مقاطعة «فيسبوك»

13/07/2020 0
د. عبدالله الردادي

هل تجني «فيسبوك» الأرباح من وراء الرسائل المحرضة على الكراهية؟ يبدو أن هذه الفكرة شاعت خلال الأسابيع الماضية على خلفية الموجة العالمية لمحاربة العنصرية، فقام مستخدمو التواصل الاجتماعي بإطلاق حملة «أوقفوا الكراهية لأجل الربح»، التي تدعو لمقاطعة أكبر موقع للتواصل الاجتماعي على الإطلاق. شرارة هذه الحملة كانت تصريحات مارك زوكربيرغ، المدير التنفيذي والمؤسس لـ«فيسبوك»، بتبريره عدم حذف منشورات الرئيس الأميركي بداعي حرية الرأي والخطاب، ليتعرض بعدها لإحدى أعنف حملات المقاطعة لموقعه.

الجديد في هذه المقاطعة أنها لم تكن من مستخدمي الموقع فحسب، بل شاركت فيها كبريات الشركات العالمية المعلنة في الموقع، مثل «كوكاكولا» و«يونيليفر» و«ستاربكس» و«ليجو». وتعدى عدد الشركات المقاطعة لـ«فيسبوك» شركة، وقد يصل هذا العدد إلى أكثر من شركة مع التوسع المستمر هذه الحملة والضغط المستمر من المستهلكين على الشركات. وبينما قاطعت بعض هذه الشركات الموقع لشهر فحسب، أعلنت شركات أخرى أن هذه المقاطعة مستمرة، حتى تتخذ «فيسبوك» إجراءات حاسمة لمنع انتشار المنشورات المحرضة على الكراهية. وبسبب هذه الحملة، انخفضت أسهم «فيسبوك» نحو في المائة، لتخسر الشركة أكثر من مليار دولار من قيمتها السوقية، وهو مبلغ يزيد على القيمة السوقية لـ«تويتر» و«سناب تشات» مجتمعين!

وتتعدى عوائد «فيسبوك» السنوية مليار دولار، غالبيتها من الإعلانات، إلا أن العدد الضخم للمعلنين عبرها قد لا يجعل حملة المقاطعة مؤثرة بشكل فعال. فعدد الشركات المعلنة عبر «فيسبوك»، يزيد على ملايين شركة منتشرة حول العالم، وحتى لو تعدى عدد الشركات المقاطعة شركة، فلن يؤثر ذلك على «فيسبوك» بشكل كبير. ويقدر الخبراء أن أثر هذه المقاطعة لن يزيد على في المائة من أرباح الشركة لهذا العام، وهو ما يطرح الأسئلة، هل أصبحت «فيسبوك» منيعة من الخسارة؟ وهل يستطيع أحد الوقوف في وجه الشركة التي يبلغ عدد مستخدميها . مليار مستخدم؟ وقد سبق لـ«فيسبوك» خلال السنوات الماضية التعرض لعدد من الحملات المعارضة، تعلق غالبيتها باتهامات انتهاك الخصوصية، لا سيما مع فضيحة «كامبردج أنالاتيكا» التي اتهمت فيها الشركة بتسريب معلومات المستخدمين دون الإفصاح عن ذلك. كما اتهمت كذلك «فيسبوك» بالتأثير على الانتخابات الأميركية، ولكن ذلك كله لم يؤثر في أرباح الشركة بشكل كبير، بل إن سهم الشركة كان ولا يزال في أعلى مستوياته. وحملة المقاطعة - على الرغم من انتشارها - إلا أنها محصورة بالنطاق الجغرافي للعالم الغربي، فهي لن تصل لكثير من الدول الآسيوية التي لن تتوقف عن الإعلان في «فيسبوك»، وإن وصلت لها فقد لا تأبه هذه الدول لها بسبب الاختلاف الثقافي، وتفاوت مستوى التأثر بخطاب الكراهية.

و«فيسبوك» تدّعي أنها تزيل أكثر من في المائة من المنشورات المحرضة على الكراهية، والواقع أن الـ10 في المائة المتبقية تنتشر بشكل سريع جداً، ومع انتشارها، فإن دخل الإعلانات يزيد، ذلك أن دخل الإعلانات للشركة يعتمد على عدد مرات الظهور للإعلان. وهو ما دعا جمعيات الحقوق المدنية بمطالبة «فيسبوك» بمراقبة المواضيع المطروحة بها عبر توظيف أنظمة ذكاء صناعي أكثر تعقيداً من المستخدمة حالياً. كما طالبت هذه الجمعيات بتعيين تنفيذيين بالشركة من ذوي الخبرات في محاربة العنصرية وخطاب الكراهية، إضافة إلى تكليف شركة تدقيق إعلامية مستقلة لمراقبة محتوى الموقع، والتأكد من عدم انتفاع «فيسبوك» من المنشورات المحرّضة. إلا أن اجتماع «فيسبوك» بالجمعيات المدنية، الأسبوع الماضي، لم يأت بنتائج مبشرة، فخرج مسؤولو هذه الجمعيات بتصريحات محبَطة عن عدم استعداد «فيسبوك» للامتثال لكثير من مطالباتها، التي وصفوها بـ«المحددة». ويبدو أن «فيسبوك» وصلت لمستوى قد لا تقبل فيه الرضوخ لمطالبات جمعيات مدنية، وهي التي عادة ما تصطدم مع حكومات كبريات الدول.

إن محاربة العنصرية رسالة نزيهة، إلا أن توقيت هذه المقاطعة يثير الشكوك، ففي هذا الوقت تعاني عديد من الشركات من عدم توفر السيولة المطلوبة للإعلانات، ومقاطعة «فيسبوك» تعطي هذه الشركات مبرراً لعدم الإنفاق على الإعلانات في وقت تعاني فيه من شح السيولة، وهو ما يعطي انطباعاً للبعض عن انتهازية هذه الشركات. ففي الأزمات تزيد أهمية الحملات الإعلانية لكسب المزيد من الحصص السوقية، بينما الإحجام عنها قد يفقد الشركات مبيعات هي في أمس الحاجة لها. ويطرح المشككون في هذه الشركات أسئلة متعددة، هل تصب المقاطعة في مصلحة المساهمين في هذه الشركات؟ وهل شارك المساهمون في اتخاذ هذه القرارات؟ وهل قام مديرو هذه الشركات بالمقاطعة بهدف التبرير المسبق لخسائر متوقعة في الفترة المقبلة؟

 

نقلا عن الشرق الأوسط