هل تهيمن السيارات الكهربائية في 2035؟

06/10/2020 0
وليد خدوري

أصدر حاكم ولاية كاليفورنيا قراراً تنفيذياً في نهاية شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، يمنع فيه بيع سيارات محرك الاحتراق الداخلي (التي تحرق النفط أو الديزل) في الولاية، أو قيادة هذا النوع من السيارات على طرقها، بدءاً من عام 2035. ويشكل هذا القرار مرحلة انتقالية مهمة في الصناعة العالمية؛ إذ إنه يهدد إنتاج سيارة محرك الاحتراق الداخلي التي تم اكتشافها في أوائل القرن العشرين.

يعادل اقتصاد ولاية كاليفورنيا الخامس من حيث الحجم عالمياً. كما أن كاليفورنيا رائدة في مبادراتها الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة. من ثم، يتوقع أن تتوسع هذه الظاهرة تدريجياً في مختلف الولايات الأميركية، رغم أنها ستلاقي معارضة متوقعة من قبل شركات السيارات، ومن اليمين المحافظ في الحزب الجمهوري الذي لديه تأييد واسع في عدد من الولايات الأميركية، والذي لا يزال يشكك ويعارض سياسات تحسين البيئة والمناخ؛ إلا أن هذه المعارضة قد تؤجل بعض الوقت التغيير من سيارة محرك الاحتراق الداخلي إلى السيارة الكهربائية؛ لكن من المستبعد أن توقف التأجيل كلياً.

نظراً إلى طبيعة التخطيط العمراني في ولاية كاليفورنيا؛ حيث المساحات الشاسعة ما بين الضواحي السكنية ومقار الشركات ومحال التسوق في وسط المدن، فالاعتماد على السيارات يشكل جزءاً أساسياً من الحياة الاجتماعية للولاية كما في معظم الولايات الأميركية. ورغم أن ظاهرة ابتعاد الضواحي السكنية عن معظم المدن الكبرى هي ظاهرة أميركية في البداية بدأت تنتشر بعد الحرب العالمية الثانية، فإن هذا التحول الاجتماعي والعمراني بانتقال الطبقة الوسطى إلى الضواحي أصبح ظاهرة عالمية.

لماذا مبادرة ولاية كاليفورنيا؟ حقيقة الأمر أن القرار لا يقتصر على كاليفورنيا وحدها. فقد تبنى الاتحاد الأوروبي قراراً مماثلاً، ولتاريخ عام 2035 نفسه. والمعروف عن كاليفورنيا أنها أكثر اهتماماً من غيرها من الولايات الأميركية بشأن البيئة والتغيير المناخي. كما قد عانت الولاية خلال السنوات الأخيرة، بالذات خلال هذا العام، من حرائق ضخمة متتالية سنوياً تقريباً للمناطق الشجرية التي امتدت على آلاف الأفدنة. وقد نسب سبب هذه الحرائق إلى التغير المناخي. كما اشتكى سكان الولاية من ظاهرة التلوث البيئي الناتج عن انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون من عادمات المركبات؛ نظراً إلى العدد الضخم من السيارات على طرق الولاية.

ما هو البديل للبنزين والديزل؟ بدأت كبرى شركات السيارات العالمية، وبعض الشركات المتخصصة منذ سنوات في إنتاج نماذج عدة من السيارات الكهربائية والشمسية والهجينة. وهناك بالفعل آلاف السيارات الكهربائية على الطرق حالياً، والعدد في ازدياد بطيء. كما أن هناك إمكانية استخدام وقود الهيدروجين، إلا أن البحوث ما زالت جارية لتقليص انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون منه، نتيجة إنتاجه من الوقود الأحفوري (الغاز والفحم).

التحدي الأهم الذي واجه صناعة السيارة البديلة حتى الآن هو قدرة البطاريات الجديدة على تخزين الطاقة. كما كانت هناك مشكلة سعرها الباهظ الثمن. وقد تم تدريجياً معالجة هذين التحديين. فأصبحت الأسعار مرادفة تقريباً للسيارات التقليدية. وتم تحسين وتوسيع الطاقة التخزينية للبطاريات الجديدة؛ بحيث أصبح من الممكن استعمالها لمسافات طويلة قبل الحاجة لشحنها ثانية. والأبحاث جارية لتوسيع سعة تخزين البطاريات.

من جهتها، تبنت مفوضية الاتحاد الأوروبي مؤخراً خطة الأهداف المناخية لعقد الثلاثينات من هذا القرن؛ حيث قررت التقليص تدريجياً من استعمال محرك الاحتراق الداخلي، لأجل تخفيض انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون إلى النصف من معدلها لعام 2021، لكي تتوقف الانبعاثات كلياً بحلول عام 2035، من خلال الاعتماد على السيارات الحديثة التي لا تنتج عنها أي انبعاثات ملوثة.

