انتعاش سوق التوصيات على الأسهم

27/09/2020 1
د. فهد الحويماني

كلما بدأت سوق الأسهم السعودية بالتحرك ولفت الانتباه، ازدهرت سوق التوصيات مدفوعة الأجر، وهي توصيات محددة للبيع والشراء في أوقات محددة مع ذكر أسعار الدخول والخروج وإيقاف الخسارة. ما الخلل في مثل هذه التوصيات؟ ولماذا يعد القيام بها مخالفة نظامية تمنعها هيئة السوق المالية وتعاقب من يقوم بها؟ وما الحل؟

الحقيقة: إن لدى هيئة السوق المالية عددا من التنظيمات الهادفة إلى ضبط السوق المالية ومنع الفوضى في تقديم الخدمات وحماية المتعاملين في سوق الأسهم، وهذا أمر مهم يقع ضمن اختصاصات الهيئة. على سبيل المثال هناك لوائح للتعامل بالأوراق المالية وتصنيفات محددة للأشخاص المرخص لهم وهي التعامل والإدارة والترتيب والحفظ والمشورة، مع إمكانية قيام الجهة الراغبة التقدم لواحد أو أكثر من هذه الأعمال.

ماذا عن ممارسة عمل التوصيات على الأسهم؟ لا يوجد لدى الهيئة ترخيص لهذا العمل بشكل مباشر، لكن هناك أعمال المشورة التي ربما هي الأقرب لممارسة تقديم التوصيات، إلا أن في حقيقة الأمر لا يوجد لدى أي من الأشخاص المرخصين خدمة تقديم التوصيات بالشكل الذي يبحث عنه بعض المتداولين، لا يوجد جهة مرخصة من نحو 90 جهة مرخصة حاليا تمارس تقديم خدمة التوصيات، بينما هناك مئات من الجهات الخارجية التي تقدم هذه الخدمة بكل سرور.

يذكر أن هيئة السوق المالية نشرت أخيرا قائمة تحتوي على نحو 260 جهة غير مرخص لها ممن تمارس أنواعا متعددة من أعمال الأوراق المالية، وذلك في محاولة من الهيئة لحماية المتعاملين في المملكة من شر هذه المؤسسات. بعض هذه الجهات موجودة في المملكة بإقرار الهيئة ذاتها، وبعضها في الإمارات ومصر ودول كثيرة حول العالم، فضلا عن أن تلك القائمة لا تشمل الجهات التي تسوق لنفسها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات المراسلات الفورية "واتساب".

نحن أمام أمر غريب وهو أن جميع الأشخاص المرخص لهم من الهيئة لا يقدمون التوصيات الفورية، تلك المنتشرة والمزدهرة هذه الأيام، رغم أنه مسموح لهم بالقيام بذلك، بينما هناك مئات من الجهات الخارجية غير المصرح لها تقدم التوصيات الفورية وسط إقبال كبير من قبل المتعاملين في المملكة، ما السبب؟ السبب في انتشار ظاهرة التوصيات مدفوعة الأجر ـ من وجهة نظري ـ هو نظام منع التوصيات نفسه الذي روج لهذا النشاط بشكل غير مباشر، حيث تولد لدى كثيرين مفهوم معين فحواه أن هذه التوصيات مهمة ومربحة وإن لم توجد في المملكة فبكل يسر وسهولة يمكن الحصول عليها من خارج المملكة، أي: تماشيا مع منطق كل ممنوع مرغوب.

السبب الآخر: قرار منع التوصيات غير واضح، بل مرتبك، فالمنع من المفترض أن يكون فقط لمن يقدم هذه الخدمة بمقابل مالي، أما مجرد التحليل وإبداء الرأي حول توجه الأسهم، فهو أمر لا غبار عليه، ويمارس في كل مكان حول العالم. غير أن المهتمين بالأسهم في المملكة، على ما يبدو، يخشون حتى من مجرد إبداء الرأي، خوفا من ردة فعل الهيئة. وعندما تغيب عن الساحة المحلية مثل هذه المعلومات والتحليلات والنقاشات يبدأ المتعاملون بالبحث عنها خارجيا. إذن: من الواجب على الهيئة إيضاح طبيعة المخالفات المتعلقة بالتوصيات والتأكيد على حرية المتعاملين بطرح الآراء ووجهات النظر دون خوف أو حذر.

