يشهد العالم تزايدا حادا بما يسمى فقد المساواة inequality. وتعني تزايد الفروق في الثروات والدخول بين البشر تزايدا هائلا لم يسبق له مثيل في العصر الحديث. هناك في العالم قلة قليلة جدا من الناس، أقل من 5 في المائة تملك معظم ثروات البشر. في الوقت نفسه، يعيش مئات الملايين من البشر في فقر مدقع. وجاءت جائحة كورونا لتزيد من عدد ووجع الفقراء في العالم زيادة كبيرة. ومع هذه الزيادة زاد الاهتمام عالميا بموضوع التفاوت ومكافحة الفقر.
هنا يطرح سؤال جوهري: هل من رابط بين هذا التفاوت الحاد في الثراء والفقر، وهل تقليل التفاوت يساعد على مكافحة الفقر عالميا؟
إجابة السؤال السابق تفتح الباب لطرح أسئلة، من قبيل ما يلي:
كيف صار هذا التفاوت؟ وهل التفاوت لذاته لا مانع منه، أم أنه وضع غير مقبول؟ ولماذا هو غير مقبول عند من يقولون بذلك؟ هل مصلحة البشر واقتصاد العالم تدعو إلى تبني سياسات ينتج من تطبيقها خفض ثروات الأثرياء؟
أجوبة الأسئلة السابقة وأمثالها تبنى على مرجعيات الشخص، أي ما يؤمن به من أصول ومبادئ. وتلك الأصول والمبادئ يتفاوت الفرد فيها بناء على اعتبارات كثيرة كقدراته العلمية وخلفياته وفلسفاته أو نظرته لشتى مناحي الحياة. كما تتأثر غالبا بمصالحه حتى إن ادعى خلاف ذلك. هنا في هذا المقال أستند إلى اثنين: أحكام الإسلام ومتطلب نمو الاقتصاد ورفع معيشة البشر.
الحديث التالي يوضح لنا أن الإسلام يسمح بالتفاوت، من حيث هو.
في حديث رواه أبو هريرة - رضي الله عنه -: "أن فقراء المسلمين أتوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يارسول الله، قد ذهب أهل الدثور (المال) بالدرجات العلى والنعيم المقيم. قال وما ذاك؟ قالوا: يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ويتصدقون ولا نتصدق ويعتقون ولا نعتق. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أفلا أعلمكم شيئا تدركون به من سبقكم، وتسبقون من بعدكم، ولا يكون أحد أفضل منكم، إلا من صنع مثل ما صنعتم؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: تسبحون وتكبرون وتحمدون دبر كل صلاة: ثلاثا وثلاثين مرة. قال أبو صالح: فرجع فقراء المهاجرين، فقالوا: سمع إخواننا أهل الأموال بما فعلنا، ففعلوا مثله. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء".
سماح الإسلام بالتفاوت مشروط، ونعرف الشرط من قصة قارون في القرآن الكريم، في القصة لم يرد اعتراض على عظم ثرائه، ولكن الناس نهوه عن الفساد في الأرض، وألا تغره الثروة، التي بلغت مبلغا أخبر عنه سبحانه: "ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة".
ويدخل في الفساد الممارسات السوقية غير العادلة أي غير المشروعة، وهو موضوع طويل وله تفاصيل يعرفه أهل الاختصاصات بالتفصيل.
قال الشيخ العلامة ابن عثيمين - رحمه الله -: "أخطأ على الإسلام من قال إن دين الإسلام دين المساواة، بل دين الإسلام دين العدل". "لم يأمر ديننا بالمساواة ولكن أمر بالعدل".
ماذا بشأن التفاوت من وجهة اقتصادية تجريبية؟
ربما كان أشهر كتاب اقتصادي ناقش اختلالات وتفاوت الدخول والثروات عالميا كتاب توماس بيكيتي، أستاذ الاقتصاد الفرنسي، بعنوان "رأس المال في القرن الحادي والعشرين". النقاش في أساسه وجوهره على حركة اقتصاد السوق. موضوع تناوله البشر قديما وحديثا. إساءة عمل السوق تهديد للعدالة ومزيد فقر، كيف تحدث إساءة عمل السوق؟ عبر ما يسمى الممارسات غير المشروعة.
سجلات التاريخ تعطينا صورا وتوضيحات وأمثلة ووقائع شتى عن هذه الممارسات وأضرارها، ولا تحتاج إلى أن تكون متخصصا في الاقتصاد أو الفقه أو القانون أو نحو هذه التخصصات حتى تفهم هذه الأحداث من حيث الإجمال والعموم.
