كفاءة الطاقة ضحية أخرى لفيروس كورونا

17/12/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

لقد أصبحت كفاءة الطاقة الضحية التالية لجائحة كورونا. مع الإغلاق والركود الاقتصادي اللذين يحدان من مكاسب الكفاءة الآن وفي المستقبل، تعيد الشركات ترتيب أولويات استثماراتها لتلبية الأزمة الاقتصادية الناجمة عن الوباء. هذا هو الاستنتاج الرئيس لتقرير جديد صادر عن وكالة الطاقة الدولية بعنوان "كفاءة الطاقة 2020"، وفيه تستعرض الوكالة التحديات الرئيسة لكفاءة الطاقة في سياق الوباء وتحذر من ضرورة معالجة هذه التحديات. وإلا، فقد نشهد انعكاسا في مكاسب كفاءة الطاقة في وقت تسعى فيه الحكومات جاهدة إلى تحقيق أهداف طموحة تتعلق بالمناخ بشكل متزايد. ما يشكل انتكاسة لجهود كبح تغير المناخ.

ما مدى صلة كفاءة الطاقة بأهداف اتفاقية باريس؟ العلاقة أكثر مما يعتقده كثيرون. وفقا لوكالة الطاقة الدولية، تحسينات كفاءة الطاقة ستسهم في خفض ما يصل إلى 40 في المائة من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري المرتبطة بالطاقة على مدى العقدين المقبلين. يصبح هذا الأمر أكثر أهمية في ضوء حقيقة أن معدل تحسن كفاءة الطاقة بدأ يتباطأ منذ عام 2015. هذا ليس مفاجئا ولا مقلقا في حد ذاته. حيث إن لكل تقنية مدى تحسين محدود، وكفاءة الطاقة ليست استثناء. كلما اقتربت التكنولوجيا أو مجموعة التقنيات كما هو الحال في كفاءة الطاقة من الوصول إلى هذا المدى، تباطأ التقدم، ببساطة لأن عددا أقل من الأشياء متبق للتحسين.

لذلك، في عام 2018، بلغت مكاسب كفاءة الطاقة 1.5 في المائة فقط عن العام السابق، وفي عام 2019، كانت 1.6 في المائة مقارنة بعام 2018. لكن، في هذا العام، لوحظ أن مكاسب الكفاءة أقل من 1 في المائة بسبب الوباء، رغم ذلك سيظل هناك بعض المكاسب. ومع ذلك، فإن هذه المكاسب، وفقا للوكالة، لن تكون كافية فيما يتعلق بتحقيق أهداف اتفاقية باريس، التي تحددها الوكالة عند أكثر من 3 في المائة.

السبب وراء تراجع المكاسب ببساطة هو انخفاض الاستثمارات في كفاءة الطاقة. نظرا لأن الشركات في جميع القطاعات الصناعية قد خفضت خططها الاستثمارية لهذا العام - وعديدا منها في المستقبل أيضا - فمن الطبيعي أن يؤثر ذلك في حصة كفاءة الطاقة في هذه الخطط. وقالت الوكالة في تقريرها: "إن المباني والمعدات والسيارات ستتأثر جميعها". في قطاع العقارات التجارية تحديدا، وأشارت الوكالة أيضا إلى أن فترة الاسترداد لبعض استثمارات كفاءة الطاقة ستصبح أطول مع تباطؤ الطلب على هذه المنشآت نتيجة الوباء، ما يجعل هذه الاستثمارات أقل جاذبية في المستقبل القريب.

في قطاع النقل، ستنخفض مبيعات السيارات بسبب التداعيات الاقتصادية للوباء، وهذا يعني استمرار استخدام السيارات القديمة، ما يعني أقل كفاءة في استخدام الطاقة بدلا من شراء سيارات حديثة أكثر كفاءة في استخدام الطاقة. على الجانب الآخر، من المتوقع أن ترتفع مبيعات السيارات الكهربائية إلى 3.2 في المائة هذا العام من 2.5 في المائة في 2019. كما تعثرت أيضا مكاسب الكفاءة التقنية مثل تركيب العدادات الذكية، بسبب قيود الحركة التي أدت إلى تقييد وصول العاملين إلى المباني التي كان من المفترض أن يقوموا بتركيب العدادات فيها. ومع ذلك، كان هذا من بين المشكلات الأقل لكفاءة استخدام الطاقة، لأنها أدت فقط إلى التأخير بدلا من الإلغاء.

كما حذرت الوكالة من احتمال أن تصبح الصناعات أكثر كثافة في استخدام الطاقة بسبب الوباء، نتيجة انخفاض الطلب على الطاقة الذي أدى إلى انخفاض الأسعار، خاصة أسعار النفط والغاز رغم أن الطلب على هذه المنتجات لم يتعاف بعد إلى مستويات ما قبل الجائحة، إلا أن قطاع التصنيع في عديد من المناطق الرئيسة ينتعش، لكن مع تراجع أسعار النفط والغاز الحافز لدى الشركات أقل للاستثمار في كفاءة الطاقة مما كان عليه لو كانت أسعار الطاقة الأولية أعلى.

ووفقا للوكالة، يكمن الحل لمشكلة مكاسب كفاءة الطاقة في العالم من خلال تضمين مزيد من التخصيصات المالية التي تستهدف هذه المكاسب في خطط التحفيز الحكومية. وقالت الوكالة: إنه بدءا من تشرين الأول (أكتوبر) خصصت الحكومات في جميع أنحاء العالم نحو 66 مليار دولار للمشاريع المتعلقة بكفاءة الطاقة. من هذا الإجمالي، تم تخصيص 26 مليار دولار لكفاءة الطاقة في المباني، حيث يتم توفير معظم الوظائف. تم تخصيص 20 مليار دولار أخرى لجعل السيارات الكهربائية أكثر شعبية ومرغوبة من قبل السائقين لتحفيز مزيد من المبيعات. وفقا لحسابات الوكالة، تعد خطط الإنفاق هذه أخبارا جيدة للعاطلين عن العمل بين عامي 2021 و2023، يمكن لهذه الأموال أن توجد ما يعادل 1.8 مليون وظيفة. سيكون معظم هؤلاء - 80 في المائة - في أوروبا، وأكثر من 65 في المائة سيكونون في كفاءة الطاقة للمباني، و20 في المائة سيكونون في قطاع النقل.

لكن هناك كثير مما يتعين القيام به لعكس أو على الأقل وقف التباطؤ في مكاسب كفاءة الطاقة. على سبيل المثال، الاستثمارات في صنع أجهزة منزلية فائقة الكفاءة هي إحدى الطرق للقيام بذلك، على النحو الذي اقترحته وكالة الطاقة الدولية. مزيد من الإنفاق على كفاءة الطاقة في محركات الاحتراق الداخلي هو شيء آخر. هذا مهم بشكل خاص لأن كثيرا من الطلب على النفط على مدى العقود القليلة الماضية قد فقد على وجه التحديد بسبب التحسينات في كفاءة محرك الاحتراق الداخلي.

 

نقلا عن الاقتصادية