«التعافي بالنزاهة»

15/12/2020 0
فضل بن سعد البوعينين

الإعلان عن جهود مكافحة الفساد العملية هو خير ما يُحتفى به في اليوم الدولي لمكافحة الفساد. وهو دلالة على حرص المملكة على تجفيف مستنقعات الفساد للوصول إلى مجتمع تحكمه العدالة وتحيط به النزاهة من كل جانب.

في يوم مكافحة الفساد، أعلنت نزاهة عن مباشرتها (120) قضية جنائية، أطرافها (184) مواطناً ومقيماً. جهود مستدامة ومباركة لتحقيق التعافي الأمثل من داء الفساد الذي لا يمكن تجاوزه إلا بشن الحرب عليه، والبدء في غرس بذور النزاهة كي تتحول إلى ثقافة مجتمعية.

«التعافي بالنزاهة» هو شعار الأمم المتحدة، والمنتدى الذي نظَّمته هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، وهو شعار يعكس أهمية النزاهة في حماية المجتمعات والاقتصاد بشكل عام. وإذا كانت الحرب على الفساد المحلي مسؤولية كل دولة على حدة، فمن غير الممكن استكمال عملياتها الشاملة بمعزل عن الجهود الدولية التي يمكن أن تكون داعمة بشكل كبير للجهود المحلية، وحافظة للقوانين وتطبيقها بعدالة وحيادية.

توفير ملاجئ آمنة في بعض الدول الغربية لمرتكبي جرائم الفساد يضعف من قدرة الجهات الرقابية على استكمال جهود الضبط وتقديم الفاسدين للعدالة. كما أن استغلال ملفات الفساد التي تباشرها هيئة الرقابة ومكافحة الفساد، أو تلك التي تنظرها المحاكم الشرعية، لأهداف سياسية وإعلامية موجهة، يضر بجهود مكافحة الفساد ويعطي الفاسدين مظلة دولية تحميهم من الجرائم المالية والإدارية التي تورّطوا فيها. إضافة إلى ذلك فالتنسيق بين هيئات مكافحة الفساد عالمياً أمر غاية في الأهمية. لا يمكن ضمان الدعم الدولي لجهود مكافحة الفساد دون خلق التعاون الأمثل بين الجهات المعنية بمكافحة الفساد، أسوة بالتعاون الدولي في ملفات مكافحة الإرهاب، غسل الأموال، وتجارة المخدرات.

الفساد كالسرطان القاتل الذي يستنزف الإنفاق الحكومي، ويدمّر الاقتصاد، ويؤدي إلى رداءة المخرجات التنموية وإفشال برامجها المهمة. أكثر من 400 مليار ريال تم إعادتها لخزينة الدولة بعد تبني القيادة سياسة صارمة للتعامل مع ملف الفساد، وهي أموال كان من المفترض أن تعزِّز التنمية، وتوجَّه لتحسين معيشة المواطنين، إلا أنها ذهبت إلى حسابات الفاسدين. مثال واقعي يعكس حجم الفاقد من الإنفاق الحكومي، ولما يحدثه الفساد من أضرار فادحة في الاقتصاد والمجتمع.

وعلى المستوى العالمي يتجاوز حجم الأموال المتأتية من عمليات الفساد، وفق تقارير الأمم المتحدة، 2.5 تريليون دولار. وفي البلدان النامية يقدِّر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي قيمة الفاقد بسبب الفساد بعشرة أضعاف إجمالي مبالغ المساعدة الإنمائية المقدَّمة.

ولانعكاسات الفساد السلبية على الاقتصاد والمجتمع، شدَّد البنك الدولي على ضرورة تعزيز النزاهة ومحاربة الفساد لضمان تحقيق التنمية، والاستثمار الأمثل للإنفاق الحكومي على وجه الخصوص. أجزم أن الشفافية والمحاسبة من ممكنات النزاهة، ومن خلالها يمكن الحد من عمليات الفساد المستشرية في كثير من الدول. ساهمت رؤية 2030 في تعزيز النزاهة من خلال التركيز على كفاءة الإنفاق، وقياس المخرجات التنموية، إضافة إلى ضمان شفافية المنافسات والمشتريات الحكومية التي ارتبطت بشكل كبير ببرنامج التحول الرقمي والحكومة الرقمية. ربط الشفافية بالأنظمة الإلكترونية المفتوحة والمتاحة للجميع من أدوات مكافحة الفساد، إضافة إلى التشريعات الرقابية التي تحكم العلاقات التعاقدية، وتضمن نزاهتها، وأحسب أن التحول الرقمي في المملكة من أهم ممكنات النزاهة.

«التعافي بالنزاهة» شعار يجب أن يتحوّل إلى إستراتيجية وطنية لتعزيز النزاهة وتحويلها إلى ثقافة مجتمعية، وهو أمر يفترض أن تشارك فيه جهات مختلفة وفي مقدمها وزارة التعليم، والأسرة، والإعلام، والمؤسسة الدينية والمجتمع.

 

نقلا عن الجزيرة