لكن لنعد لبحث سبب عدم تقديم هذا النوع من التوصيات من قبل الجهات المرخصة من الهيئة، تلك الجهات المسموح لها ضمنيا بتقديم التوصيات الفورية، السبب يعود إلى أنه لا توجد مؤسسة مالية محترمة تقدم التوصيات بهذا الشكل، لأن هذه لعبة خطرة لا يوجد لها أي أساس علمي ولا مهني. هذا النوع من التوصيات في الأغلب يعتمد على أساليب تحليل فني، معروف أنها ليست علمية ولا قاطعة، خصوصا على المدى القصير بل القصير جدا في حالتنا هذه كما نراه في تلك التوصيات. لذا لن تدوم طويلا أي مؤسسة مالية مرخصة تمارس هذا النوع من العبث.

هناك كذلك أمور نفسية متعلقة بالتوصيات أشير إليها في عجالة وهي أنه عندما تكون السوق في مرحلة صعود كما هو حاصل لدينا منذ أشهر قليلة، فإن معظم التوصيات ستكون بالضرورة صائبة، لأن معظم الأسهم في حالة ارتفاع. لذا نجد أن بعض المتعاملين يخلط بين صحة التوصية وصحة السوق، وهذا يزيد من جاذبية التوصيات وازدهار سوقها.

غير أن الجانب المظلم في هذا السياق ليس الجانب النفسي بل الجانب الإجرامي في ممارسة التوصيات. كيف؟ معروف أن هناك ممارسة خبيثة تتمثل فيما يعرف بالكسب المبني على استباق عمليات العملاء، والمقصود بها: أنه من السهل على من يقدم خدمة التوصيات الفورية أن يستبق عملاءه بالشراء أو البيع حسب الحال، ويستفيد بشكل كبير من قفزة السعر المتوقعة بعد إطلاق التوصية، هذه بالطبع ممارسة غير نظامية تحاربها الهيئة منذ أعوام طويلة، وللأسف الآن أصبح من السهل القيام بها من خلال التوصيات الفورية الممنوعة داخل المملكة.

معروف أن لدى تلك الجهات الخارجية التي تقدم التوصيات الفورية عدة باقات للاشتراك في الخدمة، حسب مبلغ الاشتراك، ومن غير المستبعد أنها تمنح من يدفع أكثر ميزة زمنية أفضل من غيره، بل إن بعض تلك الجهات قد يكون لديها محافظ خاصة بها وتقوم بالاستفادة من التوصيات قبل بقية العملاء.

ما الحل؟

الموضوع متشعب وطويل، لكن اختصارا أقول: إن على الهيئة أولا توضيح طبيعة التوصيات المسموح بها، وهي تلك التي لا تتم بمقابل مالي، وتلك التي لا يقدم فيها صاحب التوصية نفسه على أنه مستشار مالي معتمد، بل مجرد شخص مهتم أو هاو، مع إرفاقه مع كل توصية نصا بإخلاء المسؤولية. هذا التنظيم سيجعل ممارسة التحليلات والتوصيات أمرا عاديا ومنتشرا ويمارس بكل حرية وبالتالي سيفقد قيمته مع مرور الوقت، وهو ما نراه حول العالم. الأمر المؤكد والمهم هنا أن لجوء المتعاملين إلى الخارج لشراء التوصيات الفورية أمر يجب ألا يستمر، ويجب على الهيئة دراسته بشكل كامل واكتشاف سبب انتشاره ومعالجة وضعه عاجلا.

 

نقلا عن الاقتصادية