لماذا ننتظر الاستراتيجية الوطنية الصناعية

04/12/2020 0
البدر فودة

أ- مقدمة:

بعد انتهاء الاستراتيجية الوطنية الصناعية في نسختها السابقة، والتي انتهت هذا العام، ينتظر الصناعيون خروج الاستراتيجية الوطنية الصناعية للعشر سنوات القادمة، والتي تعتبر من أهم عوامل التنمية الوطنية. وذكرت في أكثر من مقال، أهمية الصناعة للاقتصاد وارتباطها بالتنمية الوطنية المستدامة. نحاول في هذا المقال، الاجابة على السؤال: لماذا ننتظر الاستراتيجية الوطنية الصناعية.

ب- أين أستثمر في الصناعة؟

للإجابة على هذا السؤال، والذي يردده رواد الأعمال والمستثمرون المخضرمون، ليس هناك من اجابة وافية، سوى خروج الاستراتيجية الوطنية الصناعية موضحةً الصناعات التي تعتبرها المملكة صناعات استراتيجية للعشر سنوات القادمة.

من البديهي أن تحتوي الاستراتيجية على صناعات مثل الغذاء والدواء والدفاع، مثلها في ذلك مثل باقي دول العالم، والتي ترتبط صناعتها بدعائم الأمن الوطني، لكن هذه عبارة عن فروع من مجموعة أنشطة صناعية تنضوي تحت ٢٤ نشاطاً صناعياً مختلفاً ضمن ما يُعرف بالأيزك ٤

ج- إذاً ما هو المنتظر؟

وحيث أن المملكة دولة حباها الله بميزات تنافسية من ثروات طبيعية، وموقع جغرافي مميز، بالإضافة إلى السوق المحلي، والسياسات النقدية، ورؤوس الأموال، وقبل كل ذلك رؤية سمو سيدي ولي العهد حفظه الله، والمتمثلة في رؤية المملكة ٢٠٣٠ وما انبثق عنها من برامج ومبادرات، فإن دعائم تحفيز نمو صناعتنا الوطنية تتعدد، ولا تحتاج إلى منحنى زمني طويل للنهوض بصناعات متخصصة تحتاج إلى موارد أكبر وبالتالي فترات أطول للتنفيذ.

ومن هنا، فإننا ننتظر الصناعات التي تدفع بعجلة تسارع تنمية الاقتصاد الوطني لخلق عدد أكبر وأسرع للوظائف، والصادرات غير النفطية، مما ينمي ويرفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي غير النفطي، ويخفض ميزان المدفوعات (خفض الواردات مقابل زيادة الانتاج المحلي)، وبطبيعة الحال *استثمارات جديدة*، وسلاسل إمداد جديدة، وغير ذلك من تسارع موازي في أثره غير المباشر على قطاعي التجارة والخدمات.

د- وماذا تعني (صناعات استراتيجية) بالنسبة للمستثمر؟

أن هناك مسارات تحفيز وتعزيز وتمكين لنمو هذه الصناعات مثل سياسات واجراءات مخصصة، ومناطق صناعية لتجمعات صناعية محددة وواعدة، وتمكين للصادرات ونفاذها للأسواق، وتحفيز للدعم والابتكار وتقنيات الصناعة الرابعة، وتطوير للقدرات، ومنتجات تمويل مختلفة وغيرها مما يعني أن المستثمر سيكون في وضع الهجوم وليس الدفاع. فبدلاً من محاولة دفاع المستثمر عن استثماره الصناعي من خلال الرفع بالتحديات، ومحاولة العمل على التغلب عليها، سيكون على وزارة الصناعة والثروة المعدنية، ومنظومتها، والجهات ذات العلاقة، خلق مسارات سريعة ومحددة تعمل على تمهيد الطريق للمستثمر في هذه الأنشطة الصناعية حتى يتم تحقيق مستهدفات رؤية المملكة ٢٠٣٠ (من المنظور الصناعي)، وهذا سيمهد الطريق للمستثمر من جهة، ويحقق لرؤية المملكة أهدافها.

وهذه المسارات التحفيزية والتمكينية ترتكز على ركائز استراتيجية مثل الاستفادة من قوة الطلب المحلي للدفع بالتنمية الصناعية، وتحسين المكتسبات الحالية في تعزيز الصادرات، وتطوير تجمعات جديدة للصناعات التحويلية لسحب الطلب.

و- ماذا يعني منظومة وزارة الصناعة والثروة المعدنية؟

أي أن منظومة الصناعة والتي تتكون من الهيئة الملكية للجبيل وينبع، وهيئة المدن الصناعية ومناطق التقنية، وصندوق التنمية الصناعية السعودية، وهيئة تنمية الصادرات السعودية، والمركز الوطني للتنمية الصناعية، وبنك الصادرات جميعهم سيعمل بتركيز شديد وجهود موحدة ومتوائمة مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية لتحفيز وتعزيز وتمكين هذه الصناعات.