من الواضح أن هذا التطور الصناعي المهم سيترك أثره على استهلاك النفط، ومن ثم على اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ حيث تشكل الصناعة البترولية الصناعة الأكبر حجماً في المنطقة، وحيث تعتمد بعض الدول المصدرة على الريع النفطي لنحو 85- 95 في المائة من موازنات البلاد السنوية. كما سيؤثر هذا التحول تدريجياً على تقليص الاستثمار في اكتشاف وتطوير حقول جديدة. وسيؤثر انخفاض الطلب سلباً على أسعار النفط.

وفي حال تنفيذ قوانين كاليفورنيا بحلول عام 2035، من المتوقع أن تؤجل أو تعارض بعض الولايات الأميركية قراراتها التي توجد فيها أغلبية جمهورية يمينية أو في الولايات المنتجة للنفط، قبل أن يشاع استعمال السيارات الحديثة على الصعيد الأميركي برمته. كما نجد بالفعل اليوم في الاتحاد الأوروبي معارضة قوية ومهمة من اتحادات صناعات السيارات الأوروبية، بالذات الألمانية؛ حيث صناعة السيارات أكبر قطاع صناعي ألماني. من ثم يتوقع بروز تحديات داخلية في كل من الولايات المتحدة وأوروبا لتنفيذ هذه القرارات في المواعيد المحددة لها.

من نافلة القول: هناك شكوك حول تمكن الدول النامية من تغيير جميع سياراتها القديمة للحديثة بحلول عام 2035، وكذلك تغيير المحطات لتزويد الوقود الجديد بسرعة. فهذا الأمر سيتطلب استثمارات باهظة الثمن من القطاعين الخاص والعام. ولا توجد مؤشرات جدية في معظم دول العالم الثالث لهذا التغيير الشمولي لمركباتها حتى الآن. ففي حال نجاح كاليفورنيا وأوروبا في التغيير للسيارة الحديثة، وأغلب الظن أنها ستكون السيارة الكهربائية، ستستمر معظم دول العالم الأخرى مستعملةً للسيارة القديمة لسنوات عدة قبل اللحاق بهما.

من الصحيح أن سيارة «ت- فورد» قضت بسرعة على عربات النقل التي كانت تجرها الخيول في أوائل القرن الماضي؛ لكن نحن هنا أمام متغير صناعي واستهلاكي مختلف. هناك أولاً عالم واسع يستعمل أكثر من مليار سيارة تمتد أعمار بعضها ما معدله نحو خمس سنوات. كما أن إمكانيات بعض الدول محدودة، ومن الصعب على الحكومات أن تفرض على المواطنين شراء مركبات جديدة تؤدي الخدمة نفسها كالمركبة القديمة. والطريقة الرئيسية لتشجيع المواطنين في دول العالم الثالث على تغيير مركباتهم، مهما كان عمرها، بشراء سيارة كهربائية أو حديثة أخرى، ستكون من خلال تشريع قوانين ضريبية، أو بتوفير الدعم المالي، أو بحوافز مالية لتشجيع المنتوج الجديد.

لا يزال هناك 15 سنة حتى عام 2035، كما أن هناك إمكانية لتأجيل موعد شيوع السيارة الحديثة لسنوات عدة بعد هذا الموعد. إن المهم بالنسبة لاقتصادات الشرق الأوسط ليس الموعد النهائي؛ بل ما الذي يمكن عمله منذ الآن. والمسؤولية تقع على الحكومات سواسية كما على المواطنين؛ إذ بما أن صناعة السيارة الحديثة قد أصبحت واقعاً، وستُحدث عاجلاً أو آجلاً تأثيراً على استهلاك النفط، ومن ثم أسعار النفط واقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فلا بد من إعادة النظر وتغيير بعض الأنماط الاستهلاكية المترفة في بلادنا، وبدء ترشيد الاستهلاك من قبل المواطنين. كما على المؤسسات الرسمية وضع حد للمزاريب التي استنفدت معظم الريع النفطي خلال الأعوام الأخيرة، ووضع حدود لشيوع الفساد الذي وصل إلى مليارات الدولارات سنوياً في بعض الدول، كما أن هناك ضرورة لإعادة النظر في نوعية ومستوى التعليم، للتعامل مع متطلبات المتغيرات العالمية. بمعنى آخر: يجب أن نأخذ المتغيرات المقبلة في صناعة النفط كجرس إنذار لمجتمعاتنا لمراجعة التنمية الاقتصادية المنشودة في البلاد، وإعطاء الأهمية اللازمة للتهيؤ لمستقبل مختلف عما تعودنا عليه منذ منتصف القرن العشرين، في طرق الاستهلاك، وغياب الشفافية ومراقبة ومراجعة الحسابات، ونوعية مناهج التعليم، وتكديس دوائر الدولة بالوظائف غير المنتجة؛ بل المعرقلة.

 
نقلا عن الشرق الأوسط