تحديات السيولة البنكية والنمو الاقتصادي

04/05/2025 0
د. فهد الحويماني

من الواضح أن البنوك السعودية تواجه تحديات في تأمين السيولة اللازمة لدعم الأنشطة الاقتصادية المتنوعة، إضافة إلى مراقبة التغيرات الهيكلية في صافي الموجودات الأجنبية التي لم يشهدها القطاع البنكي على الإطلاق، فلأول مرة يحدث تراجع فيها بمقدار 34 مليار ريال بنهاية 2024، وفي الربع الأول من 2025 زاد التراجع في صافي الموجودات الأجنبية إلى 104 مليارات ريال، في الوقت الذي فيه ارتفاع متواصل في عرض النقود بمفهومه الواسع من 319 مليار ريال في 2000 إلى أن تجاوز 3 تريليونات ريال لأول مرة في الربع الأول من 2025! لذا نجد كثيرا من البنوك زادت من وتيرة إصداراتها من الصكوك في الأعوام الثلاثة الماضية، منها حصول مصرف الراجحي هذا الأسبوع على موافقة هيئة السوق المالية لإصدار صكوك خلال الأشهر الستة المقبلة بمقدار 10 مليارات ريال، إضافة إلى عدة إصدارات قام بها البنك وغيره من البنوك بالريال والدولار في فترات سابقة.

تجدر الإشارة أولاً إلى أن بنك الراجحي يمول عملياته بعدة طرق، إصدار الصكوك يمثل نسبة قليلة منها، فهو يعتمد أولاً على ودائع العملاء البالغة 630 مليار ريال، كما في آخر بيانات مالية، ثم تمويلات من البنك المركزي وبنوك أخرى بمقدار 202 مليار ريال، ثم تأتي هذه الصكوك بأقل من 10 مليارات ريال، لكن الاختلاف هنا أن معظم الصكوك تستخدم في دعم رأس المال (الشريحتين الأولى والثانية) وذلك مهم للمحافظة على كفاءة رأسمال البنك. من جهة أخرى، هناك إشكاليات يدركها البنك ويتعامل معها بطرق معينة، وهي أنه طالما لدى البنك 630 مليار ريال ودائع عملاء، فهناك احتمال كبير أن تتم عمليات شراء الصكوك من قبل عملاء البنك نفسه، فالفائدة الفعلية للسيولة التي يتحصل عليها البنك من إصدار الصكوك ستكون محدودة، قارن أهمية اتجاه 10 مليارات ريال إلى الصكوك بخصمها من 630 مليارا ودائع عملاء. الفائدة بالطبع أن ذلك يعني انتقال الأموال من الودائع المعرضة للتذبذب إلى أموال داعمة لرأس المال، كذلك يدرك البنك أن كثيرا من الودائع معرض للبحث عن عوائد أفضل في أماكن أخرى، لذا يقوم البنك بطرح صكوك بعوائد مغرية، كنوع من المحافظة على ما لديه من ودائع.

نقطة أخرى جديرة بالاهتمام وهي أن توجه البنوك نحو إصدار مزيد من الصكوك بهدف دعم السيولة والمقدرة على الإقراض يعني مزيدا من الارتفاع في نسبة القروض إلى الودائع، التي هي حالياً عند مستويات عالية جداً، تجاوزت 100% لدى بعض البنوك، فعندما يقوم عملاء البنك بتحويل بعض من ودائعهم إلى شراء الصكوك سينخفض بالضرورة حجم الودائع، وعندما يقوم البنك بالتوسع في الإقراض تزداد القروض، ما قد ينتج عنه ارتفاع كبير في نسبة القروض إلى الودائع، على العكس من توجهات البنك المركزي في هذا الشأن، لذا هناك تحديات كبيرة تواجه البنوك يتم التعامل معها بعدة طرق بحيث يتم الحصول على السيولة اللازمة، والمحافظة على كفاءة رأس المال، وإبقاء نسبة القروض إلى الودائع ضمن الحدود المقبولة.

ختاماً، تزايد عرض النقود يشير إلى نمو كبير في السيولة المحلية، أي إنه على العكس مما قد يبدو فالسيولة تزداد لكن التوسع الاقتصادي والنشاط الحكومي ومتطلبات السيولة أكبر مما هو متاح من سيولة، لذا تضطر البنوك إلى البحث عن مصادر سيولة جديدة، بعبارة أخرى، نمو عرض النقود يعزز الناتج المحلي عبر زيادة السيولة، ويدعم الإقراض والاستثمار والإنفاق، لكن كما هو معروف فإن حدث ذلك بشكل غير متناسب مع حجم النمو الاقتصادي فالنتيجة ارتفاع كبير في نسبة تضخم، الأمر الذي لم يشهده الاقتصاد السعودي على الإطلاق، ما يعني أن متطلبات السيولة وتراجع صافي الأصول الأجنبية ليست سلبية في حد ذاتها، وإنها تأتي في ظل سياسة نقدية فعّالة وتحسن في الإنتاجية مدعومة بقدرة الاقتصاد على امتصاص السيولة من خلال الاستثمار والإصلاحات.

 

 

نقلا عن الاقتصادية