خيارات تعافي الاقتصاد ودفعه للنمو مجددا

23/12/2020 0
عبد الحميد العمري

في المرحلة الزمنية الراهنة التي عادت الجائحة العالمية لفيروس كورونا بسلالته الجديدة، لتطل بتداعياتها العكسية على الاقتصادات والأسواق العالمية، حاملة معها مزيدا من التحديات الجسيمة في طريق التخلص من هذه الجائحة، ومن آثارها الشديدة الوطأة على الاقتصاد العالمي، ما يؤكد الأهمية القصوى لضخ مزيد من التحفيز والدعم المالي للاقتصاد بشكل عام، والقطاع الخاص على وجه الخصوص بما يمثله من ثقل نوعي وكمي، كأهم جزء منتج من الاقتصاد الوطني، يعول عليه تحقيق الكثير من الطموحات.

بالنظر إلى ما واجهه القطاع الخاص خلال العام الجاري من تحديات جسيمة، دفعت إلى انخفاض معدل نموه الحقيقي خلال الأرباع الثلاثة الأولى الماضية سنوية بلغت 4.3 في المائة (جاءت أعلى نسبة لانخفاضه سنويا خلال الربع الثاني بنحو 10.1 في المائة)، متأثرا بانخفاض الإنفاق الاستهلاكي الخاص خلال الفترة نفسها 4.2 في المائة (جاءت أعلى نسبة لانخفاضه سنويا خلال الربع الثاني بنحو 15.8 في المائة)، مع التذكير والتأكيد في هذا الصدد على أهمية ما قدمته الدولة من دعم سخي جدا للقطاع الخاص خلال الفترة الماضية، فاقت فاتورة تكلفته الإجمالية سقف الـ0.25 تريليون ريال، ما أسهم بدرجة كبيرة في تخفيف الآثار العكسية على استقرار القطاع الخاص، ومنحته قدرا جيدا من الثبات والتماسك في وجه تداعيات الجائحة العالمية.

وبالنظر إلى الاحتمالات القائمة للعام المقبل، وفقا لما بدت عليه الأوضاع العالمية الراهنة حتى تاريخه، وبحال جاءت امتدادا لما شهدته الاقتصادات والأسواق حول العالم نهاية الربع الأول وطوال الربع الثاني من العام الجاري، أو حتى جاءت أعلى وتيرة مما حدث خلال تلك الفترة، فإن كل تلك الاحتمالات تقتضي بالضرورة توفير مزيد من التحفيز والدعم للاقتصاد الوطني بشكل عام، والقطاع الخاص على وجه الخصوص، والأخذ في عين الاعتبار ألا تأتي أغلب فاتورته على حساب الاستقرار المالي المنشود للميزانية العامة للدولة، والمحافظة على تحقيق مستهدفات الموازنة الحكومية للعام المالي المقبل، حيث لا يتجاوز العجز المالي سقف الـ141 مليار ريال، ولا يتجاوز الدين العام سقف الـ937 مليار ريال، وهنا يأتي السؤال الأهم: كيف للسياسات المالية والاقتصادية أن تحقق هذه المعادلة المتضاربة في ظاهرها؟!

تمثل الإجابة عن هذا السؤال المحوري موضوعا واسعا جدا بكل ما تعني هذه العبارة، وبما يفوق كثيرا المساحة المحدودة لهذا المقال، لكن هذا لا يمنع من استعراض موجز ومختصر جدا لأبرز محاور الإجابة عنه هنا، والعودة لاحقا إلى الحديث بمزيد من التفاصيل حول كل محور على حدة. بداية، (1) أعتقد أنه سيكون مجديا متى ما كان التوقيت ملائما النظر في تطوير آلية ضريبة القيمة المضافة، حيث يكون هناك تمييز بين السلع والخدمات التي تشملها من حيث كونها استهلاكية أو معمرة، ومن حيث كونها محلية أو أجنبية دون الإخلال بالالتزامات القائمة تجاه منظمة التجارة العالمية، أسوة بالمنهجية التي تم اتخاذها مع السوق العقارية من خلال ضريبة التصرفات العقارية.

