قد يكون الحديث عن الركود الاقتصادي الذي خلفته جائحة كورونا محلياً وعالمياً هو السائد خلال الفترة الماضية وهو أمر طبيعي فحالة الاضطراب بالاقتصاد العالمي كانت كبيرة جداً وانعكاساتها السلبية لم تستثني دولةً أو قطاعاً باستثناء تلك التي تعد مستفيدة من تبعات هذه الجائحة كقطاعات التكنولوجيا والصحة وبعض الخدمات الأساسية لكن الدول خصوصاً في مجموعة العشرين سارعت لاتخاذ إجراءات ضخمة لمواجهة التداعيات الاقتصادية فاقت تكلفتها 11 تريليون دولار ومن بينها المملكة التي بلغت حزم التحفيز التي تم اعتمادها ما يفوق 250 مليار ريال مع ما تم تخصيصه للقطاع الصحي مما يعني أنه تم مواجهة التداعيات لاستيعابها واحتوائها وتقليل أضرارها لأقصى حد ممكن ومن ثم الانتقال لاستعادة النمو الاقتصادي وهذا ما توضحه الملامح الأولية لتقديرات الميزانية العامة للعام القادم التي ستقدر نفقاتها بحوالي 990 مليار ريال وذلك لدعم استعادة النمو الذي توقع صندوق النقد الدولي أن يصل إلى 3،1 بالمائة في العام القادم 2021 م
لكن مع توقعات عودة النمو وزيادة النشاط بالاقتصاد سيكون السؤال الأهم من سيقود هذا النمو وفي أي القطاعات سيتركز، فالجواب على هذا السؤال ماهو إلا مجرد مقاربة لكيفية تحقيق النمو واستعادة الزخم مع حجم المعروض النقدي الأضخم تاريخياً بالاقتصاد وكذلك أسعار فائدة متدنية حيث بلغ سعر السايبور الذي يقيس سعر الفائدة بين البنوك وذلك لأجل ثلاثة شهور بأقل من واحد بالمائة عند 0،86 تحديداً مما يشجع على الاقتراض للتمويل وللاستثمار، وإذا كان الإنفاق العام هو بالتأكيد المحفز على النمو حيث يتم عادة اعتماد مشاريع بالبنية التحتية وإنشاء المرافق لتحفيز الطلب إلا أن معطيات جديدة ستدخل على خط تحفيز النمو الاقتصادي الذاتي من القطاع الخاص حيث سيبرز قطاع «التطوير العقاري السكني» للواجهة من خلال العديد من المحفزات التي بدأت تظهر تأثيراتها في التوجه للتطوير وإنشاء الوحدات السكنية فزيادة العرض بالوحدات هو الأساس لقياس نجاح خطط وزارة الإسكان في برامجها التي أطلقتها بالإضافة لبقية المحفزات على مستوى الاقتصاد الكلي التي تخدم صناعة التطوير العقاري السكني.
فهذا التوجه سيكون له انعكاس على نمو نشاط التطوير وزيادة أعداد منشآت التطوير بالإضافة لعدم التوجه للمضاربات على الأراضي قياساً بالتوجه لتطويرها فمع زيادة حجم سوق التمويل العقاري للأفراد بقصد تملك السكن والذي نما كثيرا في العامين الماضيين والحالي إلا أنه يتوقع إضافة قرابة 80 مليار ريال لسوق التمويل وهو ما يعني نشاطاً ضخماً في السوق العقارية من خلال زيادة العرض خصوصا مع التوسع بعدد المدن التي ستخضع فيها الأراضي البيضاء للرسوم إضافة للانتقال للمرحلة الثانية من الرسوم بأربع مدن كبرى مع إعفاء المطورين المرخصين من ضريبة القيمة المضافة على المواد المستخدمة بالبناء والتطوير مما يعني أن التوقعات بتحقيق قفزات بالنمو بكافة الأنشطة التي تخدم إنشاء المساكن ستكون كبيرة وهذا ما سينعكس على زيادة الاستثمار بتلك الأنشطة وأيضاً التوجه للاستثمار بالقطاعات المعنية بخدمة التطوير والتمويل العقاري في السوق المالية سواء قطاعات التمويل أو مواد البناء أو الخدمات لهذا القطاع الحيوي كما أن زيادة العرض تعني توازن السوق وزيادة في التنوع بأسعار المنتجات بما يتناسب مع كافة الشرائح الطالبة للسكن من حيث دخلها لأن المنافسة ستكون كبيرة خلال السنوات القادمة.
النمو الاقتصادي القادم والذي بدأت الاستعدادات له منذ إطلاق حزم التحفيز لاستيعاب التداعيات الاقتصادية لجائحة كورونا وسيتبعها اعتماد الميزانية العامة ودعم خطط التحفيز الأخرى من قبل الجهات الرسمية سيظهر أثره في الاقتصاد على مراحل وسيكون السوق المالي وزيادة عدد المنشآت التي يتم تأسيسها للاستفادة من موجة النمو القادمة أهم المؤشرات على توجهات النشاط بالاقتصاد الوطني رغم أن التحديات مازالت قائمة من آثار هذه الجائحة لكن التغلب عليها سيكون هو هدف خطط استعادة النمو بطرق عديدة لتعويض ما حدث من ركود في هذا العام الذي كان استثنائياً على الاقتصاد العالمي عموماً.
نقلا عن الجزيرة