قبل أسابيع حذر الاقتصادي الأميركي ستيفن روتش من فقدان الدولار لحوالي 35 بالمائة من قيمته، وروتش ذو الـ 74 عاماً محاضر بجامعة ييل وكان يشغل سابقاً مناصب قيادية عليا في بنك مورجان ستانلي أحد أكبر بنوك الاستثمار بالعالم، وقد برر ذلك الانخفاض المتوقع بسبب ضعف الإدخار في أميركا لأقل مستوياته عند 1،4 بالمائة من الدخل القومي بعد أن كان يبلغ 7 بالمائة قبل أربعة عقود بالإضافة للزيادة بعجز الحساب الجاري وسياسات الحمائية التي تتبعها أميركا بمعاملاتها التجارية وكذلك تداعيات جائحة كورونا التي ستفاقم من عجز الموازنة ليصل هذا العام لحوالي 17 بالمائة فقد وضع كل المؤشرات التي هي بالواقع قائمة وتدعم نظرته لمستقبل الدولار ولم يبق إلا انتظار تحققها والذي ستظهره السنوات القليلة القادمة بل أنه اعتبر أن أي تغيير بساكن البيت الأبيض لن يغير من الأمر ما يمكن اعتباره أمراً مؤثراً مما يشير إلى استفحال الأزمة وأنها بنيوية وحلولها معقدة.
لكن ماذا يعني هذا الانزلاق الخطير للدولار فيما لو حدث؟ بداية لابد من الإشارة إلى أن دولار اليوم وبالمقارنة مع أسعار الذهب في عام 1935م فإنه يعادل قرابة 4 سنتات من الدولار في ذلك الوقت أي أن العملات دائماً ما تفقد من قيمتها عبر الزمان لكن بالعودة لمخاطر تدهور الدولار الذي توقعه روتش فإن الكثير من المتغيرات ستحدث فلن يحافظ الدولار على نسبته من احتياط النقد الأجنبي عالمياً والتي هبطت إلى 60 بالمائة حالياً من 70 بالمائة قبل عشرون عاماً أي أن الاتجاه نزولي، وبحسب روتش فإن عملات الصين واليورو أكبر المستفيدين والتي ستزاحم الدولار على موقعه في احتياطي العملات عالمياً مما يعني تغيراً كبيراً في توجهات الاقتصاد العالمي والاستثمارات فيه وكذلك بتنوع عملات التبادل التجاري وهذا بدوره يضعف من مكانة أميركا بالاقتصاد الدولي وينذر بضرورة إعادة تقييم مستقبل الدولار والعلاقة معه في كافة التعاملات سواء في بناء الاحتياطيات أو استمرارية تسعير السلع فيه.
أما الآثار المباشرة التي سيطال تأثيرها الجميع فهي ارتفاع أسعار السلع لأن أغلبها يتم تقييمها بالدولار وسترتفع بالإضافة لأسعارها المبنية على العرض والطلب بإضافة الفاقد من قيمة الدولار وذلك كاستيعاب للتضخم أي سنجد أن أسعار السلع الغذائية والنفط وغيرها جميعاً ترتفع بسبب انخفاض الدولار مما يعني تكلفة إضافية على المستهلكين والمنتجين، وبما أن بوادر النمو الاقتصادي قد لا تكون مشجعة بعد تداعيات جائحة كورونا فإن تراجع الدولار الحاد إذا حدث بفترة قريبة سيؤدي لانتكاسة اقتصادية تمسح أي نمو قادم وتعيد الركود للواجهة مع ارتفاع بالأسعار مما يعني الوقوع بفخ الركود التضخمي والذي سيكون علاجه مكلفاً على أي دولة تقع فيه، وما يعنينا في منطقتنا والمملكة تحديداً هو متابعة سلوك الدولار لأن الريال مرتبط به بسعر ثابت وحتى يتم تجاوز أي انخفاض فيه فلابد من الاتجاه لزيادة الإنتاج المحلي من السلع والخدمات بما فيها مدخلات الإنتاج لتقليل الواردات والاستفادة من الضعف المحتمل للدولار بزيادة الصادرات غير النفطية بما أن الريال مرتبط بالدولار فتصبح السلع المنتجة محلياً منافسة محلياً وعالمياً.
أدخلت جائحة كورونا العالم في حسابات معقدة والتغيرات التي ستحدث بهيكلية الاقتصاد العالمي ومراكز القوى فيه قادمة بكل تأكيد ومن بينها مكانة الدولار كعملة احتياط وأيضاً اللاعب الرئيسي في العلاقات التجارية وتسعير السلع دولياً ولذلك فإن أي تغير بمكانة الدولار سيعني عصراً اقتصادياً جديداً بلاعبين جدد ومؤثرين مختلفين ولابد من النظر للمستقبل لمعرفة أين تكمن المصلحة.
نقلا عن الجزيرة