في ظل الحديث المؤثر والمتشعب عن تحول الطاقة يأخذنا الحديث غالبا عن الصناعة الكبيرة والقرارات العامة العليا، لكن نادرا أن يكون الحديث من القاعدة الشعبية ورصد تصرفات الناس بناء على الظروف الموضوعية العامة التي تواجه عامة الناس. في هذا الصدد صدر كتاب لمؤلفته روث جودمان "الثورة المنزلية كيف استعمال الفحم في المنازل غير كل شيء" حول تحول الظروف الموضوعية التي مرت فيها الحياة في بريطانيا حين انتقلت منظومة الطاقة من الخشب إلى الفحم. كان الناس في بريطانيا يستخدمون الخشب وكل مادة عضوية جافة كوقود لتدفئة المنازل والطبخ حتى نهاية القرن الـ 16 حين حدث تحول للفحم. حدث التحول بسبب السهولة والراحة الشخصية وتوفير مالي محدود. لكن التحول الكبير جر إلى سلسلة تحولات صغيرة في كل مشارب الحياة.
بدا كثير يتوجه نحو العمل في مناجم الفحم المتوافر وتوسع النقل البحري بما في ذلك من تغير في نمط العلاقات الخارجية تجاريا وسياسيا وتوسعت رقعة الأراضي الزراعية لأن قطع الأشجار تقلص. استعمال الفحم تسبب في ارتفاع العوادم الكبريتية وهذا بدوره جر إلى استخدام المداخن التي جرت بدورها إلى زيادة الأدوار في المنازل وبالتالي رفع درجة التمدن. حين وصل سكان لندن إلى 200 ألف بدأت أسعار الخشب في الارتفاع لأن المسافة بدأت تطول لنقل الأخشاب بكميات إلى المدينة والكمية تزيد وتضغط على المواصلات. توفر الفحم وقدرته على التسخين جعل منه مصدر طاقة اقتصاديا. الفحم دون ألواح معدنية ومن ثم أفران غير قابل للاستخدام وبالتالي تكونت صناعات معدنية. كما أن استخدام الفحم قاد إلى توظيف أدوات طبخ مختلفة كالنحاس وتطوير أنواع حديدية قابلة للتنظيف بالصابون، هذه الصناعات أسهمت في تسريع الثورة الصناعية. حتى الطبخ وأصناف الطعام تغيرت تباعا.
حين وصلت إليزابيث للحكم في 1558 كانت المنازل في لندن تستخدم الخشب لكن في خلال جيل كانت لندن تستورد 27 ألف طن من الفحم، وحين توفيت 1603 كانت تستورد 144 ألفا. يصعب تقدير مدى التحول الكبير حتى يحدث، رغم أن الخشب طاقة متجددة لكنها ثابتة في كل لحظة معينة والفحم ناضب لكنه متوافر في بريطانيا. بريطانيا كانت أول بلد يتحول لكن لم يصل التحول للجميع حتى وسط القرن الـ 19 مع القطارات، فلم تتحول أغلب مدن أمريكا إلى الفحم حتى 1850 ربما بسبب توافر الأخشاب في شمال شرق أمريكا. بل إن أغلب المنازل البريطانية كانت تستخدم الفحم حتى 1960. التسخين المركزي ترف حديث.
لفت نظري في الكتاب عدة نقاط، الأولى الفترة الزمنية الطويلة في تحول منظومة الطاقة من الخشب إلى الفحم ومن ثم النفط ومدى تداخل وتتطابق أنظمة الطاقة. الثانية، تمركز الحديث حول الصورة الكبيرة ونسيان التغيرات الجزئية والفرعية التي تقود إلى تعزيز مجرى التغير سواء كانت منزلية أو توفيرا ماليا أو تنظيميا أو حتى تغييرا في العادات. الثالثة: سلم الزمن ونسبة التسارع تغيرت ولذلك ليس استبدال منظومة بأخرى متطابقا في سلم الزمن أو ضغط المتطلبات الموضوعية للفترة. التغير في منظومة الطاقة في هذا العصر يمر من بوابة توليد الكهرباء سوى من مصادر هيدروكربونية أو متجددة، ولذلك أحيانا يصعب على المراقب معرفة نقاط الانعطاف من منظومة لأخرى، خاصة أن الفترات الزمنية أقصر في كل تحول من منظومة إلى أخرى.
نقلا عن الاقتصادية