التسرب الاقتصادي لحوالات العمالة الوافدة

08/02/2021 5
عبد الحميد العمري

سجلت الحوالات المالية للعمالة الوافدة لخارج الاقتصاد الوطني بنهاية 2020، نموها السنوي الأول منذ 2016 بنسبة 19.3 في المائة، واستقرت بنهاية العام الماضي عند نحو 149.7 مليار ريال، مقارنة بنحو 125.5 مليار ريال كانت قد وصلت إليها بنهاية 2019. وحدث ذلك الارتفاع في حجم الحوالات للخارج رغم الانخفاض السنوي لإجمالي العمالة الوافدة في سوق العمل المحلية خلال العام نفسه بنسبة 2.3 في المائة، وهو الانخفاض السنوي للعام الخامس على التوالي لعدد العمالة الوافدة، الذي وصل إجمالي نسبة انخفاضها خلال الفترة 2015 - 2020 إلى 28.8 في المائة.

ووفقا لارتفاع الحوالات المالية للعمالة الوافدة للخارج المسجل أخيرا خلال العام الماضي، فقد ارتفعت نسبتها إلى الناتج المحلي الإجمالي من 4.2 في المائة خلال 2019، إلى 6.0 في المائة خلال العام الماضي، وأيضا ارتفعت بالطبع نسبتها إلى الناتج المحلي غير النفطي من 6.2 في المائة، إلى 7.6 في المائة خلال العام الماضي. وفي اتجاه آخر لاستيعاب وفهم هذا الارتفاع لحجم حوالات العمالة الوافدة للخارج، فقد سجلت نسبة تلك الحوالات المالية إلى إجمالي الأجور السنوية المدفوعة للعمالة الوافدة ارتفاعا إلى 72.9 في المائة بنهاية العام الماضي، مقارنة بنسبة 63.2 في المائة خلال 2019، كما سجل متوسط تحويل العامل الوافد الواحد خلال العام الواحد ارتفاعا سنويا بلغت نسبته 22.0 في المائة، مستقرا عند متوسط سنوي للتحويل يبلغ 23.5 ألف ريال سنويا، مقارنة بمتوسط تحويل سنوي عن 2019 بلغ 19.2 ألف ريال.

يتجدد الحديث تكرارا حول هذه الحوالات للخارج من قبل العمالة الوافدة في سوق العمل المحلية، ويتعدد بصورة كبيرة جدا بالتزامن مع ذلك الحديث المتكرر كثير من الحلول والمقترحات، التي تستهدف محاولة الحد من تنامي تلك الحوالات عاما بعد عام، إلا أن أكثر الحلول غرابة أو غير موفقة، تلك التي صوبت رأيها نحو اقتراح فرض رسوم أو ضرائب على العمالة الوافدة، حال قيامها بتحويل جزء من دخلها المتحقق إلى عائلاتها أو دولها التي تنتمي إليها، متناسية أن لهذا آثارا عكسية بالغة الضرر على الاقتصاد الوطني، الذي كان من أحد عوامل الثقة به هو ضمانه حرية انتقال الأموال، ولما يتمتع به اقتصادنا من متانة وقوة وضعته ضمن أكبر 20 اقتصادا حول العالم، هذا عدا أن تلك الحوالات إلى خارج الحدود كانت قد تمت من خلال منظومة متكاملة من التشريعات والأنظمة المعمول بها محليا، وتتوافق تماما مع الأنظمة والاتفاقيات الدولية، وأنه يحق للعامل الوافد أن يتصرف في دخله المتحقق له من عمله في سوق العمل المحلية وفق الأنظمة المطبقة محليا.

إن التناول السليم لبحث كيفية تقليص حجم تلك الحوالات إلى الخارج، يبدأ من زيادة توظيف الموارد البشرية المواطنة في فرص العمل المحلية، وتقليص الاعتماد على العمالة الوافدة، بمعنى أن الحلول الحقيقية تبدأ قبل استقدام العمالة من خارج الحدود، لا بعد أن تصبح على رأس العمل محليا، وهذا ما يتطلب العمل على إنجازه من خلال رفع كفاءة برامج التوطين، والإسراع بتنفيذها، وتوسيع دائرتها لتشمل الوظائف العليا والتنفيذية والمتوسطة، والتركيز عليها بدرجة أكبر خلال الفترة الراهنة، وهو ما تؤكده تطورات تلك الحوالات مقارنة بتطورات أعداد العمالة الوافدة، التي أظهرت أنه رغم انخفاض عدد العمالة الوافدة خلال الفترة 2015 - 2020 بنسبة قياسية وصلت إلى 28.8 في المائة، إلا أن نسبة انخفاض حجم الحوالات للخارج خلال الفترة نفسها لم تتجاوز 4.6 في المائة، ما يشير بوضوح إلى أن انخفاض أعداد العمالة الوافدة خلال الفترة قد تركز على العمالة الأقل مهارة وأجورا شهرية، وهو ما سبقت الإشارة إليه والحديث عنه تكرارا طوال الأعوام الماضية، وكما أن هذا التركز في انخفاض العمالة الوافدة على الأقل مهارة وأجورا - بلغ انخفاضها خلال الفترة 2.2 مليون عامل وافد - لم يسهم في خفض حجم الحوالات المالية للخارج، فهو أيضا لم يسهم في إحلال وتوطين الوظائف في القطاع الخاص، وهو الأمر المفهومة أسبابه لدى الجميع، التي يأتي في مقدمتها عدم مناسبة تلك الوظائف التي تركتها تلك العمالة الوافدة للباحثين عن عمل الموارد البشرية الوطنية، وأنها في الأصل ليست في مرمى الطلب بالنسبة للموارد البشرية الوطنية، نظرا لتدني مؤهلاتها اللازمة وأجورها الشهرية، في الوقت ذاته الذي تتمتع الموارد البشرية الوطنية بمؤهلات علمية أعلى (94 في المائة منهم يحملون الشهادة الثانوية فأعلى).

في مواجهة هذه المتغيرات القائمة على أرض الواقع، تتأكد أهمية ما سبقت الإشارة إليه بضرورة العمل على توطين الوظائف في المستويات العليا والتنفيذية، وهو المشروع الوطني الذي تبنى مجلس الشورى المطالبة به قبل أقل من ستة أشهر مضت، ويؤمل أن يرى النور قريبا، وأن يترجم تنفيذه على أرض الواقع في أقرب موعد، الذي ستتجاوز مساهمته فعليا بحال تحققه بمشيئة الله تعالى حدود زيادة معدل التوطين، إلى المساهمة في الحد من ارتفاع حجم الحوالات المالية إلى خارج الحدود، وهما الأمران اللذان بتحققهما سيسهمان بكل تأكيد في تحسين مستويات الدخل، ويحافظان على الموارد المالية من التسرب إلى الخارج، وهو الإنجاز الفعلي الذي يستحق الاهتمام من قبل الأجهزة الحكومية ذات العلاقة، ونقطة الانطلاق الصحيحة لحلول خفض حجم الحوالات المالية إلى الخارج، التي تكفل بصورة أكبر تتجاوز مجرد خفض حجم تلك الحوالات، إلى تحقيق كثير من الأهداف التنموية العملاقة، وتعزز بدورها من الاستقرار المالي والاقتصادي والاجتماعي.

 

نقلا عن الاقتصادية