بعد عام من مواجهة المخاطر العالمية نتيجة جائحة كورونا، التي هاجمت قوى الاقتصاد والبشرية في العالم. ولم تكن أي دولة في منأى عن مواجهة مخاطر هذه الجائحة، التي لم يكن أحد يتنبأ بنهايتها أو كيفية التعامل معها. كان عام 2020 اختبارا قاسيا لجميع دول العالم في حماية الحياة البشرية، ومحاولة المحافظة على المكتسبات الاقتصادية. إضافة إلى ذلك، فالمملكة تتحمل في هذا العام أيضا مسؤولية دولية في تنظيم اجتماع مجموعة دول العشرين، الذي تولت السعودية تنظيمه في دورته المنعقدة في عام 2020. أثبتت الأيام قدرة المملكة وإمكاناتها على العمل على أكثر من جبهة، في مواجهة الجائحة وحماية الأرواح، ومعالجة سوق العمل وحوكمتها، وتحفيز الإنتاج وتنمية الاقتصاد، واستضافة اجتماعات فرق العمل الممثلة للمجموعة والمشاركة بما يحقق أهداف المملكة، واستمرار الاعتداءات والمواجهة مع قوى الشر في اليمن، وحماية الوطن من التهديدات اليومية التي تطول أراضيه. وغير ذلك كثير مما يعكس قدرة المملكة الاستراتيجية، لتكون ضمن الدول التي حققت أقل قدر من الخسائر، وتجاوزت المخاطر التي واجهتها في عام 2020، لتثبت أن القيادة نجحت في كثير من الملفات التي واجهتنا في هذا العام.
برئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء، أقر المجلس الموازنة العامة للدولة للعام المالي 1442 / 1443هـ "2021"، ووجه خادم الحرمين الشريفين كلمته للمواطنين بهذه المناسبة متضمنة: "بعون الله وتوفيقه، نعلن ميزانية العام المالي القادم (1442 / 1443هـ) الموافق (2021 ميلادي) مواصلين تعزيز مسيرة التنمية والرخاء في وطننا الغالي، ويبلغ الإنفاق المعتمد في هذه الميزانية 990 مليار ريال، كما تقدر الإيرادات بمبلغ 849 مليار ريال، بعجز يقدر بمبلغ 141 مليار ريال، ويمثل 4.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
لقد مر العالم بجائحة غير مسبوقة وهي جائحة كورونا التي أثرت سلبا في الاقتصاد العالمي، وقد وفقنا الله ـ في إطار ما جرى اتخاذه حيال هذه الجائحة من إجراءات احترازية استثنائية وتدابير وقائية ـ إلى التوجيه بتقديم العلاج مجانا لجميع من أصيبوا بفيروس كورونا من المواطنين والمقيمين ومخالفي نظام الإقامة، في جميع المنشآت الصحية العامة والخاصة، كما صدر مؤخرا قرار مجلس الوزراء بصرف مبلغ 500 ألف ريال لذوي المتوفى بسبب جائحة كورونا من العاملين في القطاع الصحي الحكومي أو الخاص، مدنيا كان أم عسكريا، سعوديا كان أم غير سعودي، وأن يسري ذلك اعتبارا من تاريخ تسجيل أول إصابة".
وأصدرت وزارة المالية بيان الميزانية العامة للدولة للعام المالي 1442 - 1443هـ "2021"، الذي تضمن تقريرا عن نتائج الميزانية العامة للدولة في عام 2020، وبرنامج الموازنة العامة للدولة لعام 2021، وأوضحت النتائج قدرة فائقة على التعامل مع مخاطر الأزمة التي اجتاحت العالم في عام 2020، المتمثلة في جائحة كورونا، رغم التباطؤ العالمي، وتوقف عجلة الإنتاج في كثير من دول العالم بسبب الظروف الخارجية. وكانت نتائج ميزانية المملكة 2020 جيدة إلى حد كبير، حيث بلغت إيرادات الدولة 833 مليار ريال مقارنة بـ770 مليارا للتوقعات في بداية العام. وإجمالي النفقات 1020 مليارا مقارنة بـ1068 مليارا، رغم أن كثيرا من القطاعات توقف عن العمل، لكن المشاريع الاستراتيجية في المملكة وجدت دعما يوازي أهميتها، وحماية قطاعات المجتمع لضمان الاستقرار ومعالجة آثار الأزمة الصحية العالمية. وعملت المبادرات والسياسات الحكوميــة على التخفيف من آثــار الجائحــة والحــد مــن آثــارها الماليــة والاقتصاديــة، من خلال إطلاق الإعفــاءات وتأجيــل ســداد الرســوم والضرائــب، إضافــة إلــى مبــادرات دعــم القطــاع المالــي وضــخ الســيولة فــي الاقتصاد من أجل تمكيــن القطــاع الخــاص لتجاوز آثار الأزمة العالمية وتحقيق الاستدامة.
