صفحة تطوى بحبر من الأمجاد، وأخرى تشرق الشمس على طموحاتها وتطلعاتها الجديدة، لوطن ارتوت أرضه الشامخة بدماء شهدائه من رجال ونساء ندعو الله لهم بالرحمة، وأن يجزيهم عنا خير الجزاء، أرض على كل شبر منها شموخ التضحيات والأفعال قبل الأقوال، لتقف شامخة طوال تسعة عقود زمنية مضت، هدرت خلالها أمواج عاصفة على البشرية، سقطت تحت حطامها دول ومجتمعات، ودارت خلالها أكبر وأعظم حربين عالميتين في تاريخ البشر، ولا تزال تلك الأمواج الهادرة تقتحم من فترة لأخرى كل ما يقف أمامها، إلا من عصمه الله برحمة منه ولطف من لدنه.
مضت بلادنا - أيدها الله - في طريقها طوال تلك العقود، متمسكة بحبل من الله على سنته وسنة رسوله الأمين، عنوانها الظاهر الأعلى مدون على علمها الوطني «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، وترجمته على أرض واقعها وستظل كذلك إلى أن يرث الله الأرض وما عليها بتوفيق منه ورحمة. اجتمع تحت كل هذا قيادة وشعب، وتكاتفت العقول قبل الأجساد للارتقاء وإثبات الوجود عاما بعد عام، وانصهرت في وطن واحد مجيد كل مكونات جزيرة العرب، التي طالما عانت كثيرا ويلات التشتت والفرقة والتناحر طوال قرون مضت، فنراها اليوم والعالم بأسره بحمد الله تتقدم وتتطور وتنافس دول الصف الأول.
في العام الذي اصطدمت خلاله سفينة العالم بأسره بواحدة من أعتى الصدمات، التي كابد معها الاقتصاد العالمي عشرات تريليونات الدولارات كخسائر فادحة على حساب مختلف نشاطاته، وتجرع معها آلاما لم يذقها منذ عهد الكساد الكبير في القرن الماضي، كان من أنعم الله على بلادنا أن مكنها من الصمود والمحافظة على استقرارها على المستويات كافة، ورغم المسؤوليات الجسيمة لتوليها قيادة الدول الـ 20 الأكبر على مستوى العالم، فقد نجحت في قيادة الدفة وسط الأمواج العاتية التي نتجت عن انتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، واستطاعت باقتدار لافت أن تعبر بالسفينة العملاقة جميع المنعطفات الناتجة عن انتشار الجائحة، وسيكون الاجتماع المقبل في العاصمة الرياض لقادة الدول الـ 20 بعد نحو الشهرين، بمشيئة الله تعالى، الاجتماع الذي سيبلور قمة الجهود الكبيرة التي تم بذلها، والمنصة التي سيسطر على صفحتها الرئيسة الدور الكبير والمهم لبلادنا خلال الفترة الأصعب على العالم بأسره خلال ما يقارب قرنا مضى.
كان من أهم وأبرز ما قامت به المملكة في ظل الأزمة العالمية الراهنة، أنها مدت بفضل وزنها الدولي المهم في ميزان الاقتصاد العالمي المعاصر يد العون والدعم والمساعدة إلى كل أطراف المجتمع الدولي، وكان من أهم أوجه تلك المساهمة قراراتها ثقيلة الوزن التي أسهمت في استقرار سوق النفط، وامتدت إلى تعزيزها على مستوى الأسواق العالمية كافة، إضافة إلى مساهماتها المستمرة ضمن جهود المجتمع الدولي للتصدي لآثار انتشار الجائحة العالمية للفيروس، وما نتج عنها من كوارث اقتصادية واجتماعية انتشر تدميرها إلى مختلف بقاع العالم، كان لدورها وحضورها الفاعل الأثر الملموس في مستوى تخفيف تلك الآثار العكسية لانتشار الفيروس عالميا، في خير تأكيد وشاهد على الدور الرائد للمملكة في الاقتصاد العالمي الذي يمتد عمره إلى عقود زمنية ماضية، وأنه ليس وليد المرحلة الراهنة، كما هو معلوم لدى جميع أطراف العالم اليوم، ولا تزال مساهمة المملكة مستمرة، وتحظى بالأهمية والوزن الثقيل ضمن الجهود الدولية التي تستهدف التغلب على مختلف المخاطر الصحية والاجتماعية والاقتصادية الناشئة عن انتشار الجائحة العالمية، وسيبقى العمل متكاملا وممتدا من الجميع إلى أن تتأكد المؤشرات الحقيقية على خروج العالم من صدمة هذه الجائحة غير المسبوقة في التاريخ المعاصر للبشرية.
محليا تجلى جوهر النجاح الذي تحقق لبلادنا حتى تاريخه - بحمد الله - في سياق المواجهة الحاسمة ضد الآثار السلبية لانتشار الجائحة العالمية لفيروس كورونا كوفيد - 19، في انطلاق جميع المبادرات وحزم التحفيز والدعم والمساندة التي أقرتها الدولة - أيدها الله - من تسخير كل الموارد والمقدرات لأجل حماية الإنسان والعناية باحتياجاته الأساسية، وأنه المرتكز الأول والعامل الأساس لنجاح أي جهود تستهدف حماية مقدرات البلاد والعباد، وهو الأمر الذي أدركه قليل من دول العالم المعاصر، وهو أيضا أساس الفوارق الكبيرة جدا التي شهدها ويشهدها المجتمع الدولي خلال الفترة الراهنة، حال النظر إلى أوضاع الدول والمجتمعات التي نجحت في تخفيف حدة آثار وتبعات انتشار الوباء، وأخرى شهد العالم كله سقوطها المروع في كوارث إنسانية ومجتمعية هائلة قبل الاقتصادية والمالية الوخيمة.
ختاما: كان من أبرز السمات الرئيسة التي تم العمل عليها منذ بدء تطبيق البرامج التنفيذية لرؤية المملكة 2030، هو الالتزام العالي جدا بحوكمة الأداء العام للأجهزة الحكومية، وما نتج عنه من علو يد الإصلاح الشامل دون استثناء، والمحافظة في الوقت ذاته على استقرار الأداء الاقتصادي الكلي، وتخصيص أعلى من 0.25 تريليون ريال لضمان استمرار مختلف الأنشطة الاقتصادية في عملها، من خلال توفير المحفزات وأدوات الدعم الكافية لمختلف منشآت القطاع الخاص، والتركيز بدرجة أكبر على المنشآت المتوسطة والصغيرة، وحماية اليد العاملة المواطنة من مخاطر فقدان وظائفها. وستستمر بتوفيق من العلي القدير كتابة صفحات المجد لبلادنا على يد أبنائها عاما بعد عام، وينتقل حمل أمانة نهضته وحماية مقدراته من جيل إلى جيل يليه، تحت ظل قيادته الرشيدة وولاء المجتمع السعودي العظيم.
نقلا عن الاقتصادية