ز- ماذا يعني (الجهات الحكومية ذات العلاقة بالصناعة الوطنية)؟

وفيما تعمل الوزارة ومنظومتها على ما ذكرناه، ستعمل الجهات الحكومية ذات العلاقة، بالشراكة مع وزارة الصناعة والثروة المعدنية ومنظومتها، على تحفيز وتمكين وتعزيز هذه الصناعات الاستراتيجية، حيث أن هذه الجهات الحكومية تعتبر شريكة نجاح ومُمكن أساسي لتحقيق المستهدفات.

وفيما تعمل الوزارة والمنظومة والجهات الحكومية على عناصر النجاح، فإن من البديهي أن تلتفت المؤسسات المالية وغيرها من مزودي الخدمات نحو هذا التوجه، لتشكل برامجها ومنتجاتها وفق ما يتواءم مع هذه الصناعات واحتياجاتها التمويلية والتشغيلية والتوسعية.

وبينما ينطلق هذا الحراك الصناعي التنموي، فإن المؤسسات التعليمية وبرامجها التدريبية وما يتصل بالتعليم الفني والتقني، سيكون وبلا شك تابعاً لبوصلة احتياج سوق العمل. وهذا ما يهم ابناءنا وبناتنا الذين يبحثون عن عمل، أو من هم على مقاعد الدراسة.

ح- ماذا عن برنامج تطوير الصناعة الوطنية  والخدمات اللوجستية - نيدلب؟

يعتبر برنامج تطوير الصناعة الوطنية والخدمات اللوجستية (نيدلب) من أهم عناصر نجاح الاستراتيجية، إذ يعمل البرنامج على تصميم وتوفير مجموعة من الممكنات الضرورية التي تشتمل على تطوير الأنظمة المناسبة، وتوفير التمويل المطلوب، وتطوير البنية التحتية والأراضي الصناعية والمناطق الخاصة، والتوسع في تطبيق إجراءات الرقمنة، وتعزيز عمليات البحث والابتكار والتدريب، ورفع كفاءة الكوادر المتاحة، وما إلى ذلك. وهو بذلك يقدم المبادرات التي تسد الفجوات لتتغلب الصناعة على التحديات على طول الطريق. بمعنى آخر، تقوم وزارة الصناعة والثروة المعدنية برصد التحدي أو الفجوة التي تواجه تنمية وتنفيذ صناعة استراتيجية محددة، وتعمل مع برنامج نيدلب على الحل لتحويل التحدي إلى مُمكن، والذي قد يتمثل في مبادرة ذات تكلفة محددة. يقوم البرنامج بمعالجة المبادرة وتسليمها للمسار الخاص بهذه الصناعة الاستراتيجية، ليتم بذلك تذليل التحدي أو منح الممكن المطلوب لإحداث الأثر اللازم.

ط- وكيف سيعرف المستثمر الصناعي كيفية المشاركة في تحقيق المستهدفات الوطنية من جهة، وأهدافه الإستثمارية من جهة أخرى؟

يعتبر هذا السؤال مهم جداً، حيث أن رؤية المملكة ٢٠٣٠ تستخدم لغة الأرقام، وتقيس أداءها بشكل دوري. وبالتالي، فإن من الطبيعي أن تحدد الاستراتيجية الوطنية الصناعية المستهدفات السنوية (رقماً) لكل نشاط صناعي استراتيجي، وهنا مربط الفرس. اقتراحي الشخصي هو مواءمة أهداف المصنع مع أهداف الصناعة (وفق الاستراتيجية). وأقصد بهذا، كمية ونسبة وقيمة الصادرات المستهدفة لصناعة ما ونسبة النمو السنوية المستهدفة، وكذلك ما يتصل بالوظائف والاستثمارات وغير ذلك للخروج بتصور يشبه المركز المالي ليحدد وضع المصنع القائم أو المصنع المحتمل وارتباط ذلك ومواءمته مع أهداف الاستراتيجية. وهذا للعمل على تمكين الاستثمار الصناعي للنمو والتوسع وبالتالي تحقيق الأهداف الوطنية من جهة، وأهداف القطاع الخاص (أقصد من الناحية الاستثمارية) من جهة أخرى.

ي- ماذا عن الصناعات غير الاستراتيجية؟

رأيي الشخصي ليس أكثر، وهو للمصانع القائمة على صناعات قد لا تكون استراتيجية بالدرجة الأولى، هو أن فتح الآفاق لمجموعة من الصناعات الاستراتيجية، سيكون بمثابة تذليل التحديات والدفع بجميع الصناعات نحو النمو. قد يكون هناك مسار سريع لصناعات محددة، لكنني أثق بأن جميع الصناعات القائمة ستكون مستفيدة من التحفيز والتمكين لتنمو وتزدهر. أما بالنسبة للاستثمار الصناعي الجديد كلياً، فإنني شخصياً أنصح بالاستثمار في الصناعات المتوائمة مع الاستراتيجية الوطنية الصناعية.

إن أصبت فمن الله، وإن أخطأت فمن نفسي.

 
 
خاص_الفابيتا