أسباب تأخر انتشار السيارات الكهربائية؟

14/07/2020 0
وليد خدوري

تتراود أسئلة عدة عن أسباب تأخر تسويق السيارة الكهربائية. في الحقيقة، إن استبدال السيارة ذات محرك الاحتراق الداخلي (السيارة التقليدية) ليس بالأمر السهل بعد أن تم استعمالها لقرن من الزمن. وأصبح المستهلك في مختلف أرجاء العالم معتادا عليها، نظرا لتوفر إمكانية تزويدها بالوقود بسهولة من محطات البنزين المنتشرة في الطرق، ناهيك عن محطات الصيانة. وامتازت السيارة التقليدية باستعمالها لمسافات طويلة دون الحاجة للتوقف وتزويدها بالوقود. كما امتازت بتعدد أنواعها وأثمانها.

تحاول منذ سنوات شركات السيارات العالمية الكبرى، وشركات جديدة مثل تسلا في الولايات المتحدة، إنتاج وتسويق السيارة الكهربائية (السيارة الحديثة). لكن بعد سنوات من اختراع المركبة الكهربائية، لا تزال مبيعاتها محدودة العدد نسبيا مقارنة بالمركبة التقليدية. إذ يبلغ عدد المركبات التقليدية التي يتم إنتاجها سنويا على الصعيد العالمي حوالي 90 مليون سنويا.

وهناك نحو مليار مركبة على الطرق في الوقت الحاضر. والتوقعات تشير إلى إمكانية ازديادها إلى ملياري مركبة بحلول عام 2035 أما بالنسبة للمركبة الكهربائية، فيشير التقرير السنوي لوكالة الطاقة الدولية حول المركبات الكهربائية، إلى أن مبيعات المركبات الكهربائية عالميا قد سجلت رقما قياسيا في عام 2019 لتسجل نحو 2.1 مليون مركبة، وأن مجمل عدد المركبات الكهربائية في 2019 بلغ 7.2 مليون مركبة. تشمل المركبة الكهربائية كلا من السيارات والحافلات والشاحنات والدراجات.

من الواضح أن الفرق في العدد شاسع جدا بين التقليدية والحديثة. هذا أمر متوقع، نظرا إلى حداثة صناعة المركبة الكهربائية، مقارنة بالتقليدية.

تكمن أهمية المركبة الكهربائية في كونها أكثر صداقة للبيئة من السيارة التقليدية. كما تستخدم أحدث التقنيات العلمية. من المهم الأخذ بنظر الاعتبار أن الانتشار الواسع المستقبلي المتوقع للمركبة الكهربائية سيترك أثرا مهما على الطلب على النفط، إذ إن الوقود المستعمل في قطاع النقل البري يشكل أعلى نسبة من مجمل الاستهلاك العالمي النفطي سنويا. وهذا ما يشجع الحركات البيئية في تشجيع السيارة الكهربائية لما قد تتركه من آثار إيجابية على البيئة. كما تكمن أهمية المركبات الحديثة في محاولتها تنفيذ القوانين البيئية الجديدة في بعض الدول الأوروبية والولايات الأميركية (خاصة كاليفورنيا) حيث التشريعات بعدم الموافقة على استخدام السيارات التي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون بحلول منتصف القرن الحالي.

هناك محاولات حثيثة تجري خلال السنوات الماضية حول أداء وتكلفة بطاريات السيارة الكهربائية. يكمن أحد التحديات لبطارية السيارة الكهربائية في مدى توسيع سعة تخزينها للطاقة. وهناك أيضا المحاولات لتقليص انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحيث تنعدم هذه الانبعاثات كليا من السيارة الكهربائية لكي تجاري السيارة القوانين الجديدة التي يتم تشريعها، والتي تفرض صفرا من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بحلول منتصف هذا القرن.

وتدور التجارب أيضا حول الأمور المتعلقة بتشريج البطاريات، مثلا في أوقات الطلب الأعلى على الكهرباء، أو التخطيط لتوفير محطات تشريج البطاريات في الأماكن العامة أو بالقرب من مناطق العمل أو المساكن. كما تستمر الأبحاث قي دراسة إمكانية استعمال بدائل طاقة مستدامة أخرى في السيارة وتحويلها إلى سيارة هجينة مما يؤدي إلى تقليص الاعتماد على الكهرباء، أي أن السيارة تستعمل من خلال الطاقة الشمسية والكهربائية. وتحاول الشركات المصنعة للسيارة الكهربائية التنافس على إنتاج نماذج متعددة للسيارة الكهربائية لترغيب المستهلكين على شرائها.