كيف يصنع اقتصاد السوق تفاوت الثروات؟
العائد على رأس المال عادة أعلى من معدل نمو الاقتصاد، أي إن رأس المال يكسب أكثر مما يكسبه الاقتصاد وغالب الناس. ومع مرور الأعوام تكبر الفروق في الدخل. بمعنى أن الأغنياء يزدادون غنى والآخرون ليس كذلك، مقارنة بارتفاع حقيقي في الدخل. وهذا يعني أن ملكية رأس المال متركزة في أقلية من الناس، وهو تركز يزيد مع نمو الاقتصاد وتطوره.
نمو الاقتصاد معبر عن التطور المادي، ومطلب لارتفاع معيشة الناس وتوليد وظائف لهم، ولكن رأس المال مطلب أساسي لتحقيق هذا النمو. كيف؟ نمو الاقتصاد يتطلب استثمارات. والاستثمارات تتطلب مدخرات، وحفز الادخار يتطلب تزايد نسبة رأس المال إلى الدخل. نرى هذا الوضع عبر التاريخ، تراكم رأس المال مطلب لتراكم الاستثمار، والاستثمار يجلب النمو، والنمو يحسن معيشة الناس، وهكذا. لكن تحسن المعيشة ليس سواء بين الناس. وهنا لا أرى أن هذا مشكلة، أي إننا بين خيارين: إما مساواة وإما ادعاء بها، ومعها فشل في تحفيز نمو الاقتصاد، كما رأينا في كتلة الدول الاشتراكية كالاتحاد السوفياتي سابقا. وإما قبول حدوث فروق مادية كبيرة بين البشر، لتحقيق نمو الاقتصاد وتطوره. وتصبح المشكلة ليس في الفروق، ولكن في أمرين جوهريين: الأول تحقيقها دون فساد، والآخر فعل كل ما يمكن لمحاربة الفقر. أي إن تزايد فروقات الدخل يجب أن يكون مصحوبا بتحسن في مكافحة الفساد ومكافحة الفقر. ومن يرون المساواة لعلاج الفساد والفقر، هم مثل من يرون مثلا منع الناس من قيادة السيارات لتحقيق هدف القضاء على حوادثها، والأمثلة كثيرة. مكافحة الفساد والفقر قضية بالغة الأهمية، النصوص الشرعية بالأمر بالعدل والاهتمام بجمع وأكل المال الحلال كثيرة. وقد جاء الفقر تاليا للكفر، قال نبينا محمد - عليه أفضل الصلاة والسلام -: "اللهم أني أعوذ بك من الكفر والفقر وعذاب القبر". ونحمد الله أن مكافحة الفساد والفقر حظيت باهتمام قوي من قيادة هذا البلد.
ما سبق من حديث عن عوائد رأس المال والنمو الاقتصادي، لا يغني عن إمكان خروج مشكلة في إحدى الدول.
ماذا لو ضعف النمو الاقتصادي، ولكن عوائد رأس المال لم تضعف؟ مسألة تتطلب بحثا وعمقا في طبيعة النمو وطبيعة العوائد، ولماذا أصابت النمو عوائق دون عوائد رأس المال. وكان هذا الأمر ضمن استجواب الكونجرس قبل أيام لرؤساء الشركات الأربع: جوجل، وأبل، وفيسبوك، وأمازون. ووجهت لهم اتهامات قوية باستخدام ممارسات غير مشروعة في السوق.
نقلا عن الاقتصادية
في العشرين سنه الاخيره ومع دخول الالفيه الثالثه وبروز منظمة التجاره العالميه كشرت معها الرأسماليه المتوحشه عن انيابها فزاد الاثرياء ثراءا فوق ثراء وزاد الفقراء فقرا فوق فقر !! ... في الدول المتقدمه كما في الدول الفقيره ومابينهما من دول بين بين زاد المليارديرات سنة بعد سنه وعاما بعد عام حتى اصبح ثري واحد يملك ميزانيات دول ... مئة مليار مئه وخمسين مليار دولار !! .. قبل ايام في تقرير عن الثروات في الهند حيث الرأسماليه والطبقيه باقبح صورها ...1٪ من السكان ( حوالي 14 مليون من اصل 1400 مليون نسمه تعداد سكان الهند ) يملكون حوالي ثلاثة ارباع ثروة البلد و 99٪ من السكان يتشاركون بالربع المتبقي !!؟ ... وقس على هذا بقية الدول بدرجات متفاوته ... مؤكد لو كان هناك عدل ( ولا نقول مساواه ) لما تضخمت الثروات بهذا الشكل المجحف واصبح هناك من يملك المليارات وهناك من لايجد لقمه يسد بها جوعه !! الانسان السوي ليس ضد الغنى والثروه فهذه سنة الحياه ان يكون هناك اغنياء وان يكون هناك فقراء ولكنه ضد هذا الثراء المتوحش الذي لايبقي ولايذر ... والله المستعان.