذها على أرض الواقع يجب أن تبدأ أولا من الحد من وتيرة استقدام العمالة الوافدة، لا أن تبدأ من نهاية الطريق بحثا عما لا يمكن بلوغه بخفض الحوالات دون خفض أعداد العمالة الوافدة في سوق العمل المحلية، وأن الخيار الأول والأبقى بتخفيف الاعتماد على العمالة الوافدة، والحد من استقدامها بصورة جادة وملزمة، وتحويل القدر الأكبر من فرص العمل الراهنة أو التي سيتم توفيرها وإيجادها إلى الموارد البشرية الوطنية، سيكون من عوائده على الاقتصاد الوطني والمجتمع على حد سواء، أنه سيسهم في زيادة معدلات التوطين، وخفض معدل البطالة، وتحسين مستويات دخل الأفراد، والإبقاء على الموارد المالية المتحققة من النشاط الاقتصادي داخل الاقتصاد، وهذه العوائد الاقتصادية والاجتماعية الأبرز فقط، إذ إن دائرة المكاسب المحتملة من تلك السياسات المأمولة أوسع من ذلك بكثير، ويمكن اقتناصها وتوظيفها في اتجاه تعزيز الاستقرار الاقتصادي محليا، وتضمن تحقق معدلات نمو مستدامة، وتنمية شاملة بمشيئة الله تعالى.
وكما أن حلول وجهود الحد من التسرب الاقتصادي تبدأ أولا من الحد من وتيرة الاستقدام من خارج الحدود، وتحويل فرص العمل الراهنة والناشئة الجديدة لمصلحة الموارد البشرية الوطنية - توطين فرص العمل -، فإن لتوطين فرص العمل ونجاح جهوده وبرامجه له أيضا نقطة بداية لا بد من اختيارها كنقطة انطلاق، تبدأ من رأس هرم مئات الآلاف من فرص العمل المتوافرة في سوق العمل المحلية، المتمثلة في الوظائف القيادية والتنفيذية، ثم الوظائف المتوسطة الأدنى منها، وصولا إلى ما دون تلك المستويات في مراحل زمنية لاحقة، ولعل هذا المشروع التنموي المهم الذي بدأت مناقشته في مجلس الشورى مع وزارة الموارد البشرية، وتحوله إلى واقع قريب - بإذن الله تعالى -، هو الترجمة الفعلية لما يجري الحديث حوله خلال الفترة الراهنة، وهو العنوان الأبرز لنافذة المستقبل المنشودة لزيادة معدل التوطين في سوق العمل المحلية، وتحقيق كثير من المكاسب المنشودة اقتصاديا واجتماعيا، في مقدمتها استدامة النمو الاقتصادي محليا.
يجب ألا ننسى أن الاعتماد على مساهمة اليد العاملة من خارج الحدود، حينما بدأ قبل أكثر من أربعة عقود زمنية، أنه كان مخططا له لمرحلة زمنية محدودة تزامنت مع بداية خطط التنمية، في وقت كانت الموارد البشرية الوطنية أقل من حيث العدد والكفاءة والتعليم والتدريب والتأهيل، وهو ما أصبح خلال الفترة الراهنة معدوما وجوده تماما، فقد أصبحت الموارد البشرية الوطنية أكثر عددا وتعليما وتأهيلا وكفاءة، وشواهد ذلك أكبر من أن يتم حصرها في مجرد مقال كهذا المقال، ويكفي الاستشهاد في هذا المقام بما يزخر به القطاعان المصرفي والبتروكيماوي من كفاءات بشرية وطنية، وهما القطاعان الأهم والأكبر في الاقتصاد الوطني. لقد حان منذ أكثر من عقد زمني مضى العمل على عكس تلك الوتيرة المؤقتة من الاعتماد الأكبر على اليد العاملة من خارج الحدود، والمبادرة بالاعتماد بنسبة أكبر على اليد العاملة المواطنة، وتسخير الجهود والموارد كافة لأجل تحقيق هذا الهدف التنموي العملاق، ومهما واجهتنا من عقبات وتحديات بالتأكيد في الأجلين القصير والمتوسط على طريق تحقيق ذلك الهدف، فلا يجب الوقوف عندها والاستسلام أمامها، بل لا بد من تجاوزها مهما كلف الثمن، وصولا إلى مكاسب استراتيجية أكبر بكثير في الأجل الطويل على المستويات كافة، وأن يرسخ الجميع في أذهانهم أن طريقا كهذا الطريق الشاق إلى القمة والفوز بها، لا ولن يكون طريقا ممهدا وخاليا من التحديات الجسيمة بأي حال من الأحوال، وأن المكاسب العملاقة المستهدفة في نهايته، تظل هي الوقود ومصدر الطاقة لبلوغ تلك الغاية العليا مهما كانت التحديات.
إن وجه الشبه كبير جدا بين الجهود العملاقة للتخلص من الاعتماد المفرط على النفط كمصدر أول وأكبر للدخل وللنمو الاقتصادي من جانب، ومن جانب آخر الاعتماد المفرط على اليد العاملة الوافدة، وحينما تؤكد المؤشرات الاقتصادية أننا قطعنا شوطا مهما على طريق التخلص من الاعتماد المفرط على النفط خلال الأعوام القليلة الماضية، ورغم كثير من الصعوبات التي واجهها الاقتصاد الوطني في بداية الطريق، سرعان ما بدأت بالتراجع تدريجيا حتى تاريخه، إلا أن الأهم قد تحقق، وكان هذا التقدم المتحقق على هذا الطريق من أول وأهم ما دعم استقرار المالية العامة والاقتصاد الوطني، في وجه تداعيات الأزمة العالمية الأخيرة الناتجة عن تفشي كوفيد - 19، وللجميع أن يتصور ماذا كان سيحدث للاقتصاد الوطني حينما انحدرت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها خلال النصف الأول من العام الماضي، لو أنه لم يكن قد قطع شوطا من النجاح على طريق تخفيف الاعتماد المفرط على النفط.
وهذا بالضبط ما ينطبق على طريق التخلص من الاعتماد المفرط على اليد العاملة الوافدة، فلا بد أن ترتفع جهود التوطين إلى أعلى مستوياتها من الجدية والحزم، وأن تقتدي بالجهود والسياسات التي اتخذها في الطريق الأول الخاص بالنفط، وهما الطريقان اللذان يلتقيان عند الأهداف التنموية العملاقة ذاتها، فالبديل الاستراتيجي الذي تم اختياره عوضا عن النفط كان الاقتصاد الوطني القائم على التنوع في قاعدته الإنتاجية، وهنا يجب أن يكون البديل الاستراتيجي للعمالة التي ستقوم بتشغيل هذا الاقتصاد الطموح، متمثلا في اليد العاملة الوطنية، وهذا بكل تأكيد ما يمثل جوهر الأهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة 2030.
نقلا عن الاقتصادية
لماذا لم نوطن الوظائف المهنية والحرفية حتى الآن رغم وجود معاهد التدريب المهنى لدينا منذ أكثر من 60 عام !؟ هل تتفضل مشكورا بالتعليق على ذلك فى مقال جرىء !!!!؟