تماشيا مع المنهج الديمقراطي الاقتصادي، الذي غالبا يركز على الخدمات الاجتماعية وتقليص الفروقات بين طبقات المجتمع، بدأ الرئيس جوزيف بايدن فترته الرئاسية بإعلان عزمه تقديم حزمة دعم مالية ضخمة، تقارب تريليوني دولار، ستكون عبارة عن دعم مباشر للأسر وتقديم قروض للمؤسسات الصغيرة، مع احتمال إلغاء عشرة آلاف دولار من المبالغ التي تم إقراضها للطلاب في الأعوام الماضية.
هل يستطيع الرئيس بايدن تمرير هذه الحزمة؟
الديمقراطيون عموما، يؤمنون بالنظرية الكينزية، التي ترى أن على الحكومة لعب دور كبير في دعم الاقتصاد، وذلك بالتدخل المباشر لتوجيه دفة الاقتصاد عند الحاجة. لذا، ليس مستغربا أن يبادر الرئيس بايدن بحزمة دعم ضخمة تبلغ أكثر من ضعف الحزمة التي قدمها الرئيس الجمهوري دونالد ترمب حين اندلاع أزمة كورونا مطلع العام الماضي، هذا على الرغم من تعالي الأصوات الديمقراطية في ذاك الوقت ضد برنامج ترمب. هذه المبادرة لن تتحقق إلا بعد موافقة الكونجرس عليها، ومن المتوقع أن تتم الموافقة عليها بحكم أن الديمقراطيين الآن يسيطرون على مجلسي النواب والشيوخ، وهو الوضع الذي لم يحدث منذ فترة طويلة، إلا إن هناك بعض الصعوبات بسبب أن الأغلبية الديمقراطية ليست كبيرة، وكذلك بسبب أن العملية تتطلب تصويت عدد من الجمهوريين في مجلس الشيوخ إلى جانب جميع الديموقراطيين في المجلس.
من أين ستأتي الأموال؟
الأموال ستأتي - كالعادة - من خلال مجلس الاحتياطي الفيدرالي "البنك المركزي"، الذي يتوجه إلى السوق لشراء أصناف من السندات الحكومية وغير الحكومية إلى جانب أصول أخرى متنوعة، ومن ثم يقوم بتسجيل هذه الأصول في قائمة المركز المالي للمجلس، فيتم رفع أرصدة احتياطيات البنوك التجارية لديه. هذه العملية تسمى ضخ السيولة أو طباعة النقود، وإذا تمت بشكل كبير، كما حصل عدة مرات في السابق، فتسمى عمليات تيسير كمي.
هل لدى مجلس الاحتياطي الفيدرالي القدرة على استيعاب هذه الأصول؟
منذ الأزمة المالية عام 2008 تبين للجميع أن هذا البنك المركزي لديه القدرة على شراء أنواع متعددة ومتنوعة من الأصول لم تكن يوما من ضمن سياسات البنوك المركزية، وعلى الرغم من ذلك تم بالفعل تنفيذها لعدة أعوام في الولايات المتحدة بنتائج مذهلة. لذا، يبدو أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي هذه المرة على أهبة الاستعداد لالتهام كميات كبيرة من السندات والأصول المتعثرة مثلما تم في المرات السابقة. بل بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتقديم ضمانات للبنوك التجارية لكي تمارس دورها في تقديم القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، لدرجة أن بدا المجلس وكأنه يمارس السياسة المالية للبلاد وليس السياسة النقدية كما ينبغي.ما تأثير عمليات مجلس الاحتياطي الفيدرالي على الاقتصاد الأمريكي؟
حاليا، يبلغ حجم أصول مجلس الاحتياطي نحو 7.5 تريليون دولار، علما بأن أصوله كانت أقل من تريليون دولار قبل أزمة 2008، ثم ارتفعت بسرعة إلى ما فوق تريليوني دولار نتيجة عمليات التيسير الكمي الأولية. وحين وصلت الأصول إلى 4.5 تريليون دولار في 2015 إلى 2017 بدأ المجلس الفيدرالي بالتخفيف من الأصول، وبالفعل بدأت تنخفض قليلا، لكن عاودت الارتفاع بسبب أزمة كورونا، ومن المتوقع أن تواصل الارتفاع بعد إقرار حزمة بايدن الجديدة.