أورد البيان تفاصيل البنود العامة وفق القطاعات في موازنة عام 2021، التي تبلغ في مجموعها 990 مليار ريال، فالتعليم يحوز على أعلى نسبة من هذا الإنفاق بما نسبته 18.7 في المائة "186 مليار ريال"، ثم قطاع الصحة والتنمية الاجتماعية والقطاع العسكري 17.6 في المائة "175 مليار ريال" لكل قطاع. كما أظهرت التوقعات توجها نحو دعم قطاعات الإدارة العامة، بزيادة عن عام 2020 بنسبة 20 في المائة "34 مليار ريال"، وقطاع الصحة والتنمية الاجتماعية بنسبة 4.6 في المائة "175 مليار ريال"، وقطاع البنود العامة بنسبة 7.2 في المائة "151 مليار ريال".
الموازنة التقديرية تمثل انعكاسا ماليا لما خططت له أجهزة الدولة، ويظل من أهم ما يواجه هذه المخططات، المخاطر التي يمكن أن تحدث خلال العام، كما حدث في العام الماضي بانتشار جائحة كورونا، ولذلك فالبيان تضمن عددا من المخاطر قد تشكل تحديا في العام المقبل، لكن تحليل هذه المخاطر والاستعداد لحدوثها، يعطي توكيدا على القدرة القيادية على مواجهة الأزمات وتطويعها. وركزت أهم التحديات المستقبلية في انخفاض معدلات النمو الاقتصادي العالمي، نتيجة لما واجه الاقتصاد العالمي خلال الجائحة، التي أثرت في اقتصادات العالم كافة، وكان لمواجهتها من خلال حماية الاقتصاد وتحفيز القطاعات دور كبير في تجاوز الأزمة. كما تستمر تقلبات أسعار النفط هاجسا دوليا يمكن أن يواجه الموازنة العام للعام المقبل، وهذا يحتم على المملكة أن تظل في دورها القيادي لحماية أسواق النفط من الانهيار، والعمل على تنويع مصادر الدخل، وزيادة الإنتاج، الذي يمثل قوة اقتصادية في تنويع مصادرنا المالية وتعزيز الموارد المستدامة. إضافة إلى مخاطر استمرار الجائحة أو عودة الإغلاق الاقتصادي كما يحدث لبعض دول العالم، وإن كانت المؤشرات الأولية تبعث برسائل إيجابية من خلال اكتشافات اللقاح. وتظل هذه المخاطر جزءا من الاقتصاد العالمي، الذي يمكن أن يسير في اتجاه إيجابي بشكل كامل متى انطلقت محركات الإنتاج.
في المملكة، نركن إلى قيادة نذرت نفسها لمصلحة الوطن والمواطن، ويأتي ذلك في رسالة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حين يؤكد مواصلة مسيرة النمو الاقتصادي والتنمية الشاملة، والسير في تطوير الخدمات ودعم القطاع الخاص والمحافظة على وظائف المواطنين فيه، وتنفيذ البرامج والمشاريع الإسكانية، وتحقيق مستهدفات الرؤية، مع التأكيد على رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، والاهتمام بالحماية الاجتماعية، والحد من الهدر ومحاربة الفساد.
ويأتي هذا جليا كذلك من خلال تأكيدات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مواصلة التطور والتقدم في مختلف المجالات، وتعزيز المكتسبات التي تتحقق منذ إطلاق رؤية المملكة 2030، وتنمية دور القطاع الخاص لتحقيق النمو الاقتصادي من خلال تسهيل بيئة الأعمال، والتقدم في برامج التخصيص، وإتاحة مزيد من الفرص أمام القطاع الخاص للمشاركة في مشاريع البنية التحتية، ودعم صندوق الاستثمارات العامة ليكون أحد المحركات الأساسية لنمو الاقتصاد السعودي.
ستحقق المملكة كل ما تصبو إليه، بالعمل المثمر والإدارة الرشيدة، لتحقيق المستهدفات التي ستعزز وجود المملكة على الساحة الدولية ضمن الاقتصادات الأكثر استدامة في العالم، من خلال التركيز على الإنسان والصحة والتنمية والبيئة. ويحق لنا أن نفخر بهذه المكتسبات التي جاءت نتيجة رؤية صائبة وهمة عالية.
نقلا عن الاقتصادية