المملكة وقمة العشرين .. عام التحديات الأكبر

18/11/2020 0
عبد الحميد العمري

كما أن عام 2020 حفر ذكراه في التاريخ المعاصر للبشرية، بأحداثه وتطوراته غير المسبوقة الناتجة بالدرجة الأكبر عن آثار انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، فإنه سيدون أيضا الدور الكبير الذي أسهمت به المملكة العربية السعودية كقائدة لمجموعة دول العشرين، ولكل ما تم تحقيقه وإنجازه من مبادرات وسياسات وبرامج استهدفت تحصين وتقوية الاقتصاد العالمي ومجتمعاته ضد الآثار العكسية التي نتجت عن انتشار الجائحة العالمية، إضافة إلى دورها في تعزيز استقرار الأسواق العالمية والقطاعات المصرفية بما تمثله من ركيزة مهمة جدا للاقتصاد العالمي، والأهم من ذلك دورها في حماية المجتمعات والعمل الدؤوب على توفير الرعاية الصحية اللازمة، والتركيز بصورة أكبر على مجتمعات الدول الأدنى دخلا والأقل موارد، وكل ذلك معلوم لدى المختصين والمهتمين الحجم الهائل من الجهود والموارد اللازم بذله لأجل الوفاء بمتطلبات دولية كهذه المتطلبات، يضاف إليها الجهود المرتبطة بتطور وسائل الاتصال والبنى التحتية اللازمة لها، في ظل واقع عالمي جديد انقطعت خلاله سبل السفر والانتقال، ليحلّ محله الاعتماد بصورة أكبر على وسائل الاتصال والتواصل المتقدمة جدا، سواء بين الأجهزة التنفيذية الممثلة للدول الأعضاء خلال مئات الاجتماعات وورش الأعمال، أو على المستوى المحلي للوفاء بمتطلبات تنفيذ المبادرات والبرامج المقررة.

وخلال المرحلة الراهنة من عمر البشرية التي تشهد تصاعد وتيرة ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا على مستوى العالم، بمعدل يومي تجاوز في بعض الأيام الماضية سقف الـ 600 ألف إصابة، وعودة الحظر إلى عديد من الدول والمجتمعات كأوروبا، ورغم بعض البشائر بتوصل عديد من الشركات إلى لقاحات فاقت جدواها 90 في المائة، إلا أنه في المجمل تؤكد التحديات الجسيمة التي ما زالت قائمة عند حدودها العليا عالميا، على أن العالم ما زال في حاجة قصوى إلى الاستمرار بالعمل وبصورة أعلى تركيزا بجميع ما تم إقراره من مبادرات وسياسات وبرامج تولدت خلال الفترة الماضية التي تولت خلالها المملكة رئاسة وقيادة دفة مجموعة الدول العشرين، وسيكون جديرا بالمجتمع الدولي التمسك بتلك المبادرات والاستمرار في تطويرها وتمديد العمل بها لعدة أعوام مقبلة، قد تستمر حتى منتصف العقد المقبل على أقل تقدير، وهو الأمر الذي يؤكد الأهمية التي ما زال يتسم بها دور المملكة ضمن أعمال مجموعة الدول العشرين، وأثبت اصطدام العالم بهذه الجائحة وما نتج عنها من تداعيات عكسية جسيمة على مختلف المستويات، إنه الدور الذي ارتفعت قيمته وثقله دوليا، وكل ذلك تثبته وتؤكده شهادات وتصريحات كثير من الدول الأعضاء والمنظمات والهيئات الدولية، وهذا بالطبع ليس هو محل السبب الأول للحديث، بقدر ما أن على المجتمع الدولي بصورة عامة، وعلى دول مجموعة العشرين بصورة أكثر تحديداً، يقع كثير من المسؤوليات والمهام الاستثنائية الواجب بذلها على مستوى الجهود الدولية للتصدي للمخاطر التي ما زالت قائمة لانتشار الجائحة، بل قد تتصاعد لأي سبب كان خلال العام المقبل لا قدر الله.

ولا يقف الأمر عند ما تقدم، بل عدا أنه يتركز على أهمية استمرار العمل بما تم إقراره من مبادرات وسياسات وبرامج خلال العام الماضي، فإنه يتركز أيضا على الأهمية القصوى للعمل بدرجة أكبر على مسار إعادة التعافي إلى الاقتصاد العالمي، وتوطيد استقرار الأسواق العالمية المختلفة، وحماية الدول الأشد فقرا وتوفير الدعم اللازم والكافي، وكل ذلك سيتطلب تخصيص مزيد من الموارد المالية الضخمة، تتجاوز بكل تأكيد سقف الـ 11 تريليون دولار التي تم تخصيصها حتى تاريخه، وهو ما يحمل في ثناياه مزيدا من التحديات الهائلة على كاهل الحكومات والبنوك المركزية، في الوقت الذي يواجه خلاله الاقتصاد العالمي جبالا عملاقة من الديون بمئات التريليونات من الدولارات على الحكومات والشركات والمجتمعات، بما يشير إلى أن مستقبل العقد أو العقدين الزمنيين المقبلين يحمل معه مزيدا من التحديات، والضرورة القصوى للتأهب والاستعداد والعمل المكثف سواء على مستوى دول مجموعة العشرين، أو جميع مؤسساته وهيئاته الدولية، وأن ما ينتظر العالم بعد زوال هذه الجائحة غير المسبوقة سيكون بتحدياته الجسيمة أكبر بكثير مما سبق التعامل معه.

هنا تبرز أهمية رفع درجة التكامل بين الاقتصادات حول العالم، وزيادة التعاون والتنسيق الدولي على المستويات كافة، والعمل على تشجيع التجارة العالمية وزيادة روابطها، وهو على العكس تماما مما تعرض له الاقتصاد العالمي خلال الأعوام الأخيرة، من زيادة حادة في حجم النزاعات التجارية، وما تلاها من زيادة في مستويات الحمائية التي ألحقت كثيرا من الأضرار بالاقتصاد العالمي، وأدت إلى مكابدة الأسواق المالية لعشرات التريليونات من الخسائر الفادحة غير المبررة، وجهود مأمولة كهذه ليس في الإمكان تحقيقها والنجاح على طريقها إلا بمزيد من الاعتماد بصورة أكبر على الالتزام بالمبادرات والسياسات المقررة ضمن أعمال هيئات ومؤسسات دولية، يأتي في مقدمتها مجموعة دول العشرين والصندوق والبنك الدوليان، وهي الجهات التي تتمتع فيها المملكة بدروها الرائد والمهم، ويمكن للمملكة من خلال تلك الهيئات والمؤسسات وبما يتوافر لديها من رؤية استراتيجية وموارد وإمكانات، أن تسهم باقتدار في تحقيق الأهداف المنشودة على مستوى المجتمع الدولي، بتحقيق النمو الاقتصادي المستدام، وتعزيز استقرار الأسواق العالمية.

 

نقلا عن الاقتصادية