هل من حد أعلى لما يمكن أن تصل إليه أصول البنك المركزي؟
نظريا، لا يوجد حد أعلى لحجم أصول مجلس الاحتياطي الفيدرالي طالما هناك إقبال على شراء السندات الحكومية الأمريكية، وطالما لا يوجد تضخم كبير في الأسعار، وطالما أن عملة الدولة قوية، وجميع هذه الضوابط متحققة حاليا في الاقتصاد الأمريكي. ومثلما حدث في عمليات التيسير الكمي السابقة، لم يحدث هناك أي ضغوط تضخمية، ولم ترتفع أسعار الفائدة، ولم يتأثر سعر صرف الدولار، بل إن الدولار عموما، يرتفع مع كل عمليات التيسير السابقة.
وهذا أمر غريب، كيف أنه على الرغم من الأموال الكبيرة التي تغص بها البنوك في أمريكا وتدني نسبة الفائدة إلى نحو الصفر، كيف أن الدولار متماسك وقوي! وعلى الرغم من ذلك ظهرت في الأسابيع الماضية ملامح ضعف في الدولار، لكن كثير من المحللين الماليين والاقتصاديين يرون أن الدولار سيبقى بقوته كما كان في المرات السابقة.
أين إذن الأموال التي تم ضخها في الاقتصاد؟
بعض الأموال ذهبت مباشرة إلى كثير من الأمريكيين، وإلى العاطلين عن العمل بشكل خاص، وإلى المدارس، وإلى برامج متعلقة بفيروس كورونا، وغيرها، وعلى ما يبدو أن هناك أموالا توجهت إلى الأصول المالية، مثل الأسهم والسندات. هذه النقطة الأخيرة قد تفسر جزئيا سبب الارتفاعات الكبيرة التي رأيناها في الأسهم الأمريكية في الأشهر الماضية، حيث يحصل - كما رأينا في مرات سابقة - أن يتوجه جزء كبير من السيولة الجديدة إلى الأسواق المالية بطريقة أو بأخرى، والسبب أن الأسواق المالية عموما، تكون جاذبة للسيولة التي لا تجد مكانا آخر للتوجه إليه، بحيث تكون أماكن يمكن الدخول والخروج منها سريعا عند الحاجة، وبشكل يمكن أن يحقق عوائد لا يمكن الحصول عليها بأي من الوسائل الأخرى.
ومع تدني مستويات الفائدة وتوقف النشاطات الاقتصادية بشكل شبه كامل في بعض المجالات، لم يعد هناك مجال للسيولة غير المخاطرة في الأسواق المالية.
في المقابل، هناك تخوف من الثقة المفرطة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي في كونه قادرا على انتشال الاقتصاد من أي أزمة عابرة تمر به، والقيام بذلك بمنتهى السهولة من خلال طباعة النقود وعدم الاكتراث لتنامي حجم قائمة المركز المالي لديه. هذا التخوف نجد صداه في ارتفاع سعر الذهب وبعض المعادن الأخرى، وفي ارتفاع سعر عملة بيتكوين، وهي العملة الرقمية التي تزدهر عندما تزداد الشكوك في البنوك المركزية.
أخيرا، سيتبين في الفترات المقبلة، من عدة أشهر إلى عام أو عامين، مدى مصداقية مجلس الاحتياطي الفيدرالي في قدرته الفائقة على دعم الاقتصاد، وسيتبين كذلك مدى تأثير السيولة البنكية التي ضخها مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وتلك التي سيضخها، في تماسك أسواق الأسهم الأمريكية.
نقلا عن الاقتصادية
عرض جميل ومبسط لموضوع حزمة الدعم الجديدة وعلاقتها بسوق الاسهم الامريكي وسعر الدولار والعملات الافتراضية والذهب
ويتساءل الناس ماهو سبب الغلاء الفاحش الذي ضرب العالم ولم تسلم منه سلعه ولا خدمه ؟!!
Money printing doc. God bless Bretton woods