التفاؤل يعود إلى أسواق النفط، حيث رفع بنك أمريكا توقعاته لأسعار النفط لهذا العام والعام المقبل على خلفية انتعاش الطلب بعد تخفيف عمليات الإغلاق المرتبطة بجائحة كورونا، تراجع العرض مدعوما بصورة رئيسة بخفض الإنتاج من قبل مجموعة "أوبك +" وتراجع الإنفاق على المشاريع الجديدة. يرى البنك الآن أن أسعار خام برنت ستبلغ في المتوسط 43.70 دولار للبرميل في 2020، ارتفاعا من تقديراته السابقة البالغة 37 دولارا للبرميل. وفي 2021 و2022، توقع البنك متوسط أسعار 50 دولارا و55 دولارا للبرميل على التوالي. مع الانتقال إلى النصف الثاني من 2020 يتوقع بنك أمريكا أن تشهد معظم المناطق انخفاضا في المخزون. ونتيجة لذلك، من المحتمل جدا أن يعود منحنى أسعار خام برنت بالكامل إلى حالة التراجع Backwardation بحلول نهاية العام، بمعنى أن أسعار الشهر الفوري هي أعلى من أسعار الأشهر اللاحقة.
ومع ذلك، حذر آخرون من أن خطر هبوط أسعار النفط لا يزال قائما. في هذا الجانب، أشار بعض المحللين إلى أن العقود الآجلة لخام برنت تتعرض لضغوط حيث يبيع بعض المتداولون بأقل من 40 دولارا للبرميل، محذرين بأن ليس كل شيء جيدا في السوق بعد. وأشاروا أيضا إلى أنه في حين أن بعض المتفائلين يرون انتعاشا وإمكانية تصاعدية للأسعار، إلا أن الوقائع على المدى القصير ليست مؤكدة تماما بعد.
عند النظر إلى الأخبار، والنشرات والحقائق على أرض الواقع، فإن الاستنتاج الحقيقي الوحيد الذي يمكن استخلاصه هو أن استمرار ارتفاع الأسعار لا يعتمد بعد بالكامل على أساسيات السوق. إن ارتفاع الطلب المستمر، كما يتضح من بعض التحليلات في آسيا، لا يقوم على استعادة الطلب من المستهلكين أو الصناعة، ولكن يرجع ذلك إلى حد كبير إلى تشغيل المصافي بطاقات عالية مستفيدة من أسعار النفط المنخفضة نسبيا.
بشكل عام، يجب التعامل بحذر مع التفاؤل الذي يسود الأسواق، حيث لا توجد حتى الآن أي علامات حقيقية للتحسن متوافرة في الاقتصادات الرئيسة في العالم، خاصة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ما يشير إلى العودة إلى اقتصاد ما قبل جائحة كورونا. يبدو أن بعض المحللين والمستثمرين في أسواق النفط ينسون أن الأرقام الاقتصادية الحالية سيئة للغاية بالفعل. عند النظر إلى الوضع الاقتصادي في منطقة اليورو، والاتحاد الأوروبي بشكل عام، فإن الأرقام الاقتصادية الإيجابية هي إلى حد كبير نتيجة الدعم المالي الحكومي.
الولايات المتحدة والأسواق الرئيسة الأخرى لا تبدو أفضل حالا. تدعم حزم التحفيز الأمريكية الحالية بعض قطاعات الاقتصاد، في حين أن أرقام البطالة المرتفعة تاريخيا ستؤدي بالفعل إلى أخذ الملكية، وارتفاع ديون الائتمان، وفشل سداد قروض السيارات، إلخ. كما أن الطلب على النفط الخام، في ثاني أكبر سوق مستهلكة في العالم، يبدو أنه لم يتعاف بالكامل بعد. الأرقام الآسيوية، التي يتم عرضها من قبل عديد من المحللين على أنها تبدو واعدة، من غير المرجح أن تلبي التوقعات مرة أخرى. كانت أرقام الإنتاج الصيني ونمو الناتج المحلي الإجمالي بالفعل موضع جدل كبير قبل الوباء العالمي، والآن ستعاني انخفاض الطلب في التجارة والصراعات السياسية المحتملة.