(2) النظر بمزيد من الاهتمام إلى البدائل المتاحة، وزيادة استغلالها لمصلحة الميزانية العامة للدولة، التي من أهمها على الإطلاق (رسوم الأراضي البيضاء) وكيف أنها ستسهم كبيرة في زيادة متحصلات الإيرادات غير النفطية بمعدلات جيدة جدا ومطلوبة خلال الفترة الراهنة، يمكن تقديرها على أقل تقدير ما بين 100 مليار ريال و120 مليار ريال سنويا خلال العامين الماليين المقبلين، أي ما تصل نسبته إلى ما بين 12 في المائة و14 في المائة من الإيرادات التقديرية للعام المالي المقبل، وقد تأتي العوائد المتحققة أعلى من تلك التقديرات المتحفظة جدا، والميزة الفريدة في هذا الاتجاه المأمول الالتفات إليه باهتمام أكبر، أن عوائد هذه الرسوم سيتحقق من الجزء غير المنتج في الاقتصاد الوطني، ودون أن يترتب عليه أي ضغوط تذكر على الجزء المنتج من الاقتصاد، ممثلا في القطاع الخاص على وجه الخصوص، بل سيكون لها آثار إيجابية في القطاع الخاص والمجتمع حتى على القطاع الحكومي كما سيأتي إيضاحه في الفقرة التالية.

(3) يتوقع أن يترتب على اتخاذ الخطوة أعلاه حدوث انخفاض إيجابي على مستوى تكلفة شراء وإيجارات الأراضي والعقارات بشكل عام، الذي سيسهم بصورة كبيرة في انخفاض تكلفة التشغيل على القطاع الخاص، وانخفاضا ملموسا في تكلفة المعيشة بالنسبة إلى المجتمع، يشمل انخفاض أثمان تملك المواطنين لمساكنهم، وتجنيبهم تحمل أعباء قروض عقارية مرتفعة لآجال تمتد لأطول من 20 عاما إلى 25 عاما، إضافة إلى انخفاض تكلفة الإيجارات المدفوعة لمساكنهم المستأجرة، وهو ما سيعزز كثيرا من قدرتهم الشرائية، ويسهم في زيادة الإنفاق والطلب على منتجات وسلع وخدمات القطاع الخاص، وهذا سينعكس إيجابا على الموازنة الحكومية بانخفاض مخصصات بنود الإعانات والدعم والمنافع الاجتماعية، والدعم المخصص من قبلها لزيادة تملك المساكن بالنسبة للمواطنين، إضافة إلى انخفاض بند الإيجارات المدفوعة للمواقع المستأجرة من قبل عديد من الأجهزة الحكومية، والتذكير هنا بأن هذا المورد الجديد والجيد كإيراد غير نفطي، سيسهم أيضا بزيادة إجمالي الإيرادات الحكومية، ويساعد بصورة ملموسة في خفض العجز المالي المقدر، وفي مزيد من السيطرة على حجم الدين العام.

(4) من شأن ما تقدم ذكره من إجراءات مقترحة، أن يسهم في تحقق عديد من النتائج الاقتصادية الإيجابية، بدءا من كبح معدل التضخم (بلغ 5.8 في المائة بنهاية تشرين الثاني "نوفمبر" الماضي)، مرورا بإنعاش القطاع الخاص وزيادة الطلب على منتجاته وسلعه وخدماته، الذي سيعزز بدوره من قدرته على استعادة عافيته وتحقيق النمو مجددا، وانعكاس ذلك إيجابيا في النمو الاقتصادي واستدامته، وزيادة معدلات توظيف الموارد البشرية الوطنية وخفض معدل البطالة (بلغ معدل البطالة 15.4 في المائة بنهاية الربع الثاني الماضي)، هذا إضافة إلى ما سينتج عنه من إعادة تركز الثروات والمدخرات محليا، وتحولها من مجرد تخزينها في أصول خاملة إلى الاستثمار في بيئة الأعمال المحلية، وهو الأمر الذي تمتد آثاره الإيجابية الكبيرة جدا في الاقتصاد الوطني إلى أطول من عقد زمني مقبل، وللحديث بقية بإذن الله تعالى.

 

نقلا عن الاقتصادية