الموجة الثانية تعرقل تعافي الطلب النفطي

23/09/2020 0
د. نعمت أبو الصوف

مما لا شك فيه أن تزايد حالات الإصابة بفيروس كورونا في بعض الدول يمكن أن يؤدي إلى عرقلة تعافي الطلب على النفط وبالتالي يعطل انخفاض مخزونات النفط. بالفعل تتزايد الحالات في عديد من الدول الأوروبية، كما تجاوز إجمالي الإصابات في الهند خمسة ملايين، وتزايدت الحالات الجديدة في بعض الولايات الأمريكية.

في غضون ذلك، قامت منظمة أوبك نفسها، وكذلك وكالة الطاقة الدولية، في وقت سابق من الأسبوع الماضي بتعديل توقعات الطلب على النفط لهذا العام. كلاهما يتوقع الآن انكماشا أكبر مما توقعه قبل شهر. لكن ليس الطلب وحده هو الذي سيستمر في التأثير في أسعار النفط. العرض المفرط من المرجح أن يبقى كذلك حتى نهاية العام المقبل. وقالت "أوبك" الأسبوع الماضي في تقريرها الشهري عن أسواق النفط: إنها تتوقع انكماش الطلب على النفط هذا العام بمقدار 9.5 مليون برميل يوميا. وهذه مراجعة هبوطية قدرها 400 ألف برميل يوميا من انكماش متوقع قدره 9.1 مليون برميل يوميا في تقريرها لآب (أغسطس).

وبعد يوم واحد من نشر هذه التوقعات، قالت وكالة الطاقة الدولية، في أحدث تقرير لها عن أسواق النفط، إنها تتوقع أن يتقلص الطلب هذا العام بمقدار 8.4 مليون برميل يوميا. هذا هو انكماش نمو الطلب أكبر مما كان متوقعا في الشهر السابق، عندما توقعت الوكالة انكماشا أقل بمقدار 8.1 مليون برميل يوميا.

وما ينذر بالخطر أكثر هو توقعات العرض. بحسب كلتا المنظمتين، في نهاية العام المقبل، ستكون إمدادات النفط العالمية أعلى من مستوياتها منذ نهاية عام 2019. من ناحية المخزون النفطي، تختلف التوقعات بخصوص الكميات التي ستتجاوز بها مخزونات نهاية عام 2021 مخزونات نهاية عام 2019، لكن الحقيقة المؤكدة هي توقع كل من "أوبك" ووكالة الطاقة الدولية ارتفاع مخزونات النفط بعد أكثر من عام من تخفيضات إنتاج "أوبك +" الكبيرة. بالتأكيد هذه التوقعات مقلقة لأسواق النفط العالمية.

ربما من المستغرب إلى حد ما أن تكون وكالة الطاقة الدولية أقل تشاؤما من منظمة أوبك بشأن العرض. فوفقا للوكالة، يمكن أن تكون مخزونات النفط العالمية في نهاية عام 2021 أعلى بـ 106 ملايين برميل فقط من مستويات نهاية عام 2019. من ناحية أخرى، ترى "أوبك" أن مخزونات النفط في نهاية عام 2021 تقترب من 500 مليون برميل فوق مستويات نهاية 2019. ويبدو أن ضعف الطلب على النفط سيواصل إعاقة تعافي ميزان السوق العام المقبل أيضا.

وفي الوقت نفسه، حسنت "أوبك +" بشكل كبير امتثالها لتخفيضات الإنتاج المتفق عليها في نيسان (أبريل) لاستعادة التوازن في أسواق النفط. حيث قالت مصادر المجموعة لـ "رويترز": إنه في آب (أغسطس) بلغ معدل الامتثال 101 في المائة. جاء التحسن في أعقاب قيام السعودية بإنذار الدول غير الممتثلة، بما في ذلك العراق ونيجيريا، بأنها ستتراجع عن التخفيضات الخاصة بها إذا فشلت هذه الدول في الالتزام والتعويض عن فائض الإنتاج في أيار (مايو) وحزيران (يونيو).

وكالة الطاقة الوحيدة المتفائلة بشأن عام 2021 هي إدارة معلومات الطاقة الأمريكية التي تتوقع أن تتحول أسواق النفط من فائض في الإمدادات إلى عجز بحلول نهاية العام المقبل. يجب أن يكون ذلك بفضل تخفيضات "أوبك +"، لأن في أحدث توقعاتها لأسواق الطاقة قصيرة الأجل تتوقع إدارة معلومات الطاقة تعافي إنتاج الولايات المتحدة إلى 11.3 مليون برميل يوميا بنهاية العام المقبل.

هذه التوقعات لا تبشر بالخير لأسواق النفط. لكن من الجدير بالذكر أن في الوضع الحالي، مع استمرار انتشار الوباء بقوة، من الصعب التنبؤ بأي شيء بأي قدر من اليقين. ومع ذلك من العدل القول، إن التوقعات المتشائمة لها ما يبررها مما شهدناه حتى الآن هذا العام.

رغم هذا التشاؤم المبرر، تختلف الآراء حول المستقبل القريب للعرض والطلب بشكل كبير في قطاع تجارة السلع الأساسية. على سبيل المثال، تتوقع شركة ترافيجورا Trafigura أن تنخفض أسعار النفط أكثر بسبب سوق كثيفة العرض، مع استمرار ارتفاع المخزونات حتى نهاية العام. من ناحية أخرى، تتوقع نظيرتها فيتول Vitol أن تتقلص مخزونات النفط العالمية بنحو 250-300 مليون برميل بين هذا الشهر وكانون الأول (ديسمبر).

في جميع هذه التوقعات، يبدو أن الشيء الوحيد المؤكد الآن هو عدم اليقين. أي تغيير في هذا الوضع يعتمد على كيفية تطور الوباء. تشير أحدث بيانات إنفاق المستهلكين من الصين، على سبيل المثال، إلى أنه عندما تم احتواء انتشار المرض أخيرا، سيتبع ذلك التعافي الاقتصادي، ومن خلاله، سيتعافى الطلب على النفط. في حين أن الدول التي لا تزال تكافح الوباء، كما هو الحال في الولايات المتحدة والهند، لا يزال الطلب على النفط معطلا. لكن حتى هذا الاستنتاج المنطقي بأن التعافي الاقتصادي سيؤدي إلى تعافي الطلب على النفط ليس مضمونا أن يظل صحيحا هذه المرة إذا علمنا هذا الصيف أي شيء، فهو أن معدل الانتعاش الاقتصادي ومعدل تعافي الطلب على النفط ليسا دائما متزامنين.

 

نقلا عن الاقتصادية