لقد نما استهلاك الطاقة الأولية في العالم بنسبة 1.3 في المائة العام الماضي، وهو أقل من نصف معدل 2018 (2.8 في المائة)، وفقا لآخر مراجعة إحصائية للطاقة العالمية الصادرة عن شركة بريتيش بتروليوم. ومع ذلك لا يزال هذا يمثل العام العاشر على التوالي الذي سجل فيه العالم أعلى مستوى جديد على الإطلاق لاستهلاك الطاقة.
أسهمت مصادر الطاقة المتجددة بأكبر نسبة من الزيادة في استهلاك الطاقة 41 في المائة. كانت طاقة الرياح هي المسهم الأكبر في هذا النمو، لكن الطاقة الشمسية كانت متقاربة. مرة أخرى تصدرت الصين جميع الدول في استهلاك الطاقة المتجددة، تليها الولايات المتحدة واليابان. ارتفعت حصة مصادر الطاقة المتجددة في توليد الطاقة إلى 10.4 في المائة متجاوزة الطاقة النووية لأول مرة. وأسهم الغاز الطبيعي في ثاني أكبر زيادة بنسبة 36 في المائة من النمو.
ومع ذلك كنسبة إجمالية من استهلاك الطاقة، ظل النفط في المقدمة بنسبة 33 في المائة من إجمالي استهلاك الطاقة العالمي. ففي عام 2019، استهلك العالم نحو 98.3 مليون برميل يوميا من النفط. كان هذا أعلى بنحو مليون برميل في اليوم من الاستهلاك في عام 2018، وكان الرقم القياسي العاشر على التوالي لاستهلاك النفط العالمي. وجاء باقي استهلاك الطاقة العالمي من الفحم (27 في المائة)، الغاز الطبيعي (24 في المائة)، الطاقة المائية (6 في المائة)، الطاقة المتجددة (5 في المائة)، والطاقة النووية (4 في المائة). بشكل تراكمي لا يزال الوقود الأحفوري يمثل 84 في المائة من استهلاك الطاقة الأولية في العالم في عام 2019.
في الواقع، كان الطلب الإجمالي على الطاقة كبيرا جدا لدرجة أن استهلاك الوقود الأحفوري استمر أيضا في النمو، كما أسلفنا. هذا يعني أن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية لا تزال في ارتفاع. في عام 2019، وصلت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى أعلى مستوى عالمي لها للعام الرابع على التوالي. لكن الجانب الإيجابي، هو أن نمو الانبعاثات في العام الماضي بلغت 0.5 في المائة فقط، وهو أقل من نصف متوسط الأعوام العشرة.
هناك تفاوت كبير بين انبعاثات الكربون في الدول المتقدمة والنامية. لقد كانت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الدول الـ 37 الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD في انخفاض منذ أكثر من عقد من الزمن، وهي تقريبا بالمستوى نفسه الذي كانت عليه قبل 25 عاما.
من ناحية أخرى، شهدت الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ارتفاعا في تزايد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون. هناك سببان رئيسان لهذا التفاوت. أحدهما أن دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حققت تنميتها في الماضي على خلفية الفحم الذي يتم التخلص منه الآن تدريجيا. لكن الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، خصوصا في آسيا تدفع عجلة التطور حاليا باستخدام الفحم، وهذا يؤدي إلى زيادة انبعاثات الكربون.
السبب الرئيس الآخر هو أن أغلب سكان العالم يعيشون في الدول النامية. على الرغم من أن نصيب الفرد من الانبعاثات في هذه الدول منخفض مقارنة بالدول المتقدمة، إلا أن الدخل آخذ في الازدياد والطبقة الوسطى تنمو. وبالتالي، فإن أي زيادة طفيفة في نصيب الفرد من الانبعاثات في الدول ذات الكثافة السكانية العالية يكون لها تأثير إجمالي كبير في الانبعاثات العالمية.
نحو 4.3 مليار شخص يعيشون في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. يمثل ذلك نحو 60 في المائة من سكان العالم. لذلك أدى الارتفاع البطيء في معدل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون للفرد الواحد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى زيادة انبعاثات المنطقة إلى أكثر من ضعف الانبعاثات مجتمعة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. ليست الصين والهند فقط من أسهم في هذه الزيادة، بل يعد عديد من دول آسيا والمحيط الهادئ من بين أكبر الدول المسببة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون وهي من بين الدول الرائدة في زيادة الانبعاثات.
يوضح هذا العدد الهائل من السكان سبب صعوبة كبح انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. يمكن للدول المتقدمة أن تشير إلى دول مثل الصين التي لديها انبعاثات إجمالية كبيرة كمشكلة، لكن يمكن للصين أن تلاحظ بحق أن انبعاثات الفرد من مواطنيها منخفضة مقارنة بالغرب. كان معدل انبعاثات الفرد الصيني العادي 7.0 طن متري من ثاني أكسيد الكربون في عام 2019. وهذا أقل من نصف 15 طنا من انبعاثات المواطن الأمريكي العادي. على الرغم من معدل نموها السريع إلا أن معدل انبعاثات الفرد في الهند لا يتجاوز 1.8 طن متري من ثاني أكسيد الكربون.
ومن ثم، فإن النقاشات حول الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون غالبا ما تصل إلى طريق مسدودة بشأن هذه القضايا. من الصعب على الدول المتقدمة إلقاء اللوم على الصين والهند حول الحد من الانبعاثات عندما يكون نصيب الفرد من الانبعاثات لديها مرتفعا للغاية.
لكن الشيء المؤكد هو أن الدول النامية دفعت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون إلى الارتفاع على مدار الـ 20 عاما الماضية. وتشير الاتجاهات الحالية إلى أن هذا الأمر سيستمر. لذلك لا يملك العالم فرصة للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون دون اكتشاف طريقة لوقف نمو الانبعاثات في هذه الدول النامية المكتظة بالسكان وتعمل على دفع عجلة التقدم في دولها، وهو حق شرعي لها.
إذا كان هناك جانب إيجابي في البيانات فهو أن معدل نمو الانبعاثات العالمية بنسبة 0.5 في المائة العام الماضي كان أقل من نصف المتوسط السنوي على مدى عقد من الزمن والبالغ 1.1 في المائة. علاوة على ذلك بسبب جائحة كورونا من شبه المؤكد أن تنخفض الانبعاثات هذا العام. لكن على المدى الطويل سيتطلب الأمر مزيدا من التخلص التدريجي من الفحم، واستمرار النمو المتسارع في اعتماد الطاقة المتجددة والتوسع في تطبيق تقنيات احتجاز وتخزين الكربون أو إعادة استخدامه CCUS. في هذا الجانب، ترى الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن تطبيق تقنية احتجاز وتخزين الكربون أو إعادة استخدامه على نطاق واسع يؤدي دورا بالغ الأهمية في تخفيض الانبعاثات الكربونية في المستقبل ودونها قد تكون تكاليف التخفيف من آثار التغير المناخي الاقتصادية أعلى بكثير.
نقلا عن الاقتصادية