حتى داخل أسواق النفط الفعلية نفسها، يبدو أن التفاؤل حذر. ولا تزال تخفيضات الإنتاج من قبل تحالف "أوبك +" قائمة، ولكن الامتثال يقل عن 90 في المائة، ما يعني أن بعض المنتجين الرئيسين ما زالوا لم يمتثلوا بالكامل. المملكة، والإمارات العربية المتحدة والكويت تلتزم بتعهداتها، لكن العراق ودولا أخرى تكافح بالتعامل مع التخفيضات.
من جهة أخرى يبحث المنتجون من خارج "أوبك" عن مخرج، حيث أشارت روسيا في أكثر من مناسبة إلى أنها لا ترى أي خيارات طويلة الأجل لخفض الإنتاج. في الوقت الحالي، ما زال إنتاج النفط الأمريكي الذي تضرر من كل من جائحة كورونا وأسعار النفط المنخفضة يعاني، لكن لديه إمكانية العودة إلى الأسواق بسرعة نسبيا. إذا بقيت أسعار خام غرب تكساس الوسيط النفط في نطاق 35 ــ 40 دولارا للبرميل، سنشهد عودة ظهور عديد من شركات النفط الصخري وكميات إضافية في السوق. علاوة على ذلك، لا تزال مخزونات النفط الخام العالمية عند مستويات عالية تاريخيا. تبقى الحقيقة أنه لا يزال هناك كثير من النفط المتاح، ولكن يتم استخدام المخزون الاستراتيجي لتحسين أرقام التخزين.
سبب آخر للتوقعات المتفائلة في السوق هو أن استراتيجية الربح لشركات التكرير أدت إلى ارتفاع مخزونات المنتجات النفطية، حيث إن الطلب على المنتجات منخفض. يمكن ملاحظة ذلك في مخزونات الخام الأمريكية التي قيل إنها نمت بأكثر من المتوقع، ما زاد من المخاوف بشأن زيادة العرض. على الرغم من أن أرقام المنتجات أظهرت تراجعا، إلا أن التفاؤل هنا يعتمد على حقيقة أن استهلاك الوقود في ازدياد حيث إن بعض الاقتصادات تخفف من إجراءات الإغلاق. لكن عند النظر إلى الأرقام الحقيقية، لا يزال الطلب على المنتجات أقل بكثير من الأرقام العادية للوقت نفسه من العام الماضي.
بالنظر إلى أساسيات السوق، جنبا إلى جنب مع الاضطرابات الاقتصادية والجيوسياسية المتزايدة على مستوى العالم، لا يوجد مبرر حقيقي للتفاؤل بصورة مفرطة في سوق النفط في 2020. من المتوقع أن يشهد كل من صيف وخريف 2020 فترات متقلبة لأسواق النفط، مع ركود اقتصادي محتمل بحجم غير معروف قد يضرب الاقتصاد العالمي.
لكن بشكل عام أسواق النفط تخطت الأسوأ منذ اتفاق "أوبك +" مطلع الشهر الماضي، مع ذلك يجب التعامل بحذر مع التفاؤل الذي يسود الأسواق حاليا. وهذا ما أشار إليه الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي في مستهل اجتماع لوزراء مجموعة "أوبك +"، حيث أعرب عن تفاؤله الحذر باستقرار أسعار النفط، وأكد أن هناك مؤشرات مشجعة على أن السوق قد تجاوزت الأسوأ رغم الصعوبات.
من دون شك، حال أسواق النفط في 2021 ستكون أفضل. حيث من المتوقع أن ينمو الطلب على النفط في 2021 بقوة، وسنشهد تحولا من سوق يحركها الطلب إلى وضع يحركه العرض. سترتفع الأسعار، حتى مع وجود أزمة اقتصادية عالمية.
نقلا عن الاقتصادية
هل المقال مترجم ؟