هل يستطيع الصحافيون تحقيق ما لم تحققه الحكومات؟

22/02/2021 0
د. عبدالله الردادي

في خطوة مفاجئة، منعت «فيسبوك» نشر الأخبار في أستراليا على منصاتها الاجتماعية، بعد مناقشة حكومة أستراليا قراراً يُلزم مواقع التواصل الاجتماعي تعويض المؤسسات الصحافية عن الأخبار المنشورة على صفحات التواصل الاجتماعي. يعدّ هذا التصرف استمراراً للمصادمات المستمرة بين الحكومات والشركات التقنية، الذي لم يَعد حبيس النقاشات البرلمانية فحسب، بل تعدى ذلك إلى الواقع. والمواجهات بين الحكومات والشركات القانونية تنوعت خلال السنوات الماضية بين مواجهات تهدف إلى حماية حقوق الخصوصية للشعوب، وأخرى تهدف إلى الحصول على الأموال من هذه الشركات سواء من خلال التعويضات الضريبية أو غيرها. في المقابل، فإن الشركات التقنية العملاقة كشّرت عن أنيابها في أكثر من موقف كان أشهرها إيقاف موقع «تويتر» حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، ورفض عدد من الشركات التقنية الأميركية التوقيع مع الحكومة الأميركية حتى تحقق مطالبها التي تتمثل في «العدالة الاجتماعية». واليوم تصطدم «فيسبوك» مع الحكومة الأسترالية في خطوة وصفها المسؤولون الأستراليون بأنها أشبه باستعراض العضلات أو التنمر.

من وجهة نظر الحكومة الأسترالية، فإن مواقع التواصل الاجتماعي تتغذى على الأخبار التي يضنى من أجل جمعها وتحقيقها وتحريرها الصحافيون، بينما تجني مواقع التواصل ثمرة هذه الجهود بمجرد نشرها على منصاتها الإلكترونية بأنواعها، محققةً ملايين الدولارات. ويُلزم القانون، الذي تنوي الحكومة الأسترالية إقراره، منصات التواصل الاجتماعي بالتوقيع مع المواقع والصحف والمؤسسات الإعلامية للحصول على حقوق نشر الأخبار التي تصدرها. ونفرت «فيسبوك» من هذا القانون بإجرائها العنيف الذي أوقف نشر الأخبار الأسترالية منذ يوم الجمعة، كما أوقفت بطريق الخطأ عدداً من الخدمات الحكومية الأسترالية التي شملت تعليمات الإجراءات الاحترازية للجائحة وعدداً من الخدمات الاجتماعية الأخرى، وعلى المقابل فإن «غوغل» لم تمانع هذا القانون، موقّعةً مع عملاق الإعلام «سكاي» المملوكة لروبرت مردوخ.

أما من وجهة نظر «فيسبوك»، فالأمر ليس معنياً بأستراليا بذاتها، بل بقانون لو أذعنت له في بلد لَتسابقت الدول لإقراره. وارتأت «فيسبوك» أن تضحّي بالسوق الأسترالية، الذي رغم ضخامته فإنه لا يشكّل إلا قطرة في بحر استثمارات «فيسبوك» العالمية. وترى «فيسبوك» أن المواقع الإخبارية الأسترالية حصلت على أكثر من خمسة مليارات مشاهدة من خلال مشتركي «فيسبوك» بقيمة تتجاوز 310 ملايين دولار، وهو عائد كافٍ من وجهة نظر الشركة الأميركية. وقد يبدو الإجراء الذي اتخذته «فيسبوك» كأنه إبلاغ لبقية الحكومات أن «فيسبوك» لن ترضخ للضغوط الحكومية المماثلة. ولا تمثل الأخبار أكثر من 4% من مجموع المنشورات في صفحات «فيسبوك»، وهي نقطة تراها «فيسبوك» في صالحها، كون عدم نشر الأخبار قد لا يؤثر كثيراً عليها، إلا أن هذا الرقم كذلك يدل على أن ما قد تدفعه «فيسبوك» مقابل نشر هذه الأخبار قد لا يكون كبيراً إذا ما رُبط بالمحتوى الإخباري الذي قد يُنشر.

وقد يكون هذا النظام مَخرجاً للمؤسسات الصحافية من أزماتها المالية المستمرة التي بدأت منذ انطلاقة مواقع التواصل الاجتماعي، وسيطرت مواقع التواصل الاجتماعي على سوق الإعلانات العالمية بعد أن كانت تحت سيطرة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة التقليدية. وفيما تشتكي الشركات التقنية من محاولات الحكومات المستمرة لجني الأموال منها، إلا أنه وفي هذه الحالة تحديداً قد يكون الأمر مختلفاً، فالصحافيون هم من يُثرى المحتوى الإعلامي بتحقيقاتهم وتغطياتهم، بينما يشكّل الأفراد غالبية محتوى وسائل التواصل الاجتماعي، وهو محتوى على الرغم من أهميته فإنه يختلف في مضمونه وأهميته وحتى في مستوى الثقة به عن المحتوى الذي تقدمه المؤسسات الصحافية. ومن دون المحتوى الإعلامي الصحافي تفقد وسائل التواصل الاجتماعي نسبة لا يستهان بها من أهميتها.

الشركات التقنية تصادمت في السابق مع الحكومات، ولا تزال كذلك، فهي الآن تواجه الحكومات مواجهة الندّ للندّ، إلا أنها قد لا تتمكن من مواجهة الصحافيين بنفس الطريقة، فلو تمكنت الحكومات من تطبيق هذه القوانين في جميع بلدان العالم، فسوف يعني ذلك انتعاش المؤسسات الصحافية وعودة النشاط لمهنة الصحافة التي أصبحت مهدَّدة بالخطر بسبب إفلاس كثير من الصحف في العالم. ولو ركز الصحافيون أقلامهم لمجابهة الشركات التقنية بما فيه مصلحة لهم بالخروج من أزمة مؤسساتهم، لَما تمكنت الشركات التقنية من مواجهتهم، فهل يستطيع الصحافيون تحقيق ما لم تحققه الحكومات؟

 

 

 

 

نقلا عن الشرق الأوسط