الرؤية التي وعدت بتحقيق طموحاتنا

25/08/2020 0
د. فواز العلمي

في الأسبوع الماضي أشاد المرصد العالمي لريادة الأعمال بالتقدم الذي أحرزته المملكة على صعيد ترتيبها في التقرير الصادر لعام 2019 / 2020، حيث حققت المملكة المرتبة الـ 17 في مؤشر حالة ريادة الأعمال صعودا من المرتبة الـ 41 في العام الأسبق. كما قفزت المملكة من المرتبة الـ 45 إلى المرتبة الـ 19 في مؤشر الريادة المالية لعام 2019، وحققت المرتبة الثالثة عالميا بين 54 دولة في مؤشر التشريعات والأنظمة الحكومية من حيث الدعم والارتباط، والمركز الـ 15 في مؤشر البرامج الحكومية الريادية العام الماضي صعودا من المرتبة الـ 35 عام 2018. ويصدر المرصد العالمي لريادة الأعمال مؤشره العالمي بعد دراسة مستفيضة تجري من قبل مجموعة من الجامعات العريقة، وتهدف إلى تحليل مستوى ريادة الأعمال في مجموعة واسعة من دول العالم.

وفي الأسبوع الماضي، أيضا أقر مجلس الوزراء السعودي النظام الجديد لمكافحة التستر ليسهم في تضييق منابع التستر والقضاء على اقتصاد الظل، ويشتمل على عقوبات مغلظة تصل إلى السجن خمسة أعوام، وغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال.

ويقر النظام آليات لحماية هوية وبيانات المبلغين عن قضايا التستر بعدم تضمينها في ملف القضية، ويكافئ المبلغين عن حالات التستر بنسبة تصل إلى 30 في المائة من الغرامة المحصلة بعد صدور الحكم واكتسابه الصفة النهائية.

في عصر محفوف بالتحديات العالمية المزمنة وعهد مخطوف من وسائل التواصل المغرضة وإعلام الفضائحيات المدمنة، تتجلى رؤية المملكة الصادقة للدفاع عن قضايانا المصيرية بحنكة مهنية، وتنفرد برامجها الطموحة لتذليل تحديات اقتصادنا الوطني بكفاءة احترافية، لتؤكد التقارير العالمية نجاح رؤيتنا وانفرادها بصعود مراتبها على المؤشرات الدولية.

وتأتي هذه المراتب المتقدمة لأول مرة في تاريخ المملكة، لأنها أخذت على عاتقها مواجهة تحدياتها بصدق وإخلاص دون المساس بالتزاماتها تجاه مواطنيها ومجتمعها واتفاقاتها الدولية. وتأكيدا لحرصها على تحقيق أهدافها أطلقت المملكة بتاريخ 25 نيسان (أبريل) 2016 رؤيتها لعام 2030 مدعمة بآليات حوكمة عملها الصادرة في 31 أيار (مايو) 2016، لتكون مهتمة بقضايا المواطن الأساسية ومتوجة بمسيرة الإصلاح الهيكلية، ومتزامنة مع خطط تنويع مصادر الدخل الحقيقية.

واليوم بعد أربعة أعوام من إطلاق "الرؤية"، تمضي المملكة قدما في تقليص اعتماد اقتصادها على النفط كسلعة وحيدة للدخل، في الوقت الذي لم تتراجع فجأة عن تأمين العيش الرغيد لمواطنيها، ولم تتنازل مرغمة عن تنمية مجتمعها، ولم تتوقف لزاما عن دفع رواتب موظفيها ومستحقات مشاريعها بسبب انخفاض أسعار النفط أو نفاد مخزونه أو انتهاء الحاجة إليه.

واليوم، استكمالا للشريحة الأولى من برامجها التي بدأتها ببرنامج التحول الوطني في 6 حزيران (يونيو) 2016 وبرنامج التوازن المالي في 22 كانون الأول (ديسمبر) 2016، أطلقت المملكة خلال الأعوام الأربعة الماضية عشرة برامج استراتيجية أخرى لتأكيد إصرارها على مواجهة تحدياتنا، والمضي قدما لجعل وطننا أكثر ازدهارا ومجتمعنا أكثر حيوية.

