أصدرت وزارة المالية، قبل أيام، البيان التمهيدي لميزانية العام المقبل، واعتماد الميزانية عادة في شهر كانون الأول (ديسمبر). ويحوي هذا البيان التمهيدي أهم تطورات أداء المالية العامة في العام الجاري، والتطورات الاقتصادية المحلية والدولية المؤثرة في المالية العامة. ثم يستعرض المستهدفات والمؤشرات للعام المقبل والمستقبل القريب. ويستعرض البيان أهم المبادرات والخطط المزمع تنفيذها في العام المقبل تحت رؤية 2030.
ميزانية 2020 هي رابع ميزانية تعد وفقا لدليل إحصاءات مالية الحكومة GFSM 2001 والمحدث في 2014. وهو نظام إحصائي تنظيمي تصنيفي متطور من إعداد صندوق النقد الدولي قبل نحو 20 عاما مستعينا بخبرات دول متطورة في إعداد ميزانياتها العامة. ويجيء بيان الميزانية في ظل التأثيرات الحادة لكورونا كوفيد - 19 على الاقتصاد العالمي واقتصاد كل دولة، ومنها اقتصاد بلادنا بطبيعة الحال. والعلامات واضحة على حدوث انكماش قوي هذا العام. ويتوقع عودة النمو في العام المقبل فصاعدا، مع اختلافات بين أهل وجهات الاختصاص في تقييم مستوى هذا النمو.
أزمة كورونا زادت من عجز الميزانية على المخطط له، بالنظر إلى انخفاض الإيرادات تأثرا بانخفاض النشاط الاقتصادي دوليا ومحليا، وبالنظر إلى التزام الحكومة بمستويات إنفاق تخفف من أثر الأزمة، وتسهم في تنفيذ برامج الرؤية بأعلى ما يمكن.
تطرق البيان إلى تطورات أداء المالية العامة للنصف الأول من هذا العام مقارنة بالنصف الأول من العام الماضي. وأرى أيضا عمل مقارنة بتطورات الأداء للأرباع الثلاثة الأولى من هذا العام بالأرباع الثلاثة الأولى من العام الماضي.
يبين تقرير الربع الثالث لأداء الميزانية العامة لهذا العام، أن الإيرادات النفطية في انخفاض. ففي الربع الثالث بلغت 93 مليار ريال، وفي الثاني 96 مليار ريال، وفي الأول 129 مليار ريال. والأرقام في المقال بالتقريب.
أما الإيرادات غير النفطية، فخمسة أنواع: الأول، الضرائب على الدخل والأرباح والمكاسب الرأسمالية. والثاني، الضرائب على السلع والخدمات وأهمها ضريبة القيمة المضافة. والثالث، الضرائب على التجارة والمعاملات الدولية. والرابع، الزكاة وضرائب أخرى. والخامس، الإيرادات الأخرى. وتفصيلا، زادت الإيرادات غير النفطية بين الربعين الأول والثالث. إيرادات النوع الأول زادت من أربعة إلى سبعة مليارات. والثاني زادت من 31 إلى 52 مليارا. والثالث زادت قليلا من أربعة إلى أربعة ونصف. والرابع زادت من مليارين إلى 12 مليارا. والخامس الإيرادات الأخرى زادت من 23 إلى 48 مليارا.
بلغت الإيرادات غير النفطية نحو 300 مليار العام الماضي. ومتوقع أن تبلغ نحو 350 مليارا هذا العام، ونسبة الزيادة متفاوتة بين الأنواع. ويلحظ أن الزيادة في النوع الثاني، وهو الضرائب على السلع والخدمات، كانت بنسبة 37 في المائة، رغم أن زيادة ضريبة القيمة المضافة كانت بنسبة 200 في المائة. وحصول هذا متوقع مسبقا نظرا لارتفاع الأسعار. من جهة أخرى، أطلقت الحكومة عدة مبادرات تحفيز لتقليل أضرار آثار الجائحة. ومن هذه المبادرات إعفاء وتأجيل في سداد ضرائب ورسوم.
ورغم أن الإيرادات النفطية انخفضت وغير النفطية زادت، لكن الأولى النفطية ما زالت تشكل نحو 60 في المائة من الإيرادات. وكانت هذه النسبة أعلى في أعوام خلت. وتسعى الرؤية إلى خفض هذه النسبة تدريجيا مع الوقت. وهذا يعني، بل يستلزم تنمية وتنويع مصادر الإيرادات غير النفطية.
تشير تقديرات وزارة المالية إلى نمو مجموع الإيرادات في العام المقبل بنسبة 10 في المائة تقريبا، ونمو بنسبة أقل قليلا في العام الذي يليه، والتركيز على نمو غير النفطية. وتساعد على تحقيق ذلك توقعات حصول تحسن في الأسواق والنشاط الاقتصادي عامة. لكن من المهم الإشارة إلى أن زيادة الإيرادات غير النفطية بعضها لنمو في الناتج غير النفطي وبعضها ليس بالضرورة نتيجة نمو هذا الناتج.
أما جانب النفقات، فتسعى الدولة إلى تقوية الاستقرار والانضباط المالي وكفاءة الإنفاق، مع مرونة كافية للتعامل مع المتغيرات. وتقدر نفقات العام المقبل بنحو تريليون - 1000 مليار - ريال. والمجال المتاح لا يسمح بإعطاء مزيد تفاصيل.
العجز والدين العام:شهد عجز الميزانية انخفاضا في العامين الماضيين، لكن الأوضاع تشير إلى أنه سيرتفع هذا العام. سيرتفع بالرقم المطلق من نحو 133 مليارا العام الماضي، إلى نحو 300 مليار هذا العام. وسيرتفع بنسبته إلى الناتج المحلي من نحو 5 في المائة في العام الماضي، إلى نحو 12 هذا العام. ويقدر بيان الميزانية التمهيدي انخفاض العجز إلى نحو 150 مليارا العام المقبل، ثم إلى نحو 100 مليار العام الذي يليه. أما الدين العام فتبلغ نسبته إلى الناتج المحلي الثلث تقريبا هذا العام. ومتوقع انخفاضها انخفاضا بسيطا على المدى المتوسط. ويشير بيان الميزانية إلى أن الدولة تستهدف بناء استراتيجية دين عام تقوم على تنويع أدوات التمويل من جهة، والبحث عن منهجيات تمويل جديدة بما يمكن تسميته التمويل الحكومي البديل. ويفهم من ذلك العمل على تحول بعض أجهزة الدولة في عملها إلى أسلوب عمل شركات أو مشابه له.
توضيحات وأهداف:
اهتم بيان الميزانية بتوضيح العوامل المؤثرة في تقديرات الميزانية بجوانبها - الإيرادات والنفقات والعجز -، أهم هذه العوامل: أداء سوق النفط، وتطورات الاقتصاد العالمي، وتطبيق برامج وإصلاحات مؤدية إلى مزيد كفاءة وترشيد ومحاربة فساد. وكل هذا تحت هدف تحقيق استدامة مالية. وأنشئ مركز تنمية الإيرادات غير النفطية، ومركز تحقيق كفاءة الإنفاق الرأسمالي والتشغيلي للمساهمة في تحقيق هدف الاستدامة. وهناك مشروع للتحول إلى المحاسبة المبنية على أساس الاستحقاق. ومن المهم أن يعرف أن لكل سياسة وفي كل اقتصاد آثارا مرغوبا فيها وآثارا غير مرغوب فيها. ومن ثم فالنظر إلى الحصيلة الصافية.
نقلا عن الاقتصادية