لكن، إلى جانب الأبحاث العلمية الجارية لتطوير السيارة الكهربائية، هناك أيضا التجارب والدراسات حول المسائل العامة المتعلقة بسياسات الحكومات لتوفير الدعم المالي للشركات. والسؤال هنا، ما هي المجالات المحددة لإنفاق هذه المساعدات لدعم تطوير السيارة الكهربائية، وما هي أولويات هذا الدعم، كما ما هي السياسات العامة الواجب تشريعها لتشجيع تسويق السيارة؟

هناك أيضا عامل لافت للنظر يلعب دورا مهما في تشجيع ترويج السيارة الكهربائية. هو كيفية تحسين ودعم دور الحكومات والسلطات المحلية في تنفيذ سياسات الدول، وكيفية تعاملها مع السكان المحليين لكي يتقبلوا شراء السيارة الكهربائية، وكيفية التعامل والتعايش معها رغم التباينات مع السيارة التقليدية التي أصبحت جزءا مهما من حياتهم اليومية. وقد أصدر معهد أكسفورد لدراسات الطاقة ملخصا لدراسات وبحوث قدمت في ندوة عقدها مؤخرا عن آفاق السيارة الكهربائية، حيث تم بحث هذا الموضوع الشائك من جوانبه المتعددة. وسنستعرض هنا الأمور المتعلقة بأهمية تعاون الحكومات والسلطات المحلية مع السكان وكيفية استطلاع ردود فعل كل من السكان والشركات المحلية للسيارة الحديثة، وكيف تحاول السلطات المحلية التوفيق ما بين انطباعات وأولويات السكان مع الأهداف والسياسات الحكومية. إذ تدل هذه المحاولات إلى الصعوبة والوقت الطويل الضروريين لاستبدال سلعة أساسية معروفة لدى المستهلك واستبدالها بواسطة سلعة حديثة العهد. يشير ملخص معهد أكسفورد للطاقة إلى الآتي:

- يدل واقع الأمر أنه لا يوجد تنسيق كاف وباستمرار ما بين الحكومات والسلطات المحلية، الأمر الذي قد يؤدي إلى إبطاء سرعة الانتقال إلى السيارة الكهربائية. ومثال على ذلك، أن الأهداف في أوروبا للانتقال إلى السيارة الكهربائية يتم إعدادها من قبل الاتحاد الأوروبي، بينما تبقى الحكومات الأوروبية حرة لتبني السياسات لتنفيذها. فالأهداف الحكومية تحاول التوفيق والتنسيق ما بين شركات السيارات ومنتجي قطع السيارة المتعددة وطرق التمويل (البطاريات، الوقود، الأسواق المالية والبورصات، والبنى التحتية). لكن، تقع المسؤولية النهائية لاتخاذ القرارات على كل من الحكومات والسلطات المحلية. إذ إن مسؤولية السلطات المحلية هي التوفيق ما بين أهداف الحكومة والشركات المحلية والمستهلكين الذين يتوجب عليهم الموافقة وقبول عملية التغيير وشراء السيارة الحديثة في نهاية المطاف.

- تواجه السلطات المحلية صعوبات في التنسيق. إذ يتوجب عليهم استمزاج آراء السكان والشركات المحلية من خلال استشارتهم قبل اتخاذ الخطوات الأولى لتنفيذ السياسات الحكومية. تؤدي هذه الاستشارات في بعض الأحيان إلى تقليص التوقعات الأولية للاستفادة من السيارة الكهربائية. وكمثال على ذلك، تحديد المساحات في بعض الطرق والأحياء كمناطق القليلة الانبعاثات للغازات الملوثة. وبناء على هذه الاستشارات الأولية، قد تضطر السلطات إلى تغيير مساحة المناطق القليلة الانبعاثات.

- كما تواجه السلطات المحلية في فترة الاستشارات الأولية صعوبة الحصول على المخصصات المالية اللازمة للانتقال إلى مرحلة استعمال السيارة الجديدة، بالذات تحمل تكاليف نفقات البنى التحتية لاستعمال السيارة الكهربائية. وهنا يبرز السؤال: من يتحمل تكاليف نصب الآلات لشحن بطاريات السيارات محليا؟ كما على السلطات المحلية التنسيق مع الدوائر الحكومية المعنية وسياستها المقترحة لتفادي الاختناقات في الطرق المحلية.

- ومن المعروف، أن الكلام عن السلطات المحلية يعني ضرورة التعاون والتنسيق ما بين عدة دوائر محلية، كل منها ذات صلاحيات ومهام مختلفة. ومن ثم، فالعملية ليست بهذه السهولة، وقد تأخذ وقتا طويلا ومحاولات مضنية للتوفيق ما بين السلطات المحلية المتعددة ومطالب كل منها.

 

نقلا عن الشرق الأوسط