إن رؤيتنا الطموحة جاءت لتوفير العيش الكريم لأجيالنا بعد إنقاذ اقتصادنا من عقدة النفط، الذي كان يشكل نحو 82 في المائة من عوائدنا السنوية، ما أدى إلى تراجع إيراداتنا لدى انخفاض أسعاره العالمية، من 1044 مليار ريال عام 2014 إلى 608 مليارات ريال عام 2015، ليرتفع عجز الميزانية خمسة أضعاف خلال عام واحد، من 66 إلى 367 مليار ريال. وكان من المؤكد أن هذا العجز سيتفاقم مستقبلا ليتآكل جميع مدخراتنا وتزداد قيمة ديوننا السيادية، إلا أن "الرؤية" وعدت بزيادة إيراداتنا غير النفطية ستة أضعاف، من 163 مليارا إلى تريليون ريال، لترتفع حصة صادراتنا غير النفطية في ناتجنا المحلي من 16 إلى 50 في المائة على الأقل، والوصول بمساهمة قطاعنا الخاص في ناتجنا الوطني من 40 إلى 60 في المائة، لتصبح المملكة ضمن أفضل 15 اقتصادا في العالم بدلا من موقعها الراهن في المرتبة الـ 19.

إن أهداف طرح نحو 5 في المائة من شركة أرامكو السعودية للاكتتاب العام، وتخصيص 16 نشاطا حكوميا بالمشاركة مع القطاع الخاص، جاءت لتحويل صندوق الاستثمارات العامة إلى صندوق سيادي بأصول تقدر قيمتها بنحو 2.5 تريليون دولار، ليصبح بذلك أضخم الصناديق السيادية عالميا ويسيطر على أكثر من 10 في المائة من القدرة الاستثمارية في الكرة الأرضية، ليقدر حجم ممتلكاته بأكثر من 33 في المائة من الأصول العالمية.

وسيقوم هذا الصندوق باستهداف الاستثمار في القطاعات الربحية داخل المملكة وخارجها، وعلى رأسها قطاع التعدين السعودي، الذي تزيد قيمة موجوداته المؤكدة على 1.3 تريليون دولار، وذلك تحقيقا لتنويع مصادر دخلنا وزيادة فرص العمل في هذا القطاع إلى 90 ألف وظيفة.

إن رؤيتنا الطموحة جاءت لترشيد الإنفاق وتصحيح الدعم وتوجيهه للمستحقين فقط بعد أن ارتفعت تكاليفه السنوية عام 2015 إلى 500 مليار ريال، لتعادل 25 في المائة من الميزانية و12 في المائة من ناتجنا المحلي الإجمالي.

كما أن رؤيتنا الطموحة أصرت على الاستمرار في التنمية البشرية وتوليد وظائفنا الوطنية، فركزت أهدافها على تخفيض معدلات البطالة من 11.6 إلى 7 في المائة، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل من 22 إلى 30 في المائة، وزيادة نسبة مدخرات الأسر من إجمالي دخلها من 6 إلى 10 في المائة. ولتحقيق هذه المؤشرات كان لا بد من زيادة المحتوى المحلي لحجم مشترياتنا الخارجية، التي وصلت إلى 230 مليار دولار قبل إطلاق "الرؤية". وتشمل "الرؤية" زيادة هذا المحتوى: القطاعات العسكرية والنقل وتقنية المعلومات، الهادفة لتصنيع 30 إلى 50 في المائة من هذه المشتريات محليا، إضافة إلى توليد الوظائف وتوطينها ونقل التقنية وزيادة صادراتنا غير النفطية.

هذه هي نتائج رؤيتنا الطموحة التي أصبحت فخرا نعتز بنتائجها.

 

نقلا عن الاقتصادية